غسان المفلح
لم تعد قضية تواطؤ إدارة أوباما مع تدخل روسيا العسكري الإجرامي المباشر في سوريا عام 2015 مثار خلاف، كما أشرنا إلى ذلك في حينه.
هذا التواطؤ لم يتم بتوافق مع أمريكا فقط، بل مع الصين وأوروبا الغربية وبعض دول المنطقة وصولا إلى هيئة الأمم المتحدة، تماما كما حدث الأمر مع التدخل الإيراني الإجرامي مباشرة أو عبر حزب الله والميليشيات الشيعية التي تأتمر لإيران وتمولها أيضا منذ اليوم الأول للثورة السورية آذار 2011. هذا التوافق الأوبامي الروسي على التدخل العسكري لصالح نظام الأسد، فضحه أكثر من مسؤول في إدارة أوباما، هذا يعيدنا إلى تصريحات بعض المسؤولين الروس بمن فيهم سيرغي لافروف وزير خارجية بوتين عندما كانوا يؤكدون لبعض إعلام أو لبعض معارضة سورية التقتهم، أن مصير الأسد مرتبط بأمريكا، بالمقابل يؤكد نفس المسؤولين أنه لولا التدخل العسكري الروسي لسقط الأسد.
على نفس المنوال أيضا صرح مسؤولو نظام الملالي وحسن نصر الله، أنه لولا تدخلهم لسقط الأسد. من جهة أخرى ذكر بعض مسؤولي إدارة أوباما في مذكراتهم ومقابلاتهم بعد ترك مناصبهم، أن إدارة أوباما بشكل أو بآخر هي من سمحت ببقاء الأسد، ولن يكون آخرهم وليم بيرنز الذي كان مساعدا لوزير خارجية أوباما أثناء المفاوضات مع إيران وروسيا حول الملف النووي الإيراني، الذي تحدث في مقابلة سابقة له مع صحيفة الشرق الأوسط عن تواطؤ إدارته مع بوتين وخامنئي، وكيفية إدارتها الخاطئة للملف السوري، هذا يؤكد أن ما جرى هو احتلال دولي للثورة السورية. هنالك من يستغرب متسائلا: لماذا الصين وروسيا تصران على استخدام الفيتو بكل ما من شأنه أن يضعف نظام الأسد أو يسقطه؟ لأن أمريكا هنا شريكة من جهة، لكنها ليست متوافقة مع الصين وروسيا بشكل كامل، شريكة ومتواطئة ليس إلا، التواطؤ وحتى الشراكة مع روسيا لها حدود نسبية، هذه النسبية تجعل روسيا والصين أيضا في حالة توجس من أي قرار أمريكي أو غربي ليس في سوريا فقط بل في المنطقة.
لسان حال أمريكا: تواطأت على تدخلك العسكري لكن لا يعني أبدا أنك سيد مطلق بالملف. كيف إذا تجري العلاقة بين أمريكا وروسيا في الملف السوري؟ في الحقيقة هذا السؤال يحتاج نفسه لبحث خاص، لكن نستطيع القول خاصة بعد احتلال أمريكا للجزيرة السورية من خلال الحرب على داعش: أن أمريكا استخدمت روسيا فقط، الدليل هو العجز الروسي رغم كل التهويل في قوة روسيا، عن حسم قضايا صغيرة في سورية، فما بالنا بحسم روسي لكامل الملف. هذا ما تشكو منه روسيا دوما من أن الاحتلال الأمريكي يعطل الحل السياسي في سورية، المقصود الحل الروسي، روسيا وجدت نفسها في بعض المناطق السورية بمواجهة ناعمة مع الاحتلال الإيراني، وصل إلى حد تنازع واضح في بعض المناطق كالجنوب السوري، هل تستطيع روسيا فرض أجندتها في سورية على طهران؟ الواضح حتى اللحظة أن الجواب بالنفي، رغم الاتفاق على خط عريض وهو بقاء الأسد في قصره وهذا ما يهم الأسد في النهاية.
بعد هذه القراءة وفي ظل أزمة الخبز والمحروقات وقطاع الكهرباء وغيره من الأزمات الحادة في سورية التي تحت سيطرة الأسد وروسيا وإيران، ألا يستدعي هذا سؤالا: لماذا لا تساعد روسيا الأسد في حل أزمة الخبز مثلا؟ كما تحاول إيران جاهدة في حل أزمة المحروقات من خلال تصدير النفط لسورية، رغم أن روسيا قادرة على حل أزمة الخبز فيما لو أرادت لأنها دولة مصدرة للقمح. من جهة أخرى هل يمنع الأسد روسيا من حل أزمة الخبز؟ ما هو المطلب الروسي مقابل ذلك؟ الروس يعقدون اتفاقيات محلية وقطاعية في بعض المناطق دون الرجوع للأسد وإيران ودون رضاهما أحيانا.
اتفاقيات روسية عابرة في مناطق الجزيرة مع قسد والشمال مع تركيا والجنوب مع فصائل محلية، آخرها كانت مبادرة روسيا في السويداء من أجل حل مشكلة شباب المحافظة المتخلفين عن التجنيد الإلزامي في جيش الأسد.
هذه المبادرة التي لم تسفر نتائجها عن شيء حتى اللحظة. من هذه التفاصيل يمكننا طرح سؤال مركزي: هل الروس يستطيعون فرض ما يريدون على الأسد؟ على فرض كما يرى بعض المعارضة كل فترة من أن الروس يعملون لتغيير الأسد!! فهل الروس قادرون على فرض مثل هذا الحل؟ اعتقد أن هنالك عائقين لهذا السيناريو: الأول هو الموقف الأمريكي أو لا يمكن للروس فرض تغيير الأسد دون موافقة ومساهمة أمريكية.
الثاني العائق الإسرائيلي. إسرائيل نفسها اشترطت على بوتين قبل تدخله الإجرامي في سوريا، أن الأجواء السورية عبارة عن حديقة خلفية للطيران الإسرائيلي، يتمرن فيها بالمواقع الإيرانية. بوتين يستطيع قتل الشعب السوري لكنه لا يستطيع منع الطيران الإسرائيلي من اختراق الأجواء السورية. هذا إن دل فهو يدل بالنهاية على أن الحل الأسدي في واشنطن وتل أبيب، وهذا ما تدركه إيران أيضا ويدركه الأسد، لهذا لا يستطيع الروس فرض ما يريدون على الأسد. واختم بملاحظة عابرة لا إيران ولا روسيا تستطيعان اختراق جيش الأسد كما يشاع أحيانا.
وكما ألمح وليم بيرنز بنفس المقابلة المشار إليها أعلاه أن بوتين وروسيا في حالة قلق دائم بشكل عام وسوريا بشكل خاص من السياسة الأمريكية. لكن يبقى السؤال الروسي في سوريا مفتوحا على قلق روسيا من موقف أمريكا