• الإثنين , 23 ديسمبر 2024

أستانة..مسار تدمير المعارضة السورية وتنفيذ الأجندة الروسية

العقيد عبد الجبار العكيدي

تزامناً مع الذكرى الخامسة لسقوط الأحياء الشرقية لمدينة حلب، وتهجير أهلها بعد تدميرها فوق رؤوس ساكنيها من قبل الطائرات الحربية الروسية في تكرار لتجربة كروزني، انتهت النسخة ال17 من جولات مسار أستانة في مدينة نور سلطان الكازاخستانية، بإصدار بيان ختامي يكاد لا يتمايز عما سبقه من بيانات ختامية، إلّا أنه كان مستفزاً لجمهور الثورة، وذلك على خلاف بعض أعضاء الوفد المعارض الذين كان لهم رأي اخر وتفاعل قوي واعتبار نتائج جولات هذا المسار إنجازاً كما صرح بعضهم، علماً أن حضور وفدي المعارضة والنظام معاً لا يعدو كونه حضوراً بروتوكولياً فقط، لإظهاره للراي العام على أنه يأخذ بعين الاعتبار مصالح طرفي الصراع، مع أنه من الناحية العملية، الوفدان لا يكونا مساهمين باتخاذ القرار.أصبح مسار أستانة يعكس رغبة الدول الثلاث باستمرار هذه الصيغة لإدارة الخلافات والصراعات وضبطها فيما بينها، وما يلفت الانتباه في هذه الجولة ان روسيا لم تكتفِ بكل المكاسب التي حققتها من خلال الجولات السابقة بل تسعى للمزيد، وهذا كان واضحاً من خلال تصريح مبعوث الرئيس الروسي الخاص الى سوريا ألكسندر لافرنتييف بأن طلبات المعارضة غير واقعية مطالباً إياها بمرونة أكثر.

وفد المعارضة أبدى في هذه الجولة اهتماماً بملف المعتقلين الذي له حساسية كبيرة وتأثير في نفوس الناس ومشاعرهم وعواطفهم وذلك لدغدغة مشاعر الناس. ورغم أن جميع مؤسسات المعارضة الرسمية تطالب بالمعتقلين من خلال اللجان والمكاتب المعنية شكلياً بهذا الملف، ألا أنه لا يوجد لديها أي برنامج عمل او أي خطة مرسومة ومدروسة للتعاطي مع قضية المعتقلين، ولا يوجد أي درجة من درجات التنسيق بين الائتلاف وهيئة المفاوضات واللجنة الدستورية ولا حتى منظمات المجتمع المدني حول تبادل المعلومات وتشكيل قاعدة بيانات حول المعتقلين.

ولم تتمكن هذه المؤسسات على مدار السنوات العشر الماضية من إطلاق سراح أي معتقل من سجون النظام. ولم تحرز أي اختراق في ملف المعتقلين سوى إفراج النظام عن أسماء آلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب في تحدٍ واضح وصارخ لرعاة هذا المسار وللمجتمع الدولي.

ملف المعتقلين هو أهم ملف حقوقي يهدد النظام، ولذلك تسعى روسيا للالتفاف عليه وتهميشه، وأكثر ما يخشى منه في موضوع المعتقلين انه يوجد إرهاصات لدى الروس نحو تحويل هذا الملف من قضية أساسية كبرى تشمل مصير مئات الآلاف من السوريين، إلى مسالة تبادل أسرى لعدد محدود، كما يحصل قبيل كل جولة، من أصل نصف مليون معتقل ومغيب قسرياً في سجون النظام.

مسار أستانة الذي انطلق في كانون الثاني/يناير 2017، بعد تدمير حاضرة الشرق حلب على يد مغول العصر بأحدث أنواع الأسلحة الروسية الفتاكة، بدأ بمحادثات تتعلق بالجانب العسكري الميداني في سوريا، ولكن روسيا تمكنت من تحويله إلى مسار عسكري أمنى سياسي، لجعله مساراً بديلاً أو موازياً لمسار جنيف التفاوضي، في محاولة للقفز فوق المرجعيات الدولية للحل في سوريا وتفريغ قرارات مجلس الأمن (جنيف-1، 2118، 2254) من مضامينها الجوهرية، واستطاعت روسيا من خلال هذا المسار تحقيق أهم مسالتين:

احتواء الفصائل المسلحة وتقييد بندقيتها بنتائج هذه الجولات وقرارات الدول الضامنة، ما أدى إلى سيطرة النظام على أغلب مناطق خفض التصعيد التي أقرتها الجولة الرابعة من هذا المسار في أيار/مايو 2017، وتهجير أهلها بمساعدة الضامن الروسي، ضارباً عرض الحائط بكل مقررات جولاتها.

– الالتفاف على قرارات جنيف وتحييد هذا المسار واختزال القرارات الدولية بلجنة دستورية أقرها ما سمي بمؤتمر القوى الوطنية في سوتشي الذي تمخض عن الجولة السابعة من أستانة في كانون الأول/ديسمبر 2017.بالإضافة إلى أنها نجحت من خلال هذا المسار بتعزيز رؤيتها للحل في سوريا من خلال البيان الختامي الذي تضمن نقاطاً عدة، لعل أهمها:

– التصميم على مواصلة العمل المشترك لمكافحة الإرهاب بجميع اشكاله ومظاهره، وبالتالي ضرب من تشاء ومتى تشاء من فصائل الثورة بهذه الذريعة.- تركيز الروس في هذه الجولة على التسويق لفكرة الآلية التي اتبعوها في التسويات في درعا ودير الزور كمسار عام يشمل كافة المناطق السورية، وتكمن خطورة هذا الطرح في كونه يعطي دفعاً للنظام باتجاه عودة سيطرته على هذه المناطق ولو بصورة رمزية.

– رفض جميع العقوبات الأحادية الجانب على نظام الأسد، بحجة القلق البالغ إزاء الوضع الإنساني في سوريا وتأثير جائحة كورونا، التي تمثل تحديا عميقاً للنظام الصحي والاجتماعي والاقتصادي والإنساني، كما جاء في البيان.

تركيز الروس على تعزيز مساعدات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لسوريا بأكملها من خلال التعافي المبكر، في محاولة التفاف واضحة على العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام.

فيما كل ما حصل عليه وفد المعارضة في هذا البيان، الذي بالتأكيد لم يُستشر به، يتمثل في “رفض محاولات إيجاد حقائق جديدة على الأرض، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة وتجديد العزم بالوقوف بوجه الأجندات الانفصالية في شرق الفرات”، دون التطرق إلى عمليات التغيير الديموغرافي والتشييع التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية في حلب وباقي المناطق السورية.

وربما كان هذا مطلباً تركياً قبل أن يكون من مطالب وفد المعارضة.يبدو أن الدول الراعية لهذا المسار والضامنة لطرفي الصراع قد حققت معظم أغراضها منه إلى حد ما، والكعكة التي أسس لأجلها هذا المسار لم يبقَ منها إلا الفتات، بعد أن حققت روسيا كل ما تريد وفرضت رؤيتها للحل.

ب

بقى التساؤل المثير لدهشة كل السوريين، كيف يمكن لمعارضة فعلية أن تصف موقف روسيا من مباحثات أستانة إزاء اللجنة الدستورية والمعتقلين بالحاسم، فما هي طبيعة هذا الحسم؟، هل يتجه نحو الإجهاز الكلي على ما تبقى من القضية السورية؟، أم أن ثمة آمالاً خادعة توحي لوفود المعارضة المتعاقبة على المشاركة في لقاءات آستانة بأن الروس يمكن أن يحملوا للسوريين شيئاً آخر غير القتل والدمار والتشرّد؟

مقالات ذات صلة

USA