بانتظار نضوج التفاهم السياسي، خصوصاً بين أنقرة وواشنطن، وأنقرة وموسكو، حيال إنشاء “المنطقة الآمنة” على الشريط الحدودي التركي مع شمال سورية، التي تحدث عنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأحد الماضي، بدأت مختلف القوى الكردية، بالإفصاح عن موقفها، من مسألة المنطقة، التي وبحسب الخرائط المبدئية لها، تقع في نطاق سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي تُشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية عمودها الفقري.
واتفق النظام السوري مع قيادة “مجلس سورية الديمقراطية” على رفض “المنطقة الآمنة”. ونقلت وكالة “فرانس برس” عن ألدار خليل، وهو من أبرز القياديين في “الإدارة الذاتية” التابعة لـ”مجلس سورية الديمقراطية”، الذراع السياسي لـ”قسد”، رفضه لإنشاء تركيا “المنطقة الآمنة”، مشيراً إلى أن ترامب، “يريد تحقيق هذه المناطق الآمنة عبر التعاون التركي”، معتبراً أن “أي دور لتركيا سيغيّر المعادلة ولن تكون المنطقة آمنة”. واعتبر القيادي الكردي أنه “يُمكن رسم خط فاصل بين تركيا وشمال سورية، عبر استقدام قوات تابعة للأمم المتحدة لحفظ الأمن والسلام، أو الضغط على تركيا لعدم القيام بمهاجمة مناطقنا”، مؤكداً أن “الخيارات الأخرى لا يمكن القبول بها لأنها تمس سيادة سورية وسيادة إدارتنا الذاتية”.
وموقف القيادي الكردي في “الإدارة الذاتية” كان متوقعاً، إذ إن كافة القوى الكردية، التابعة أو المقربة من “حزب الاتحاد الديمقراطي”، وهي المتضرر الأول من أي نفوذ جديد لتركيا في شمال سورية، ترفض أي دور لأنقرة، التي تعتبرها هذه القوى الكردية، عدوها الرئيس، في مقابل أن تركيا تصنف “الوحدات” الكردية و”الاتحاد الديمقراطي” على أنها قوى “إرهابية”، معتبرة أنها الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني. وأعلنت “قوات سورية الديمقراطية”، في بيان، أنها مستعدة للمساعدة في إقامة “منطقة آمنة” ذكرها ترامب، وذلك “بضمانات دولية ودون تدخل خارجي” في شمال وشرق سورية. وأشارت إلى أنها تأمل في التوصل إلى اتفاقات مع تركيا تضمن الاستقرار في المنطقة الحدودية.
أما في ما يتعلق بموقف “المجلس الوطني الكردي”، من فكرة “المنطقة الآمنة”، فإنه ومع غياب بيان رسمي من هذا المجلس، لا يمكن توقع موقفه النهائي، خصوصاً أن مواقف بعض أعضاء المجلس غير منسجمة تماماً حيال العلاقة مع تركيا والمعارضة السورية، والقوى الكردية التي تُشكل “الإدارة الذاتية” في شمال سورية. ورأى القيادي في “المجلس الوطني الكردي” وعضو الائتلاف الوطني السوري، عبد الحميد التمو، أن “طرح موضوع المنطقة الآمنة هو تأطير للتدخل التركي”. واعتبر، في حديث مع “العربي الجديد”، أن موضوع المنطقة عبارة عن “اتفاق أميركي تركيمن أجل تجنب حساسية الموضوع السوري العام، ومراعاة الاتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة بالشأن السوري”. وأشار إلى أن موقف “المجلس الوطني الكردي” حيال ما يُطرح “مرتبط بموقف الائتلاف، الذي هو بدوره داعم لهذه العملية، سواء كانت تدخلاً مباشراً أو إنشاء منطقة آمنة تحت إشراف تركيا”. وقال “إذا نظرنا إلى المواقف، من جميع السوريين، الأكراد والعرب، فإنها عادة تصدر بعد انتهاء الاتفاقيات الدولية، لأننا بكل أسفأطراف في المعادلة ولسنا لاعبين، لذا فإن مواقفنا تأتي فقط من أجل إضفاء نوع من الشرعية على الأحداث لا أكثر”. وفيما يخص تطبيق “المنطقة الآمنة”، أعرب التمو عن اعتقاده أنه “تم إنجاز ترتيبات هذا الموضوع منذ بداية التدخل الأميركي في مناطق شرق الفرات، وبالاتفاق مع تركيا”، مشيراً إلى أن “من يطّلع على القواعد الأميركية في مناطق شرق الفرات يكتشف أنها تقع جنوب الطريق الدولي الذي يبعد مسافة 20 ميلاً عن الحدود التركية، وهذا الطريق الذي يربط ما بين معبر اليعربية على الحدود العراقية إلى مدينة حلب، بدليل أن شمال الطريق بالكامل معد مسبقاً ليكون من حصة تركيا في الاتفاقيات الإقليمية. وعملياً تركيا وأميركا هما حليفان في حلف شمال الأطلسي وشريكان في كل المناطق التي تسيطر عليها أي دولة منهما”.
من جانبه، رأى نائب رئيس “رابطة الأكراد السوريين المستقلين”، رديف مصطفى، أنهم من حيث المبدأ “مع فكرة إنشاء المنطقة الآمنة، شرط أن تضمن إبعاد وإخراج حزب العمال الكردستاني وتوابعه من هذه المناطق، وإبعاد النظام وتسليم هذه المناطق لأهلها من كافة المكونات”. وأشار مصطفى، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى “أن المنطقة الآمنة، في حال تم التوافق عليها، قد تكون فرصة حقيقية لإبعاد شبح حرب قاسية وشيكة في هذه المنطقة، وبالتالي ستسهم في عودة الكثير من اللاجئين”، مُعتبراً أن “هذه المنطقة ما زالت غير واضحة المعالم، سواء من حيث العمق أو من حيث القوى التي ستديرها. نعتقد، في حال كانت الولايات المتحدة جادة في طرحها، أن يكون هذا المشروع قابلا للتطبيق، وهو أفضل من المشاريع والسيناريوهات الأخرى”.
المصدر: العربي الجديد