اليوم 26/9/2020
بعد أن تشظت لوحة الفسيفساء السورية وتناثرت مكوناتها، وبعضها تكسر واندثر، صار من الأحلام الجليلة أن يتمكن السوريون من إعادة تشكيلها كما كانت في انسجام الشكل واللون والتجانس الذي ظهر أنه كان قسرياً. وبعد أن حدث الشرخ الضخم بين السوريين وملأت ساحات الصراع دماء غزيرة، وقهر مريع، وهدمت مدن وقرى نثرت رياحُ الهجرة والنزوح سكانَها في أصقاع الأرض، بات أكثر من نصف السوريين مهجرين في دول العالم، وبقي نصفهم الثاني يعانون من تبعات الفساد، ومن شبح المجاعة والمرض.ومع أن الحرب لم تضع أوزارها بعد، إلا أن السوريين بعد تسع عجاف صعّدوا حواراتهم حول ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، وقد انطلق هذا الحوار على عدة مستويات، أولها حوارات النخبة من المثقفين والمتعلمين وهم أكثرية في ساحة الحوار، وثانيها بين عامة الشعب الذي استخدم شبكات التواصل المتاحة للتعبير عن آرائه بكامل الحرية، وثالثها ساحات خاصة وشبه مغلقة يتحاور فيها المتشابهون في المذهب أو العرق أو الأيديولوجيا.لقد بات البحث عن الهوية الوطنية موضوعاً رئيساً في هذه الحوارات، ولاسيما بعد أن ظهر مكنون كان خفياً لدى كثير من السوريين الذين كانوا صامتين واجمين على مدى عقود مضت، يفضلون التقية على المغامرة، ويخشون آذان الجدران، وحين تهدمت الجدران، وصار الخائفون في الأمان، انطلق هذا المكنون مستفيداً من حالة الضعف العام، ليعبر عن رؤى وأفكار لم تكن قط موضع حديث أو حوار، وأخطرها مفاهيم طائفية أيقظها من رقادها التاريخي دخول «حزب الله» غازياً رافعاً شعارات الثأر.كان دخول حزب ديني إلى ساحة الصراع في سوريا ثم دخول إيران عسكرياً مفجراً لتطرف مصنوع يوازي تطرفها، للتعمية على شعارات الحرية والكرامة، ولاستبعاد الشعار الشهير (الشعب السوري واحد) لتظهر شعارات غريبة عن واقع الشعب الذي تشظى إلى طوائف ومذاهب وقوميات وأعراق. وسرعان ما ظهرت تنظيمات سُنية متطرفة لتزيد أوار الصراع لهيباً، وظهرت وسط هذا اللظى مخاوف الأقليات التي وجدت دوافع لتخوفها من التطرف على الضفتين، ووجدت من يحرضها على طلب ضمانات من الأكثرية التي وجدت نفسها أضعف الفرقاء مشردة في المنافي والمخيمات، بعد أن أنهكها تصاعد العنف ضدها لكونها الحامل الأكبر لأهداف الحرية والديموقراطية. وقد جاء التدخل الروسي حاسماً عسكرياً، ولم ينجح إلى الآن في الوصول إلى حل سياسي ينهي هذه المأساة الكبرى والأخطر في تاريخ سوريا.