• الخميس , 28 نوفمبر 2024

د.محمد حاج بكري: الائتلاف والثقة

يتندر السوريون فيما بينهم للدلالة على سوء العلاقة التي تربطهم بالائتلاف السوري الذي يعتبر ممثلهم، بأن روح أحد أعضائه قد انتقلت إلى بارئها وعند الحساب طلب منه أن يذهب إلى الطابق تحت الأرض ورقمه 40، حيث هناك درجات للحساب وكلما ازداد عمق الطابق ازدادت ألوان العذاب.

وفيما هذا العضو يتدرج نزولًا سرح في فكره وأخطأ الظن إلى أي طابق وصل، فقرع أحد الغرف ليخرج له رجل فيسأله العضو: في أي طابق أنا الآن؟ فأجابه أنت في الطابق رقم 20، فأي طابق تريد فأجاب رقم 40، فدهش الرجل وقال له: لعما بعيونك أنا أبو جهل في الطابق 20، شو عامل أنت؟!

هكذا ينظر السوريين إلى ممثليهم

يصعب علينا تمامًا سرد كل أنواع الفساد التي تسود في ثورتنا، كونها متعددة الألوان والأشكال وصورها عديدة ومتنوعة، لكنها تبقى ضد الأخلاق والديانات السماوية والقيم الإنسانية، بتقارب يتوازى مع كل انحطاط وتدهور وسقوط، وهو بهذا المعنى يحطم كل القيم والأعراف الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والإدارية لاستخلاص منافع خارج المبادئ.

وتقريبًا، عدا الشيء القليل، أصبح الفساد في الثورة مرتعًا وقاعدة ليس لها إلا استثناءات بسيطة، وتجاوز شكل الظاهرة المؤقتة وتحول إلى آلية من آليات التسيير الإداري والسياسي والتعليمي وتسلق المناصب والقيادات أو فن البقاء والديمومة في هذه المناصب.

هناك العديد من البحوث الأكاديمية تؤكد تمامًا أن السلطة السياسية هي أصل وهوية كل فساد، وتعلل ذلك بالقرارات والتصرفات لأن آثار الفساد السياسي تمتد إلى كل شرائح المجتمع من أفراد ومؤسسات وقطاعات، وفعاليتها تعتمد على النخبة التي تعمل على توزيع المصالح والمسؤوليات المتحكمة في المجتمع والأموال، وهو ما يجعل الفساد ابنًا شرعيًا للسياسة ونخبتها.

ونتيجة تراكم الفساد في الثورة أصبحت له تقاليده ومؤسساته وسلطاته، ومكافحته أضحت صعبة لكن ليست مستحيلة، وبلغ اليأس ببعض الناس للاعتقاد أن مجابهته ضرب من العبث أو تشبه الاعتراض على القوانين الطبيعية، ليصبح الاعتماد عليه نهجًا ومبدأ.

ونظرًا لأننا لا نملك القدرة على تغييركم باعتباركم خشبًا مسندة، حيث لا يرحل أحدكم إلا من المنصب إلى القبر، فإننا نطلب منكم الإصلاح فقد أمنا أنكم بلاء لا بد منه وقدر محتوم علينا

فالإصلاح كلمة معتادة في القاموس السياسي سهلة التحديد والاستيعاب، وهو تطور غير جذري في شكل السلطة أي ترميم لما هو موجود بغية تصحيح، بمعنى أننا نفهم حجمنا كشعب في مخاطبة سيادتكم باعتباركم نخبة النخب التي وصلت إنجازاتها إلى عنان السماء.

بالإضافة إلى أنكم تستطيعون توظيف كلمة الإصلاح في شعاراتكم وخطبكم لدرجة الاستثمار في استمرار مهامكم التي لا نعرف ماهيتها حتى اليوم ضمن منظومتكم.

لكن ما هو الإصلاح

اختلطت الأوراق وأصيبت الجماهير السورية بالإحباط، وأصبحت أسيرة للحيرة والبلبلة، وهذا مناخ غير صحي وغير ملائم للنضال السياسي الجاد، لا سيما في مرحلة النضال الديمقراطي، ولهذا فنحن أحوج ما نكون أكثر من أي وقت مضى لامتلاك وضوح الرؤية والابتعاد عن العبارات والجمل الفضفاضة والتشبث بالقاموس السياسي الواضح الذي لا يحتمل اللبس والغموض واعتماد الشفافية في نشاطنا السياسي.

لقد وصل الشعب الى حالة من اليأس ستصبح مزمنة مع الوقت، ويشعر بالأسى والحزن العميق مما آلت اليه الأوضاع السياسية المتردية، ويحتاج إلى جرعة أمل عن طريق مكاشفة ذات مصداقية ولذلك:

هل تستطيعون أن تبينوا للشعب وللتاريخ ولأرواح الشهداء والجرحى والمعاقين واليتامى والمهجرين وسكان المخيمات ولأنفسكم حتى لا تحاسبوا يوم الحساب وتذهبوا الى الطابق 40؟

هل تستطيعون أن تقولوا لنا أين نقف الآن ما بين السقف المطاليبي والوضع الميداني والسياسي وما بين الثابت والمتغير ومابين الاستراتيجي والتكتيكي، بل وما بين الحاضر والمستقبل؟

كشف مالي بقيمة ثروتكم قبل الثورة وبعدها.

كشف بما قبضتم من أموال بصفة عامة وشخصية، لأنكم لولا عضوية الائتلاف لا تملكون أي صفة، ولم يسمع بكم أحد وبهذه المناسبة وعلى ذكر الصفة الشخصية من المعيب جدًا أن يدافع الائتلاف عن أخطاء جسام لبعض أفراده بحجة أنها صفة شخصية.

كشف يبين كيفية صرف هذه الأموال.

بطاقة تعريف لكل فرد وإلى أي جنسية ينتمي، فهناك بعض الجنسيات الموجودة بينكم خطورتها كبيرة، فهي لا تعطى إلا بإسقاط الجنسية الأصلية أي السورية، بالإضافة إلى أن بعضها وعلى الأخص الأمريكية لا تسمح لحاملها، وفق قانون الجنسية الأمريكي، بممارسة أي عمل سياسي أو إداري خارج أميركا إلا بموافقة أجهزة الأمن الأمريكية، شرط أن يكون عميلا لها.

هل تقبلون بلجنة تقييم لأعمالكم وإنجازاتكم خلال فترة وجودكم في الائتلاف على أن تكون محايدة واختصاصية ومهنية؟

هل توضحون لنا مقدار علاقتكم بالثورة وهل لكم أخوة أو أولاد شهداء أو مقاتلون في صفوف أبناء الشعب؟

هل نستطيع معرفة مدى كفاءاتكم العلمية وخبراتكم السياسية على أن تنشر شهاداتكم على صفحة الائتلاف؟

هل نستطيع أن نعرف أين يدرس أولادكم وأين يقيمون لندرك مدى إحساسكم بالشعب؟

من هي الدول الداعمة لكم والتي عينتكم سادة علينا وما هي الصلة التي تربطكم بها والمهمة المنوطة بكم؟

هناك أسئلة كثيرة جدًا وأعتقد أن معظمكم لا يستطيع الإجابة عليها، ومن البديهي أن هذا الكلام ليس بالمطلق فهناك عدد محدود جدًا يبقى وطنيًا ومخلصًا.

من المعيب وغير الأخلاقي أن زيارة تقومون بها للداخل السوري تكون مقياسًا لوطنيتكم وتتفاخرون بها وتنشروها على وسائل الإعلام، وكأنكم حققتم إنجازًا غير مسبوق. يا حيف لأن مكانكم الطبيعي هو الداخل والاستثناء هو الخارج.

في سوريا، خسرنا كل شيء وأصبحنا دون نظام سياسي، فنظام الأسد المجرم لا يمكن أن نطلق عليه حكومة ولا نظامًا سياسيًا بأي حال من الأحوال، ونحن كذلك دون معارضة أو برنامج سياسي بديل، لأن هذه الأطياف المعارضة بوضعها الحالي لا يمكن أن نعدها ضمن برنامج سياسي بديل.

خسرنا كل شيء، خسرت سوريا شبابها بين السجون والحروب والهروب والصحارى والبحار والمحيطات، فقدنا الرؤية وفقدنا البوصلة.

لست هنا من أجل الدعوة لليأس والقنوط أو قتل الروح المعنوية ولا إسقاط الأمل، إنما دعوة لمواجهة مشكلتنا بشكل كلي وليس من خلال الحلول الجزئية، وهذه وجهتي حول الخلل ودعوتي نحو تبني حلول:

أولًا: إعادة الثقة في المجتمع الثوري السوري وذلك بإعادة تقييم الوضع السياسي المعارض ومطالبة الجماهير السورية من قواها السياسية أن ترمم كياناتها أو أن تتبنى خطًا سياسيًا وتصورًا واضحًا لخارطة طريق لإنقاذ سوريا من مهبة الانهيار الكامل.

ثانيًا: بروز قادة رأي من النخب السورية الوطنية لانتشال الحوار السوري المثقفاتي من التواصل الاجتماعي والتناول السطحي الانتمائي إلى لب الموضوع، وإلى جوهر القضية، وهي رحيل النظام وتبني نقد موجه للعمل السوري المعارض لصالح النهوض به وإحيائه في سبيل إنقاذ الثورة، وليس في سبيل إسقاط النظام فحسب، إذ أن سقوط النظام سيأتي بفعلنا أو وفق شروط انتهاء العمر الافتراضي، ولكن السؤال هل ستسقط سوريا مع سقوطه أم ستبقى بمقوماتها السياسية؟ ثم هل نحن قادرون على تفعيل بديل سياسي وفق نظرة كلية أم سنظل في منطقة الحلول الجزئية؟

ثالثًا: أن تبذل جهود قوية في مساندة الاتجاه الحقوقي الذي وصل إلى داخل أروقة الأمم المتحدة وتصعيد النضال في سبيل محاصرة النظام في مجال حقوق الإنسان، لأن مجال حقوق الإنسان هو البوابة الأساسية لاحتمال تدخل دولي، بشرط أن يجد دعمًا أكاديميًا قانونيًا يقوم على قوننة المظالم.

رابعًا: توحيد رسالة الإعلام السوري المعارض، وهو مجال شهد جهودًا، ولكن من زوايا متفرقة دون تبني رسالة موحدة.

خامسًا: التحضير لمؤتمر سياسي لقوى سياسية مقتدرة يجب أن يشمل الأطراف السياسية التي لم تكن جزأ من الأتلاف وحصر قضايا التحضير للقوى السياسية دون ضجيج منظمات مدنية وهمية لا وجود لها ومن ثم ترسيم خارطة طريق لإنقاذ الوطن من خلال اتفاق حد أدنى يعتمد على مرحلة إحداث التغيير والفترة الانتقالية مع إدخال القادة العسكريين الوطنيين وخاصة كبار الضباط المنشقين والمبعدين قسرا أو بسبب التهميش والتخوين

لا يمكن أن تُبنى سوريا بناء صحيحًا سليمًا، إلا على يد أهل الضمير، أولًا الذين يتقون الله في البلاد والعباد، والذين لا يرضون بالظلم وانتهاك كرامة الإنسان السوري.

 

مقالات ذات صلة

USA