منذ مقالتي الأخيرة قبل أسبوعين، تغيرت الحياة في الولايات المتحدة بصورة هائلة بسبب انتشار فيروس «كورونا». لم يعد من الممكن الخروج من المنازل في أغلب الأحيان. ولقد جرى إغلاق العديد من المحال التجارية، وكافة المطاعم، ودور السينما، والمسارح، مع اختفاء وسائل النقل المعتادة بين مختلف المدن. بيد أن الأميركيين محظوظون نسبياً رغم ذلك، إذ يعاني السوريون بأكثر مما نعاني بسبب الحرب المستمرة، ويزيد انتشار الفيروس الجديد الآن من معاناتهم
تزعم الحكومة في دمشق أن فيروس كورونا لم يصل إلى البلاد بعد، لكنني أشكك كثيراً في مثل هذه المعجزة، إذ أعلنت قبل يومين عن إصابة أكيدة في دمشق، وهناك في إيران ما يزيد على 21 ألف حالة إصابة حتى الساعة، وفي تركيا تجاوزت الحالات الألف حالة، ووصلت إلى 200 حالة في كل من العراق ولبنان، مع ارتفاع حالات الإصابة حول العالم بوتيرة سريعة للغاية. واعترفت قوات «الحرس الثوري» الإيراني العاملة مع الميليشيات الأجنبية في سوريا عبر الناطق الرسمي في 13 مارس (آذار) الجاري بأن الفيروس نال من حياة أحد جنرالات «الحرس الثوري» مع خمسة آخرين من أفراده. وكان هناك الآلاف من الزوار الإيرانيين يأتون الأراضي السورية حتى بضعة أيام قليلة مضت. فهل يمكن تصور الحكومة السورية تخبرنا بالحقيقة المجردة بشأن مدى انتشار الفيروس الجديد على أراضيها؟ وجدير بالذكر أن الحكومة السورية قد نفت منذ شهور انتشار مرض شلل الأطفال الذي بدأت حالات الإصابة به في الظهور اعتباراً من منتصف عام 2013
ترسل منظمة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية الإمدادات والمعدات الطبية لمعاونة القطاع الطبي الرسمي في سوريا. ولدى مسؤولي المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة قدر جيد من النوايا الحسنة في هذا الصدد، ولا يريد أحد أن يرى سقوط المزيد من المواطنين السوريين جرحى أو صرعى. ومع ذلك، تملك الحكومة السورية سجلاً سيئاً بشأن إساءة استخدام الإمدادات والمعدات الطبية ليس لصالح المدنيين وإنما لخدمة أجهزة النظام الأمنية. على سبيل المثال، كتبت الدكتورة آني سبارو، الطبيبة في مجال الصحة العامة والمختصة في الشؤون الصحية السورية، في مجلة «فورين آفيرز» العدد الصادر في سبتمبر (أيلول) من عام 2018، أن منظمة الصحة العالمية استخدمت أموال الجهات المانحة في شراء إمدادات الدماء لصالح وزارة الدفاع السورية نظراً لأن الوزارة تسيطر بالكامل على احتياطي بنوك الدم الوطنية في سوريا
وهناك أدلة أخرى تفيد بسيطرة الأجهزة الأمنية السورية على بعض – وليس كل – المساعدات التي تمنحها منظمة الأمم المتحدة والتي كان من المفترض وصولها إلى المدنيين. ونشر جنود حكوميون سوريون صوراً على منصات التواصل الاجتماعي يمكنك من خلالها مشاهدة علامات الإمدادات الغذائية والخيام التابعة لبرامج منظمة الأمم المتحدة. ولا ينفي مسؤولو منظمة الأمم المتحدة إساءة استخدام بعض المساعدات الإنسانية، ومبررهم في ذلك يرجع إلى أن ذلك هو الثمن الذي يتحتم على المنظمة الدولية سداده من أجل مواصلة تنفيذ برامج المساعدات الإنسانية في سوريا
ويلزمني سؤال ما إذا كان من الأفضل لكل دولار تنفقه منظمة الأمم المتحدة في سوريا أن يجري التنسيق بشأنه مع الحكومة في دمشق؟ ألا يجري استخدام مساعدات المجتمع الدولي إلى سوريا بصورة أفضل لصالح 3 ملايين مواطن في إدلب، بما في ذلك 2.8 مليون نازح هناك؟ إن أوضاعهم المعيشية بائسة للغاية. ويعيش أغلبهم في خيام في العراء تلك التي تضم أكثر من عائلة داخل الخيمة الواحدة في كثير من الأحيان ومن شأن حالة الازدحام الإجبارية تلك أن تساعد على انتشار فيروس «كورونا»، سيما أن الأجواء هناك قارسة للغاية. فضلاً عن انعدام مصادر المياه النظيفة، الأمر الذي يهيئ المجال لانتشار الفيروس إلى الكثير من النازحين. وبطبيعة الحال، لا تتوفر هناك الكثير من العيادات أو المستشفيات بسبب القصف الجوي المستمر من جانب المقاتلات الحربية السورية والروسية التي استهدفت العشرات منها بالغارات الموجهة خلال مجريات الهجوم العسكري السوري الأخير. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» وغيرها من المنظمات غير الحكومية العاملة في إدلب أنه ليست هناك أي إمدادات أو معدات من أي نوع للمساعدة في مواجهة انتشار فيروس «كورونا»
وقال أحد الأطباء من إدلب لصحيفة «نيويورك تايمز»، إنه شاهد بنفسه مرضى تبدو عليهم أعراض فيروس «كورونا»، بيد أنه لا وجود لمعدات الاختبار. وتعهدت منظمة الصحة العالمية بالبدء في وصول الإمدادات والمعدات المطلوبة إلى إدلب خلال الأسبوع الجاري. وقالت مديرية الصحة في إدلب، وهي جزء من الحكومة السورية المؤقتة المعارضة، أنها تعتزم توفير 60 سريراً داخل 3 مستشفيات تابعة لها وتخصيصها للمصابين بفيروس «كورونا». ويعتبر الرقم المذكور قليلاً للغاية عند مقارنته بتعداد سكان المحافظة البالغ 3 ملايين نسمة – إذ تحتاج إدلب إلى الكثير والكثير من الأسرّة والمرافق والعاملين في الرعاية الطبية. ويحذر الأطباء العاملون في إدلب بالفعل من اقتراب وقوع الكارثة. وتجدر الإشارة إلى أنني لم أتحدث عن مخاطر استهداف الحكومة السورية أو القوات الروسية لتلك المستشفيات أو المنشآت الطبية القليلة المتبقية بالغارات والقصف الجوي
ووجه أحد الصحافيين سؤالاً إلى مسؤول في منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي بشأن الأوضاع الإنسانية في سوريا وسبب وصول الإمدادات والمعدات الطبية الخاصة بمكافحة الفيروس إلى دمشق بدلاً من محافظة إدلب، وكانت إجابة المسؤول الأممي بأن منطقة شمال غربي سوريا ليست حكومة رسمية. ولا يفهم الصحافي فحوى الإجابة. والسبب الحقيقي أن الحكومة السورية لا تعمل من محافظة إدلب على وجه التحديد حيث يجري استخدام المساعدات الإنسانية على نحوها المقصود، وبالتالي من شأن المنظمات غير الحكومية توجيه استخدام تلك المساعدات، وليست عبر وزارة الصحة السورية الفاسدة، وذلك هو السبب في ضرورة تغيير منهج برنامج المساعدات الإنسانية لدى منظمة الأمم المتحدة بأسره إزاء سوريا. كما يمكن لروسيا والصين، اللتين تؤيدان وتحميان نظام بشار الأسد في دمشق لدى مجلس الأمن الدولي، إرسال طائرات المساعدة إلى سوريا، وليست الأمم المتحدة