خيبة جديدة مني بها السوريون، بعد “خسارة درعا” أو تسليمها أو الهزيمة فيها، فالأمر، على الأرجح سيّان، بعد تكرر السيناريو من حلب فداريا والغوطة وأخيراً، وربما ليس آخراً بدرعا.
إذ ثمة توقعات إن لم نقل معلومات، على إعادة الحكاية بشمال غرب، إدلب وبعض ريف حلب، أو بالجزء الأقرب لحماة “مناطق خان شيخون” على أقل تقدير، لئلا يتم الاصطدام مع “التركي” الذي يعزز من وجوده ونقاط المراقبة، بل ودورياته بتلك المناطق “المحررة” حتى ساعة كتابة هذه المقالة.
قصارى القول: لو سألنا بشيء من الجرأة مدعمة بحالة التخلي العامة عن الثورة والثوار، وما يقال عن الصفقة الروسية الإسرائيلية وعودة تل أبيب اختيار “آل الأسد” ليستمروا بحماية حدودها.
لو سألنا وفق هذه المعطيات وما يسمى “الواقعية السياسية” هل سقوط درعا ومن ثم إدلب أو بعضها، خسارة للثورة والثوار أو مقتل لحلم السوريين بالوصول لدولة مدنية ديمقراطية لا مكان فيها للاستبداد والتوريث وسرقة الأحلام.
أم ترى، ثمة مكاسب حقيقية، سيجنيها السوريون إن ذهبت سيطرة “المجاهدين” عن تلك المناطق، بعد التأكد، من الارتباط والعمالة، بعلم أو بغباء، وانتشار مستنقعات الضفادع إلى ما يفوق احتمال الثورة والسوريين.
لننظر إلى المقارنة من واقع المناطق التي قيل إنها تحررت منذ أكثر من خمسة أعوام، سواء بمحافظة درعا أو إدلب، على صعيد منح الحريات لطالما كانت الحرية هي المطلب الأول للثورة والثوار، وعلى صعيد الكرامة التي تلت الحرية بشعارات رعيل الثورة الأول، أو على مستوى العيش الرغيد، وإن لم يأت السوريون بمطالب ثورتهم على الجانب المعيشي والاقتصادي، رغم التفقير المتعمد منذ الأسد الأب وسرقة مقدرات سورية بأعذار عرتها الثورة، إن بدأت من التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني، لا تنتهي- الأعذار- عند قلة الموارد ومحدودية الثروات.
واقع الحال يؤكد وربما بما لايدع مجالاً للشك والتشكيك، أن المناطق التي سيطر عليها “الثوار” عانت من التفقير المتعمد من القادة والفصائل، ربما أكثر ما كانت عليه أيام النظام، بل وصودرت حرية الناس، بحيث بات التدخل باللباس والمأكل والسلوك، والجلد وربما أكثر، عقوبة من يخالف، وبالتالي، ضاعت الكرامة بسبب الاستقواء وانتشار السلاح والغرباء، وعدم إعارة أي اهتمام للعلم والثقافة وأولاد الأصول.
وذلك فضلاً عن سرقة خيرات المناطق المحررة واستخدام أراضيها للتهريب، بل وجني الأرباح من الممولين، للحد الذي بات إخراج أموال “الثورجية” يدرج خلال “التسويات” قبل أن يتم التطرق للمدنيين والمعتقلين وعودة المهجرين.
طبعاً، كل ذلك عدا حالات الارتباط والعمالة التي تؤكدها الأحداث، سواء مع نظام الأسد أو “الممولين” وذلك بشكل علني مباشر من القادة، وعلم أو استغفال القواعد والثورجية.
قصارى القول: ترى، إن دخل نظام الأسد والروس إدلب لاحقاً كما دخلوا درعا اليوم، بل ووصلوا لباب الهوى كما وصلوا لمعبر نصيب، كيف يمكن أن تسير الأمور، إن للحياة العامة لأهلنا بالداخل أو لما فيه صالح الثورة أو قتلها.
أعتقد أن السوريين بالداخل، وجراء ما ذاقوه من المتأسلمين والمجاهدين والثورجية، باتوا يرحبون بالشيطان ليخلصوا من ويلات وظلم “ذوي القربى”.
وربما الأهم، بزوال هؤلاء سينتفي مبرر القتل والقصف على المدنيين الذي رفض جميع الثورجية، الخروج من بينهم والاحتماء بهم والقصاص منهم.
وقتذاك، ستعود ثورة السوريين لسيرتها الأولى، وقت لم يك من سلاح ولا استقواء ولا ظلم باسم الدين ومصالح الآخرين، لأن الثورة السورية حققت من ضمن إنجازاتها، إلغاء أبدية الأسد وتوريث الحكم، حتى لو اجتمع العالم وأجمع، على إعادة نظام الأسد.
باختصار، يبقى اجتماع الرئيس الأمريكي مع الرئيس الروسي في 16 الجاري، المحدد الأخير لملامح مستقبل سوريا والثورة، فإن قايضت روسيا مصالح تركيا بصفقة أمريكية، فهناك سيناريو وخطر، وخاصة بعد التوافق والعلاقات بين أنقرة وموسكو وانتشار القوات التركية شمال غرب سوريا.
وإن اتفقت موسكو وواشنطن على سياسة الأمر الواقع، أي تبقى القوات الأمريكية تسيطر على منابع النفط والماء والغذاء شمال شرق سوريا وتعطي للروس الجنوب والساحل، وتبقى تركيا ضمن آخر منطقة خفض تصعيد، فأيضاً هناك سيناريو أقل خطراً على الصعيد القريب لكنه كارثي استراتيجيا وينذر حتى بالتقسيم.
وأما، وهذا ممكن، إن توافق “راعيا الحرب والسلم” على مزيد من الخداع والمداراة ودعم نظام الأسد، لتحين فرصة اقتلاعه أو تقديمه لمحاكم دولية أو منحه وآله اللجوء، فهناك سيناريو ربما الأقرب لحقوق جميع السوريين. وإن تخللته مرارة الانتظار ووجع عودة الاستبداد وربما القصاص والاستقواء من نظام لم يعرف غير الحقد والانتقام.
بيد أنه وأياً كانت السيناريوهات ومخرجات اجتماع بوتين ترامب، لا يمكن أن يجازف السوريون بطعم الحرية التي ذاقوها بعد خمسين عاماً من الكبت والظلم، كما لا يمكن أن يتخلوا عن مطالبهم بحياة ديمقراطية يسود فيها القانون والمساواة، بوطن يظلله القانون لا مزرعة يسيطر عليها حيوانات من فصيلة النمر والأسد وحتى الضفادع..أيضاً ولو بعد خين ريثما تنقشع غيوم الاختلاط التي غيرت من معالم التحالفات ومراكز القوى وعرّت ديمقراطية الغرب وأخوّة الشرق وكذب المنظمات الحقوقية والإنسانية.
المصدر: زمان الوصل