ونتج مما نتج عن الحالة، اختلاط بلغ أوجه، فمن يُعتبر عدواً لفئة من السوريين، تحسبه فئة أخرى حليفاً أو صديقاً، ومن يراه هذا الفسطاط محتلاً، يراه الآخر نصيراً، بل ويطالب ببقائه وتمدده أكثر على الأرض السورية.
والأمثلة أكثر من أن تحصى، فالتدخل الروسي والإيراني بسورية، هو احتلال للأرض والمقدرات، ودعم لبقاء نظام الأسد، من وجهة نظر المعارضة، كما دخول تركيا بالأراضي السورية، من نظر النظام وأتباعه، هو احتلال وأطماع، والعكس صحيح وللطرفين كليهما.
بيد أن ثمة أحداثاً تجري بين الفينة والأخرى، تكون من الصعوبة بمكان، في نظر بعضهم على الأقل، بحيث يطلق إزاءها حكماً أو يعلن منها موقفاً محدداً، وقصف إسرائيل لمواقع سورية، إحدى تلك “المتشابهات”.
فلو تم النظر وطنياً للقضية، فإسرائيل، العدو التاريخي المحتل لأراض سورية وفلسطينية، تقصف أرضاً ومواقع سورية، لذا من البديهي إدانة الفعل والوقوف إلى جانب سورية ضد إسرائيل، وبصرف النظر عن حاكم سورية ونظامها.
أما إن تمت تجزئة النظرة، فإن تلك الطائرات الإسرائيلية، تقصف وحدات ومواقع عسكرية تتبع لنظام الأسد وحلفائه الإيرانيين، ولا تقصف مناطق مدنية أو منشآت اقتصادية وخدمية، وما دامت تلك المواقع العسكرية، تقصف وتقتل السوريين ومنذ ست سنوات، لذا فإدانتها واجبة كما أن الفرح لقصفها ليس من الخيانة بمكان.
أمس السبت، أسقطت الدفاعات الجوية على الأراضي السورية (لا نعلم أهي سورية أو إيرانية أو حتى روسية) طائرة “إف 16” إسرائيلية بعد استهدافها مناطق عسكرية وسط سورية، ولأول مرة يتم إسقاط طائرة إسرائيلية، بعد قصف متكرر منذ سنوات، ما وضع جل السوريين على ضفة المعارضة، أمام حيرة من أمرهم، أيفرحون لسقوط الطائرة من منطلق إسرائيل عدو ومحتل للأرض، أم يفرحون لأن الطائرة الإسرائيلية أخرجت عن العمل، مطار “تيفور” الذي تخرج منه الطائرات وتقتل السوريين؟
ورأى الأكثرية ممن عبّروا عن رأيهم، ضرورة التفريق، كأن يفرحوا فرحة مزدوجة، طرفها الأول إسقاط طائرة للعدو الإسرائيلي والثاني تدمير برج المراقبة بمطار عسكري يستخدمه النظام في قتل السوريين.
بيد أن ذلك الشعور، لم يكن مبرراً، من نظر كثيرين، بمن فيهم المعارضة، فبعضهم فرح بقصف مواقع تقصف السوريين، بل وطالبوا برد إسرائيلي على الدفاعات الجوية الأسدية والإيرانية. في حين دفع آخرون للتفريق، على اعتبار أن الطائرة إسرائيلية ويجب عدم الخلط، ولا بد من إدانة الخرق الإسرائيلي.
نهاية القول: على صعوبة التمييز نتيجة شدة الاختلاط، بعد أن حوّل نظام بشار الأسد، سورية لأرض صراع دولية ومعارك اقتسام نفوذ وتصفية حسابات، بيد أن البوصلة ما زالت واضحة.
بمعنى، لا يمكن اعتبار إسرائيل حليفاً للثورة والثوار، إن ساهمت بإضعاف قوة النظام وحلفائه النارية، بل حتى إن ساعدت بهزيمته أمام الثوار.
والسبب برأينا يتوزع على أمرين، الأول أن إسرائيل هي عدو ومحتل، ولا يمكن التعامل معها وفق مبدأ “عدو العدو صديق”.
وأما الأمر الآخر، والذي قد لا يقل أهمية عن سابقه، هو أن لإسرائيل الرأي والقرار ببقاء بشار الأسد رئيساً لسورية، وذلك، بعد جملة من الحقائق والوقائع، وليس تقديراً أو استنتاجاً.
إذ أعلنت إسرائيل وفي غير مكان وزمان، أنها حريصة على بقاء نظام الأسد، بل تدعم بقاءه عبر علاقاتها مع روسيا ومع الولايات المتحدة. وما تقوم به من قصف، فهو لتهديم القوة العسكرية التي دفع ثمنها السوريون من دمهم وتعبهم، وما يخرج عن بعض قادتها من تصريحات، غايتها الاستهلاك الإعلامي وتتمة للعبة “القط والفأر” ومحاولة جعل أكذوبة الممانعة تنطلي على شعوب المنطقة.
للأسف، برزت خلال الفترة الأخيرة اتجاهات لبعض السوريين إزاء إسرائيل، بل بدأت تتكشف زيارات وتُفضح علاقات، والتبرير يأتي على الدوام، كرمى للسوريين وانتصار ثورتهم. وهذا على ما نعتقد، عذر أقبح من ذنب، إذ مهما تعمّقت الأزمة وبلغت من الاختلاط، لا يمكن اعتبار الخيانة وجهة نظر والتعامل مع إسرائيل فعلاً حميداً، لطالما منطلقه وغايته، سورية والحرية والسوريين.