فيروس كورونا يعطل حج الأيزيدين: لا زوّار في لالش هذا العامخلال الاحتفال بالعيد العام الماضي مع بابا جاويش حارس معبد لالشأكثر من مرّة، أدّى مراد مراسم الحج إلى معبد لالش، أقدس المزارات الدينية لدى الأيزيديين. “كنتُ أتبع الخطوات التي تعلّمتها من والدتي، فأستحمّ، وأرتدي الملابس النظيفة احتراماً لقدسية المزار”، يخبرنا عبر “تويتر”هذا العام، لن يزور النازح العراقي الشاب لالش، خلال عيد الجماعية، أو موسم الحج لدى أتباع الديانة الأيزيدية، والذي ينطلق في 6 أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، ويستمرّ حتى 13 منهيمثّل هذا العيد أبرز المناسبات الدينية الأيزيدية، إذ يتوجه الحجاج لزيارة ضريح الشخصية الدينية البارزة في تاريخهم، عدي بن مسافر، الواقع في لالش، شرق دهوك، في كردستان العراق يقول مراد: “
في كل مرة زرت لالش خلال عيد الجماعية كنت اشعر بفرحة لا متناهية من بداية المراسيم حتى نهايتها، وترافقني الراحة النفسية، على وقع أصوات الموسيقى الروحية التي تصل إلى أذني كلّ زائر”صدر الصورة، Anadolu Agencyضريح الشيخ عدي بن مسافر الأموي في لالشهذا العام، حال وباء كورونا دون إحياء الطقوس الجماعية السنويّة، إلى جانب وفاة خرتو حاجي إسماعيل، وهو بابا شيخ الأيزيديين في العراق والعالم، أي المرجع الديني الأعلى لأتباع الديانة، مطلع الشهر الحاليرحل بابا شيخ عن عمر ناهز 87 عاماً، وقد عرف بتأثيره الكبير على المجتمع الأيزيدي خلال السنوات التي تلت الإبادة الجماعية في جبل سنجار (أو شنكال كما يلفظها الأيزيديون)، عام 2014.
يصف المغرّد الأيزيدي مونتي ابراهيم بابا شيخ بأنّه كان “متواضعاً ومحبّاً، ويتمتع بشخصية قلّ مثيلها”. ويضيف: “أهمّ قرار اتخذه بعد الإبادة، كان اقراره بحقّ كلّ أيزيدية تعود من أيدي داعش، بالاحتضان وسط أهلها. وكان يعاملها كأنّها لم تذهب مختطفة، ما سهّل دمجهنّ في المجتمع، وزواجهنّ من أيزيديين، على خلاف ما كان يحدث في السابق”ويحكي الناشط والصحافي إبراهيم الأيزيدي عن تأثير بابا شيخ في قضية الناجيات، إذ “كان يسكب على رؤوسهنّ مياهاً من عين الماء المقدّسة “كانيا سبي” (العين البيضاء) في معبد لالش، كي لا يشعرن بالإحباط وتصفو نفوسهنّ”لدى الأيزيدين عدّة أعياد على مدار السنة، تدلّ على ارتباطهم الوثيق بالطبيعية.
أبرز هذه الأعياد الأربعاء الأحمر أو “سري سال” في أبريل/ ض، ويحتفل خلاله بموسم الخصب وتجدّد الطبيعة، وعيد “جمايا شيخادي” أو الجماعية، وهو أقدس أعيادهم، ويحتفلون به بانتصاف السنة، وبداية الخريف، ويمثّل استعداداً لفصل الشتاء والمطرخلال الاحتفال برأس السنة الأيزيدية في لالش في أبريل عام 2019يقول مونتي إبراهيم: “تعدّ لالش أقدس مكان على الأرض بالنسبة للأيزيديين، وفيها أضرحة الصالحين الأيزيديين و”العين البيضاء” حيث يعمّد الأطفال. خلال السنوات الماضية، كان يزور لالش خلال موسم الحج الممتدّ على 7 أيام، نحو 35 ألف شخص يومياً”انقطع الأيزيديون عن أداء طقوسم بعد الإبادة على يد تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014، لفترة قصيرة، وينقطعون هذا العام أيضاً بسبب الوباءتمتدّ الطقوس لسبعة أيام، ولكلّ يوم منها تقاليد وصلوات مختلفة، أبرزها ما يعرف بطقس السما، ويؤدّي كلّ مساء.
ومن الطقوس أيضاً تعميد البريات وهي أقمشة طويلة تغطس بالماء المقدس، وتعلّق على مدخل المزار. كذلك، طقس القاباغ ويعني أخذ عجل من باب المعبد الرئيسي إلى مزار الشيخ شيشمسهناك أيضاً رقصة خاصة يؤديها الأيزيديون في أعيادهم، وتسمّى رقصة الكوفند، تعبيراً عن الفرح بالطواف، وتشبه خطواتها وصفوفها رقصة الدبكةصدر الصورة، Chris McGrathأحد خادمي الأضرحة المقدسة في لالش ينظف المكان بعد موسم الحج في عام 2016، بالقرب من مجسم تعلق عليه أقمشة للدلالة على الأمانيتلعب الموسيقى دوراً مهمّاً في حج الأيزيديين إلى لالش، إذ أنّ لا نصوص مقدسة مكتوبة لعقيدتهم، بل تناقلت الأجيال الصلوات والأقاصيص الدينية بالتواتر. وتتولّى فئة خاصة من رجال الدين الأيزيديين، المعروفين بالقوالين، حفظ تلك الصلوات وتناقلها من جيل إلى جيل.
وفي كلّ عيد، يردّد القوال النصوص المقدسة، ويرافقها بالعزف على الدفّ والنايمن بين تلك الصلوات ما يترجمه لنا مراد من اللغة الأيزيدية: “يا ربي علا شأنك، وعلا مكانك وعلا سلطانك يا ربي أنت الكريم وأنت الرحيم يا ربي دوماً أنت الخالق ودوماً لك يليق الحمد والثناء”يقول المغرّد الأيزيدي: “يحتاج البحث في الديانة الأيزيدية إلى تعمق في الفلسفة والعلم الازلي وما في طياته من معاني الإيمان، للوصول التدريجي إلى النور، وليس للاعتماد على معلومات مزيفة”من تلك المعلومات المزيّفة أنّ الأيزيدين يعبدون الشيطان، أو أنّ اسمهم مشتقّ من اسم يزيد بن معاوية. لكنّ أتباع الديانة، مع تعرّضهم للمجازر على مرّ التاريخ، باتوا منغلقين على معتقداتهم، ويتفادون نقلها للآخرين، كما أنّها ديانة غير تبشيرية، لا تقبل معتنقين جدد، ولا يسمح بزواج الأيزيديين من أبناء ديانات أخرىيختلف المؤرخون حول مصدر الديانة الأيزيدية، ولكن يعتقد أنّها كانت ديانة الأكراد قبل الإسلام، وفيها تأثيرات من ديانات العراق القديمة، وتأثيرات من الزرداشتية. ويعتقد أنّ الشخصية الأبرز في تاريخها، الشيخ عدي بن مسافر، أدخل إليها تأثيرات صوفيةسيدة أيزيدة في موسم الحج إلى لالش العام الماضييصلّي الأيزيديون خمس مرات في اليوم، وقبلتهم الشمس، ويؤمنون أنّهم أبناء الانسان الأوّل آدم.
تعتقد أسطورة الخلق الأيزيدية بوجود اله واحد (خودي)، خلق العالم، وسبع ملائكة، قائدهم طاووس ملك. ويعتقد أتباع هذه الديانة أنّ الخالق لا يتدخّل في شؤون البشرية والكون، بل أوكل أمرهم للملك طاووسيعدّ طاووس ملك تجسيداً لروح الخالق في المعتقدات الأيزيدية، ويجري الخلط بينه وبين الشيطان في الديانات الابراهيمية، لأنّ الأسطورة الدينية تقول إنّ طاووس رفض السجود لآدم، لأنّه لا يسجد الا لله وحده. علماً أنّ لفظ “شيطان” يعدّ إهانة كبيرة بالنسبة للأيزيديين، لارتباطه بمفاهيم غير دقيقة عنهمبابا شيخ خرتو حاجي إسماعيل الذي توفي مطلع الشهر الحالييفصل الأيزيديون بين القيادة الدينية المتمثلة ببابا شيخ، والقيادة المدنية المتمثلة بالأمير.
يشغل منصب الأمير حالياً حازم بن تحسين بك سعيد، واختير في العام 2019 خلفاً لوالده تحسين بك. وسيجتمع القادة الدينيون والأمير لاختيار بابا شيخ جديد خلفاً للزعيم الديني الراحليقوم المجتمع الأيزيدي على تقسيمات طبقية خاصة، يفرض احترامها، ويمنع التزاوج بين أفرادها. الطبقة الأعلى هي طبقة الشيخ، ويعتقد أنها تنحدر من الملائكة الستّة، وطبقة البير وتنحدر من بير علاء أحد أصحاب عدي بن مسافر، وطبقة المريد، وتمثّل غالبية الأيزيديينتقوم التقاليد الاجتماعية الأيزيدية على تربية الأطفال أخلاقياً، بناءً على الموروث الديني، ويصف الصحافي إبراهيم الأيزيدي جماعته بأنّهم “مكوّن سلام، كانوا دوماً سنداً لجيرانهم”ومع السنوات، شهد المجتمع الأيزيدي انفتاحاً تدريجياً، إذ باتت زيارة معبد لالش متاحة للجميع، وليست حكراً على أتباع الديانة فقط… قد تكون زيارته تجربة روحانية فريدة، لولا وباء كورونا