وليد شقير
اندبندنت عربية:26/11/2020
يتكرر القصف الإسرائيلي لمنطقة ريف دمشق ومنطقة القنيطرة الجنوبية، ويُوقع خسائر في صفوف الجماعات الحليفة لإيران في المواقع التي يديرها الحرس الثوري الإيراني للمرة الرابعة خلال هذا الشهر، وسبقته سلسلة عمليات استهداف إسرائيلية الشهر الماضي أيضاً، في عملية الملاحقة المتواصلة من إسرائيل للوجود الإيراني في تلك المنطقة، وفي ضواحي دمشق، بحجة تدمير أسلحة ومعدات واستهداف عسكريين إيرانيين حتى لو كانوا يوجدون في مواقع مشتركة مع الجيش السوري.جديد القصف الإسرائيلي اختراق أمني كبيرجديد عمليات القصف الثلاث الأخيرة في 18 و21 و25 نوفمبر (تشرين الثاني) أنها أظهرت ثلاثة عوامل لافتة.
وفضلاً عن أن عدد القتلى من هذه الميليشيات مرتفع في كل غارة (ثمانية قتلى في آخرها)، فإن العامل الأول الذي يسجله المراقبون السوريون أنها تتم بوتيرة متسارعة بقدر تسارع وتيرة السعي الإيراني لتركيز قواعد متاخمة لحدود المنطقة التي تقع تحت سيطرة إسرائيل في الجولان، لا سيما بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الهضبة خلال زيارته إسرائيل الأسبوع الماضي، فإنها كشفت عن اختراق إسرائيلي كبير في غارة 18 نوفمبر، إذ استهدف القصف الجوي شحنتين من المعدات الإيرانية التقنية الجديدة، تتضمن أجهزة تشويش متطورة ضد الطائرات المسيرة الإسرائيلية، تم تصنيعها في الفترة الأخيرة بتعاون إيراني – صيني، بحسب المعطيات التي تجمّعت بحوزة مراقبين سوريين، يعتقدون أن انكشاف أمر الشحنتين ليس أمراً بسيطاً.وعلى الرغم من أن الجانب الإسرائيلي لم يكشف هذه المعلومات التي استقاها مطلعون سوريون من دمشق، فإن الضربة نفسها استهدفت مقراً يوجد فيه مدربون إيرانيون قدموا من طهران لتدريب عناصر من الجيش السوري والميليشيات على هذه المعدات. ولذلك كانت الضربة مؤلمة، بحسب وصف هؤلاء، ولا احتجاج من موسكو على استهداف الجيش السوري.
أما العامل الثاني الجديد في سلسلة الضربات الأخيرة، فهو أنها أدت إلى مقتل جنود سوريين من إحدى ألوية الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، بينهم مسؤولون إيرانيون. ولم يعد الجانب الإسرائيلي يأخذ في الاعتبار التحذير الروسي بعدم استهداف الجيش السوري، في إطار عدم ممانعة موسكو استهداف المواقع الإيرانية.والعامل الثالث أن موسكو أحجمت منذ مدة عن الاحتجاج لدى إسرائيل على عمليات القصف التي تبيّن أن لا الدفاعات الجوية التي استقدمها الجيش الروسي السنة الماضية من أجل تعزيز الدفاع الجوي السوري (صواريخ إس 400) تحركت ضد الغارات الإسرائيلية، ولا الدفاعات الجوية السورية المتاحة (إس 300) تمكنت من صد الغارات، هذا إذا كان جرى تحريكها. كما أن ما سبق إعلانه عن توقيع اتفاق خلال زيارة قام بها رئيس هيئة الأركان الإيراني اللواء محمد باقري في الثامن من سبتمبر (أيلول) الماضي إلى دمشق لأيام عدة، تقضي بتعزيز طهران لوسائل الدفاع الجوي السوري لم يُترجم ميدانياً، إلا إذا كان مقصوداً أجهزة التشويش على الطائرات المسيرة التي قصفها الجيش الإسرائيلي في 18 نوفمبر.
وكان باقري برر ذلك الاتفاق في حينه بأن مواقع إيرانية تعرضت للقصف الإسرائيلي.أوراق التفاوض والمواجهة المحتملةيواصل الجانب الإسرائيلي ملاحقة الوجود الإيراني في سوريا في ظل أجواء إعلامية مشحونة، وتكهنات عن إمكان شن إسرائيل بدعم من إدارة دونالد ترمب، هجوماً على موقع نووي لإيران، في وقت يرى محللون خبراء أن خطوة كهذه مستبعدة في المرحلة الانتقالية. وعلى الرغم من ذلك، يبدو الإصرار الإيراني على تعزيز مواقعه في جنوب سوريا خياراً مزدوج الأهداف السياسية والعسكرية، فمن جهة تسعى طهران إلى تمتين أوراقها التفاوضية في حال أقدمت على فتح قنوات التواصل مع إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن في الأشهر المقبلة، وهو أمر قد لا يتم قبل الربيع المقبل بعد أن يبدأ بايدن ولايته في 20 يناير (كانون الثاني) 2021، لا سيما أن بنود أي تفاوض ستشمل التوسع الإيراني في دول المنطقة ومنها سوريا ولبنان.
ومن جهة ثانية، تسعى إلى تحصين وجودها جنوب سوريا لأن أي مواجهة عسكرية قد تحصل في ظل إدارة ترمب يمكن أن تكون الجبهة السورية الإسرائيلية في الجولان أحد ميادينها إذا كانت طهران ستبقي الجبهة اللبنانية عبر “حزب الله” لمرحلة متقدمة من أي مواجهة عسكرية.منطقتان ساخنتان إلا أن المواجهات على الأرض السورية تتم في إطار تهيؤ كل فريق للتعاطي مع مرحلة بايدن وفق مصالحه ونياته المختلفة عن نيات الآخر، على الرغم من أن سياق الأحداث قد يعاكس رغبات القوى الإقليمية التي تتقاسم النفوذ في سوريا، وتتنافس فيها على اقتطاع مساحة لمصلحة طموحاتها، فثمة ديناميات للعمليات العسكرية على المسرح السوري جعلت من منطقتي الجنوب (القنيطرة ودرعا) والشمال وإدلب، ميدانين ساخنين على الصعيد الأمني.
ففي الجنوب يُضاف إلى سخونة محافظة القنيطرة بين إسرائيل وإيران، تفاعلات متواصلة لمحاولة طهران بالتعاون مع النظام السوري للتمدد في محافظة درعا عبر الفرقة الرابعة، في وقت تسعى موسكو إلى الحد من هذا التمدد بعدما نجحت في السنوات الماضية في استقطاب جزء لا يستهان به من المقاتلين الذين كانوا ينتمون إلى المعارضة، بضم قسم منهم بعد المصالحات التي جرت مع النظام، إلى الفيلق الخامس الذي أنشأته قبل سنوات.
وهؤلاء تجري بينهم وبين الجماعات الموالية لإيران والفرقة الرابعة منافسة للسيطرة على ريف درعا، وتحصل صدامات أحياناً حملت مقاتلي الفيلق الخامس على قيادة تظاهرات هتفت ضد الأسد والوجود الإيراني. وتتعدد مصادر تسليحهم من جهات عربية عدة مناهضة للوجود الإيراني، من طريق الحدود مع الأردن، إضافة إلى الجيش الروسي.أما منطقة الشمال وإدلب فهي مرشحة بدورها للتوتر العسكري في ظل الخلاف التركي – الروسي في سوريا ودول أخرى من ناغورنو قره باغ إلى ليبيا، وهو خلاف أدى إلى جولة من التصعيد الروسي الشهر الماضي ضد المسلحين المتحصنين في إدلب، وإلى انسحابات تركية من بعض مواقع المراقبة التي كان اُتفق على تمركز الجيش التركي فيها، ومنطقة إدلب مرشحة لمعارك عسكرية في المرحلة المقبلة.
مراهنات النظام وبايدنوفي هذه الخريطة المضطربة لسوريا التي تجعل منها جزراً متناحرة، يقبع نظام حكم الأسد في حال من الانفصام بين الالتحاق بالتشدد الإيراني في انتظار تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود مع إدارة بايدن، وبين القلق من أي تفاوض إيراني- أميركي قد تكون سوريا على طاولته ويؤدي إلى التضحية بالأسد، على الرغم من أن احتمالات التسويات غير منظورة إلى الآن.وفي وقت بات متعارفاً عليه أن طهران ترسل إشارات التعامل مع مرحلة بايدن على قاعدة الاستعداد للانفتاح عليه من زاوية تدابير داخلية رمزية، تتعلق بما يهم توجهات الحزب الديمقراطي من زاوية إعطائه الأولوية لحقوق الإنسان وحقوق المرأة والديمقراطية، فتفرج بالقطارة عن معتقلين، يتوجس حكام دمشق من هذا التوجه الأميركي، وكانوا يفضلون لو نجح ترمب في التجديد لولاية ثانية نظراً إلى أنه غير مهتم بالوضع السوري وتدخله محدود، فإعطاء الأولوية لهذه المبادئ لن يكون في مصلحة النظام بالتأكيد.ويقول العارفون بتفكير محيط بشار الأسد إنه على الرغم من ذلك لم يستعجل بالتجاوب مع مطالب ترمب في السعي إلى الإفراج عن الصحافي أوستن تايس، والأميركي من أصل سوري الذي اختفى في سوريا مجد كملماز، في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية، لعله يجري العمل على كشف مصيرهما إذا نجح بايدن، فيكون الأمر فاتحة محادثات مع الإدارة الجديدة لمعرفة نياتها تجاه بقاء الأسد في الحكم.بلينكن والانتقال السياسي: سنكون هناكلكن ما أعلنه وزير الخارجية المعيّن من قبل بايدن، أنطوني بلينكن، قد لا يكون مطمئناً للنظام بدوره، فللأخير وجهة نظر حول سوريا عبّر عنها في مقابلة مع محطة “سي بي إس” قبل أيام.
ويعتبر بلينكن ما وصفه بـ “فشل السياسة الأميركية في سوريا مسألة شخصية بعض الشيء”، منذ أن تحمّل المسؤولية عن سياسة بلاده فيها خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما”، إذ عمل نائباً لمستشار الأمن القومي، ونائباً لوزير الخارجية”. وقال، “في الإدارة السابقة أخفقنا في الحؤول دون الخسارة المرعبة في الأرواح، وفي منع التهجير الواسع داخل سوريا وخارجها، وهذا سأحمله معي في باقي أيامي ولدي مشاعر قوية حياله، وما حصل أن الوضع المرعب صار أسوأ، وبقدر ما بقى للولايات المتحدة من تأثير إيجابي في سوريا يجب محاولة تحقيق نتائج إيجابية”.ويأسف بلينكن لأن “انكفاء إدارة ترمب كلياً عن سوريا قلص إمكان تأثيرنا. لدينا بعض القوات المتبقية في الشمال السوري، والتخلي عن شركائنا بمن فيهم الأكراد كان غلطة ضخمة سندفع ثمنها، ولكن يبقى لدينا بعض التأثير.
قواتنا قريبة من موارد مهمة، ويجب ألا تكون من أجل النفط في تلك المنطقة، كما أراد ترمب، لكنها ورقة تأثير لأن الحكومة السورية ترغب في السيطرة عليها، ويجب ألا نسلم بذلك مجاناً”.ويعتقد بلينكن أن لدى أميركا “القدرة الأكبر على التعبئة الدولية لإعادة بناء سوريا، وعليها أن تحصل على مقابل ذلك لمصلحة الشعب السوري.
مثلاً الحصار على إدلب يجب أن يتوقف، وإذا كانت المساعدات الإنسانية لا تصل فعلينا إيصالها، ويجب أن نؤثر في اتجاه نوع من الانتقال السياسي يعكس إرادة الشعب السوري. في أي عملية دبلوماسية تحصل نحن الحاضر الغائب، بينما الروس موجودون وكذلك الأتراك والإيرانيون. لا أضمن شيئاً لكن أستطيع أن أضمن أننا في عهد بايدن سنكون هناك”.