• الإثنين , 23 ديسمبر 2024

ماذا وراء الهجمات المتبادلة بين القوات الأمريكية والإيرانية شرق سوريا؟

هبة محمد

دمشق – «القدس العربي»: 7/1/2022

يتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، إذ وصل إلى نقطة الاشتعال مع بداية العام الجديد، بينما حمّل مسؤولون أمريكيون إيران ووكلاءها في المنطقة التي وصفوها بـ «الجهات الخبيثة» المسؤولية عن الهجمات والأعمال الاستفزازية، مشدّدين على الحق في «الدفاع عن النفس».

ونفذت الميليشيات الإيرانية خلال الأيام الأخيرة، سلسلة من الهجمات الصاروخية، استهدفت قواعد عسكرية تضمّ قوات للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في كل من سوريا والعراق، بينما ردت الأخيرة، باستهداف مواقع للحرس الثوري الإيراني وميليشيا أبو الفضل العباس والنجباء عبر الطيران المسير.

وعاودت قوات التحالف، فجر الخميس، استهداف مواقع الميليشيات الإيرانية في دير الزور، عبر قواعدها في المنطقة، وذكرت شبكة «فرات بوست» المحلية الإخبارية، أن قوات التحالف المتمركزة في قاعدة معمل كونيكو للغاز، استهدفت بالمدفعية الثقيلة مواقع الميليشيات الإيرانية في منطقة غرب الفرات في ريف دير الزور الشرقي.فيما نقل موقع «عين الفرات» المحلي عن مصادره،

استهداف طائرات مسيرة مجهولة بالصواريخ مواقع لكتائب «علي الأكبر» التابعة لميليشيا «النجباء» بالقرب من بلدة «حطلة» في بادية المسرب غرب دير الزور.وقال مسؤول في التحالف الدولي لفرانس برس، «لاحظنا إطلاق خمسة مقذوفات صاروخية سقطت بعيداً عن المنشأة»، مضيفاً أن الأقرب «سقط على بعد نحو كيلومترين» من القاعدة الواقعة في محافظة الأنبار الحدودية مع سوريا، دون أن يسفر الهجوم عن «ضحايا أو أضرار».

«بسبب تعثر المفاوضات»وحول أسباب المواجهة المتصاعدة بين الطرفين، وتوقيتها، عزا البرلماني العراقي السابق، والخبير في العلاقات الدولية، عمر عبد الستار، ذلك إلى المفاوضات المتعثرة بين الجانبين في فينا، والصفقة المحتملة بين الروس والأمريكان في سوريا، في العاشر من الشهر الجاري من جهة ثانية، معتبراً أنه إذا نجح التفاوض الروسي – الأمريكي سيفشل التفاوض الأمريكي -الإيراني في فيينا، وسيؤدي إلى الانسحاب الأمريكي من الملف النووي.وأبدى د.عبد الستار في تصريح لـ «القدس العربي» اعتقاده، باحتمال تقارب روسي – أمريكي، وتباعد أمريكي – إيراني، معتبراً أن ذلك يعني «إذا نجحت الصفقة في مقايضة سوريا مع روسيا، فهذا قد يدفع إلى انسحاب أمريكي من مفاوضات فيينا».

وربط الخبير في العلاقات الدولية التصعيد بنجاح المفاوضات الروسية – الأمريكية، الأمنية المقررة في العاشر من الشهر الجاري، وقال «ربما يكون من الوارد بالتالي الذهاب لإجراءات أخرى، وهنا ستجد إيران نفسها خاسرة، فهي تستبق الانسحاب الأمريكي المحتمل من فيينا، وتستبق التفاوض الأمريكي – الروسي على سوريا، ولذلك تصعّد للضغط على الطرفين الأمريكي والروسي».

الملاحظ الجديد، أن الولايات المتحدة بدأت ترد على ضربات الميليشيات الإيرانية، بالطيران المسير، إذ يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تشعر بقلق متزايد بشأن التوترات مع إيران، وهي «تنظر إلى العام الجديد على أنه بؤرة اشتعال محتملة»، وفقاً لما ذكرت لشبكة «إن بي سي نيوز».

ورقة طهران للتفاوضوكان مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون، قالوا إن المواجهة المتزايدة مع إيران دفعت إلى نقاش داخل الإدارة حول كيفية الرد على الهجمات والأعمال الاستفزازية من قبل إيران ووكلائها في المنطقة.

الباحث لدى المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام رشيد الحوراني تحدث لـ«القدس العربي» عن ترسيخ إيران لنفوذها في سوريا والتي تستثمره خلال فترة التصعيد مع الولايات المتحدة، كورقة تفاوض، وقد عززت نفوذها في نقطتين استراتيجيتين جنوب وشرق سوريا وبالتحديد في دير الزور، لاستثمارها في الضغط على «أمريكا وإسرائيل» عند الحاجة وبالتالي تحويل هذا النفوذ وضبطه إلى ورقة تفاوض، خاصة أن أمريكا وإسرائيل تستثمران في دفع بعض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل تخوفاً من النفوذ الإيراني.

وتعلم إيران أن كلاً من إسرائيل وأمريكا لن تجازفا في حرب تطال مصالحهما بنسبة أكبر بكثير من مصالح إيران التي غيرت العقيدة العسكرية الخاصة بجيشها والتي تتضمن العمل على إنشاء مصدات دفاعية تتمثل بتواجدها العسكري في دول كالعراق وسوريا ولبنان واليمن».

وحول الأسباب التي تقف وراء التصعيد، قال المتحدث إن لذلك أسباباً عدة أهمها سعي إيران للضغط على واشنطن، والقبول ببرنامجها النووي، مقابل قبول إيران بضبط سلوك ميليشياتها وتحديد دورهم، و «بلا شك إيران ستقبل ذلك، كونها تعمل على تحقيق أهدافها بشكل مرحلي وتتمتع بالمناورة السياسية والعسكرية والامتصاص».

واستبعد الحوراني أن تعمل واشنطن على زيادة التصعيد، عازياً السبب إلى «أن أي تصعيد سيقابل بتصعيد أكبر في صفوف القوات الأمريكية في المنطقة وإلحاق خسائر قد تكون الإدارة الأمريكية الحالية غير قادرة على تحمل نتائجها، ومن المحتمل أن تلجأ إيران إلى التصعيد واستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة إلى أن تصل أمريكا إلى سحب قواتها، فأمريكا سحبت قواتها مثلاً من العراق بعد بدء الميليشيات الإيرانية استهدافها كاستهداف قاعدة عين الأسد والسفارة الأمريكية ببغداد، ومطار أربيل».

واعتبر أنه لا يمكن التعويل على أمريكا في هذا الشأن، ولا بد من إجراءات لدول المنطقة المتضررة أو المتخوفة من النفوذ الإيراني ومشروعه؛ من بناء استراتيجية واضحة تعتمد استخدام نوعي القوة:

أ – القوة الناعمة وبناء دولة المواطنة وإشعار الشيعة العرب بأنهم مواطنون في مجتمعاتهم وليسوا جزءاً من ولاية الفقيه، وتوجيه الخطاب للداخل الإيراني وتوعيته من مخاطر مشروع نظام الملالي وتتوفر لهذا أرض خصبة في المجتمع الإيراني.

ب – القوة الخشنة بدعم الثوار السوريين لضرب الميليشيات الإيرانية خاصة أن تلك الميليشيات لها تجربة قاسية معهم، وتلك التجربة أجبرت قائد الحرس الثوري الإيراني القتيل قاسم سليماني أن يقود المعارك بنفسه في درعا 2016 بسبب الخسائر الفادحة التي لحقت بتلك الميليشيات، وغيرها من المواقع.

تطورات إقليمية

وتتزامن هجمات الميليشيات المدعومة من إيران مع جملة من التطورات الإقليمية فيما يخص علاقة الطرفين، ومن حيث التوقيت ربط الباحث السياسي بدر ملا رشيد «انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق وإنهاء تواجد القوات القتالية من جهة، ومفاوضات فيينا حول الملف الإيراني النووي من جهة أخرى حيث تقوم إيران عبر تنظيم الهجمات الأخيرة باستخدام السلاح المعهود من طرفها، والمتمثل بخلق الضغط والفوضى باليد اليمنى، وتقديم الهدنة عبر التوافق على تسليم الفراغات الأمنية الناشئة لها، وتقبل مطالبها في الملف النووي باليد اليسرى».

وحول توقعاته قال الباحث السياسي لـ«القدس العربي» : «حتى الآن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية «بالرد على مصادر النيران وبعض النقاط العسكرية التابعة لإيران بموازين دقيقة تمنع دخول الطرفين في حالة مواجهة شاملة سواءً في العراق أو سوريا، لذا من المتوقع أن تقوم واشنطن بالتزام السياسة نفسها في الفترة القادمة عبر إظهار رأس العصا والضرب على الميليشيات الإيرانية وفق الخطورة اللحظية التي تمثلها، وسيكون هذا الأمر مرتبطاً على المدى القصير بمآلات التفاوض في فيينا».

وترغب واشنطن وفق رؤية المتحدث، بالحفاظ على مكاسبها في العراق وسوريا، مع الامتناع عن مواجهة إيران، لذا ما دامت إيران ملتزمة بضبط إيقاع استهداف القوات الأمريكية، ستقوم الأخيرة بذات الأمر قدر الإمكان، وهناك احتمالية ان تزيد واشنطن من ضغوطها في ظل امتناع الجانبين الروسي والإيراني تقديم أية تنازلات في ملف الانتقال السياسي في سوريا، واحتمالية حدوث هذا الأمر تبقى مرتبطة بملفاتٍ إقليمية ودولية أخرى، كأوكرانيا، وحالياً كازاخستان والملف النووي.

وحول استخدام تشكل الأراضي السورية، كصندوق لتبادل الرسائل النارية، ومنطقة خصبة للهجمات والاستفزازات بين الطرفين، اعتبر بدر ملا رشيد أن هذا الواقع ناشئ بشكل رئيسي من انهيار الدولة السورية، ففي العراق ورغم سيطرة إيران على مفاصل الدولة العراقية، إلا أن هناك هيكلاً للجيش والحكومة العراقية، أما في سوريا فالحكومة السورية هي حكومة بالنيابة عن الانتداب الروسي والإيراني، كما أن الجيش السوري في حالة ضعف شديدة وطبيعة التواجد الأمريكي في سوريا مغايرة لطبيعة تواجدها في العراق، ففي الأخيرة هناك اتفاقات تستند عليها واشنطن في ملف التواجد العسكري، أما في سوريا فالوجود الأمريكي هو عبر تدخل من جانب التحالف الدولي فقط دون توافق بين مؤسسات أمريكية ومؤسسات النظام.

مقالات ذات صلة

USA