عمر كوش
العربي الجديد:10/10/2021
يعيش سكان محافظة إدلب في شمال سورية على وقع مخاوف من أن يشن نظام الأسد عملية عسكرية واسعة النطاق على مناطقهم، بإسناد عسكري روسي، على خلفية التصعيد العسكري المتواصل لقوات النظام والقوات الروسية عليها، وبدأ النظام التحضير والتمهيد، ميدانياً وإعلامياً، لشنّ عملية عسكرية فيها، بهدف استعادة سيطرته عليها، وخصوصاً على الطريق الدولي إم 4، والذي بات يشكل نقطة خلاف كبير بين تركيا وروسيا.
وتزداد تلك المخاوف من احتمال وقوع هجوم وشيك للنظام على إدلب، على الرغم من أنها تمثل منطقة “خفض التصعيد” الوحيدة المتبقية في سورية التي أنشئت بموجب اتفاقات أستانة بين كل من روسيا وتركيا وإيران، في ظل استمرار الجدل بين روسيا وتركيا بشأن تنفيذ الالتزامات الواردة في الاتفاقات الثنائية بينهما حولها، والذي يبدو أنه لم يُحسم خلال قمة سوتشي التي جمعت بين الرئيسين التركي أردوغان والروسي بوتين في 29 الشهر الماضي (أغسطس/ آب).
ويجادل الساسة الروس بأن نظراءهم الأتراك لم يفوا بوعودهم وتعهداتهم التي التزموا بها في إدلب، والمتمثلة في الفصل بين الجماعات الإرهابية، وخصوصاً هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) والفصائل السورية المعتدلة، حيث جدّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال لقائه نظيره المصري سامح شكري، تأكيده، و”بشكلٍ لا لبس فيه، على ضرورة التنفيذ الكامل للاتفاقيات بين الرئيسين بوتين وأردوغان لعزل الإرهابيين، وخاصة الإرهابيين التابعين لجماعة هيئة تحرير الشام”، زاعماً أن “التهديد الإرهابي” في إدلب “يتزايد في بعض الأماكن”، وأن الهدف النهائي لروسيا هو القضاء على “هذه المجموعة الإرهابية”.
ويتحفظ الساسة الأتراك على ادّعاءات نظرائهم الروس، ويؤكّدون على التزامهم بالاتفاقيات المبرمة معهم، وعلى مواصلة بلادهم “الالتزام بالمسؤوليات المترتبة عليها في إطار التفاهمات المعنية، بهدف ضمان الأمن والاستقرار، وإدامة وقف إطلاق النار في إدلب”. لذلك يطالبون المسؤولين الروس باتّباع النهج ذاته، والتوقف عن تكثيف هجمات قواتهم الجوية وهجمات قوات النظام عليها. ومع ذلك، لا يكفّ ساسة الكرملين عن توجيه انتقاداتٍ إلى تركيا بعدم تنفيذ الاتفاقيات المبرمة معها، وخصوصا الجزء المتعلق بوجود “المنظمات الإرهابية” في إدلب، وفتح الطريق الدولي “إم 4″، بينما يأخذ الأتراك على الروس انتهاك قواتهم وقوات نظام الأسد وقف إطلاق النار، وعدم الوفاء بالتزاماتهم بسحب “وحدات حماية الشعب” الكردية في منطقتي تل رفعت ومنبج التي تصنفها تركيا منظمة إرهابية، لذلك ترفض التعامل مع المنظمات الإرهابية بمعادلاتٍ ومعايير مختلفة.
وعلى الرغم من أن التصريحات التي يدلي بها المسؤولون الأتراك والروس تشي بأن الطرفين يتصرّفان وكأنهما نفّذا البنود الموقعة في الاتفاقيات بشأن الوضع في سورية بشكل عام، إلا أن ملف إدلب شكّل على الدوام عقدة خلافية في التفاهمات والاتفاقيات التركية الروسية منذ توقيع اتفاقية سوتشي في 17 سبتمبر/ أيلول 2018 بين الرئيسين أردوغان وبوتين، حيث تحوّل الوضع في إدلب إلى ورقة ضغط روسية على الطرف التركي، بمطالب ذات سقف عالٍ من أجل ابتزازه، فيما حاول الطرف التركي تقديم بدائل وحلول لم تلق قبولاً لدى الطرف الروسي الذي ظل متمسّكاً بذريعة التنظيمات الإرهابية، لذلك يرفض الروس أي مبادراتٍ لدمج فصائل المعارضة السورية وتوحيد قواها العسكرية في المنطقة، ويطالبون بحل الهيئة، بحيث لا يبقى لها أي وجود فيها، ما يعني الدخول معها في حربٍ مفتوحة وشاملة، وحصول كارثة إنسانية تطاول أكثر من ثلاثة ملايين مدني سوري يعيشون في المنطقة.
ويجادل الساسة الأتراك بأن الهدف الرئيس من اتفاق سوتشي حول إدلب، والذي تمّ توسيعه في 5 مارس/ آذار 2020، هو الحفاظ على حالة عدم الصراع أو الاقتتال فيها، حيث تعهدت روسيا بموجبه بوقف هجمات نظام الأسد، ولجمها من أجل الامتثال لوقف إطلاق النار، فيما تعهدت تركيا بالفصل بين فصائل المعارضة المسلحة “المعتدلة” في إدلب والجماعات الإرهابية والمتطرّفة، إلى جانب تعهد كل من روسيا وتركيا بمحاربة الإرهاب داخل سورية، بجميع أشكاله وصوره، وإنشاء ممر آمن بعمق ستة كيلومترات على جانبي الطريق الدولي “أم 4″، وتسيير دورياتٍ تركيةٍ روسية مشتركة في هذا الممر.
وقد اتخذت تركيا خطوات على الأرض لإنشاء الممر الآمن، لكن صعوباتٍ كبيرة ما تزال تعترض فتح الطريق السريع الرابط بين مدينتي حلب واللاذقية.وتعتبر أوساط سياسية تركية أن الغاية من زيادة القوات الروسية من هجماتها على إدلب بحجّة محاربة الإرهابيين هي فرض إرادتها وسيطرتها على المنطقة برمتها، لذلك تقوم مقاتلاتها باستهداف المنطقة من دون تمييز بين المواقع العسكرية لمختلف الفصائل، بما فيها فصائل الجيش الوطني المدعومة تركياً، ومنازل المدنيين ومخيمات اللاجئين والمراكز الصحية والخدمية وسواها، الأمر الذي يشير إلى مزاعم روسيا أنها لا تستهدف سوى الجماعات المصنفة “إرهابية” لا أساس لها من الصحة.
وعلى الرغم من أن الرئيس الروسي اعتبر أن العلاقات التركية الروسية لا تسير من دون توتر بين حين وآخر، وأن مؤسّسات البلدين تنجح سريعاً في معالجة أسباب الخلاف، إلا أن الخلاف بشأن إدلب يتسع مع الوقت بين البلدين، حيث تريد روسيا السيطرة عليها بحجّة إعادة إخضاعها لسطوة نظام الأسد.
وفي المقابل، ترفض تركيا ذلك تماماً، نظراً إلى أهمية إدلب الكبيرة بالنسبة إليها، كونها منطقة نفوذ عسكري لها وورقة ضغط قوية على المستوى السياسي في مواجهة روسيا وإيران، ومعهما نظام الأسد، فالمنطقة تتميّز بأنها نقطة تقاطع طرق دولية، وبتشكيلها حزاماً جغرافياً يحمي مناطق نفوذها الأخرى في شمالي سورية.
لذا ستبذل تركيا ما في وسعها من أجل منع أي هجوم عسكري واسع عليها، والأمر متروكٌ لمدى استعداد روسيا للتخلّي عن تركيا شريكاً أساسياً في الملف السوري، فضلاً عن علاقاتها المتشعبة والمهمة معها.