• الإثنين , 25 نوفمبر 2024

وثائقي إسرائيلي عن حافظ الأسد يروي تفاصيل أيامه الأخيرة (2)

إسطنبول – خالد خليل

موقع تلفزيون سوريا:10/2/2021

عرضت قناة “كان 11” الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، فيلماً وثائقياً عن حافظ الأسد تضمن تفاصيل ومواقف تعرض لأول مرة عن حيات الأسد ونشأته وعائلته وأبرز محطات حكمه، من منظور أجهزة المخابرات الإسرائيلية.

اعتمد الفيلم الوثائقي الإسرائيلي، الذي حمل عنوان “رجل العصابة الذي حكم سوريا”، شهادات وإفادات لمسؤولين في الموساد وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ولمسؤولين سياسيين إسرائيليين وأميركيين، كانوا مكلفين بمراقبة الأسد ومتابعته، ومنهم من تعامل معه خلال مسيرة حكمه.ويأتي الفيلم ضمن سلسلة وثائقيات تحمل اسم “أعداء”، بدأت هيئة البث الإسرائيلية عرضها مطلع هذا العام، بواقع حلقة أسبوعياً، وتتناول السلسلة حياة عدد من الزعماء العرب السابقين، وهم صدام حسين وياسر عرفات وجمال عبد الناصر وحافظ الأسد وأنور السادات، فضلاً عن الخميني.

يحاول القائمون على إنتاج هذه الوثائقيات إظهار حالة “المحيط المعادي” الذي تعيشه إسرائيل، عبر التركيز على الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، وإبراز نجاحات الموساد وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في اختراق هذه الأنظمة.من الملحوظ أن الفيلم الذي أسهب في ذكر تفاصيل لأبرز محطات حكم حافظ الأسد، إلا أنه لم يتطرق إلى عملية اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي للبنان في عام 1982 وتصادمه مع القوات السورية مرات عديدة.

وفي ظل غياب الشفافية وسياسات التكتم في مؤسسات الحكم للأنظمة العربية، تبقى رواية الأحداث الواردة في الوثائقيات الإسرائيلية رواية من طرف واحد ولا تخلو من البروباغندا وإسرائيل ضليعة في ذلك وخاصة الموساد.يتابع موقع تلفزيون سوريا، في الجزء الثاني والأخير، تسليط الضوء على أهم المواقف المثيرة التي عرضها الوثائقي الإسرائيلي عن حافظ الأسد، بعض هذه المواقف متداول وبعضها الآخر جديد ومثير، ولكنها تعطي تصوراً لما تراه إسرائيل عن حافظ الأسد الذي حكم سوريا ثلاثة عقود.مشكلة رفعتفي عام 1983 أصيب حافظ الأسد بوعكة صحية في القلب، ألزمته الفراش، وعلى إثرها حاول شقيقه رفعت، الرجل الثاني في سوريا وصاحب النفوذ والسجل الإجرامي، السيطرة على الحكم بالقوة.

يشير الوثائقي الإسرائيلي إلى أن رفعت تملكته الثقة بأنه يستطيع السيطرة على الحكم، نتيجة ما يمتلكه من قوة ونفوذ في الجيش، ولديه ما يقارب نحو 50 ألف جندي كانوا يعملون تحت إمرته، بينهم مظليون ورجال “كومندوس”، ويمتلك مروحيات وسجون خاصة إضافة إلى جهاز مخابرات يعمل لصالحه فقط.ويصف المؤرخ الإسرائيلي يهودا بلنجا، “سرايا الدفاع”، التابعة لرفعت، بأنها من النخبة العسكرية داخل الجيش وكانت بمثابة “جيش داخل جيش”.ويقول المؤرخ الإسرائيلي، من دواعي أسف رفعت أن حافظ الأسد تماثل للشفاء، وتوصل الأخوين إلى تسوية بجهود أمهم ناعسة، مشيراً إلى مكانة الأم في العائلة الحاكمة.عملية مطار “ثيرو” الغامضةفي أبريل 1986م كادت محاولة تفجير طائرة ركاب تابعة لشركة “العال” الإسرائيلية أن تشعل حرباً بين سوريا وإسرائيل، ولكن العملية فشلت في اللحظات الأخيرة.ويقول ياروم سويتسر، أكاديمي إسرائيلي وخبير دولي في قضايا الإرهاب، لو تمت عملية تفجير الطائرة الإسرائيلية في مطار “ثيرو” في العاصمة البريطانية لندن، لذهب إسحاق رابين (كان وزير الدفاع وقتها) إلى اتخاذ قرار شن الحرب على سوريا.

محاولة تفجير الطائرة تُعرف إعلامياً باسم “قضية هنداوي” ولا يزال كثير من تفاصيلها غامضة، في حين تشير أصابع الاتهام إلى ضلوع المخابرات السورية والسفارة السورية في لندن بالوقوف ورائها والتخطيط لها، بينما تحدثت تقارير إعلامية أخرى عن أنها عملية اختراق الموساد للمخابرات السورية وتوريطهم بها لإساءة العلاقة بين دمشق ولندن.

في صباح 17 من نيسان/ أبريل كانت طائرة “العال” في رحلة ترانزيت حطت في لندن قادمة من نيويورك ومتجهة إلى تل أبيب، تحمل على متنها 375 راكباً إضافة إلى 16 من أفراد طاقم الطائرة. كشف رجال الأمن المسؤولون عن تفتيش حقائب المسافرين وجود قنبلة في حقيبة إحدى المسافرات.ويروي يوسي أوربخ، رجل أمن من جهاز الشاباك الإسرائيلي والمسؤول عن تدقيق بيانات المسافرين وتفتيش حقائبهم قبل دخول الطائرة ، كيف أثارت شكوكه حقيبة سفر صغيرة تعود لفتاة بريطانية، من أصول إيرلندية، في السادسة والعشرين من العمر ويبدو عليها الحمل كانت تحجز تذكرة إلى تل أبيب.ويقول أوربخ، الفتاة تدعى “آن ماري ميرفي”، لم يبدو عليها ما يثير الشبهة على الإطلاق فقد كانت بمنتهى العفوية، ولكن وزن حقيبة اليد للفتاة أثار بعض الشكوك لدي، وقررت تفتيشها في غرفة التحكم المجاورة، فعثرت في جيب سفلي للحقيبة على قنبلة بوزن نصف كيلوغرام من مادة “Semtex” شديدة الانفجار مع جهاز لتوقيت التفجير، ومغلفة بمادة شمعية لونها برتقالي.

بعد التحقيقات تبين أن الفتاة لا علم لها بما تحمل في الحقيبة، وأن عملية إدخال القنبلة إلى داخل الطائرة يقف وراءها شاب أردني من أصول فلسطينية يدعى نزار هنداوي، يقيم في لندن تجمعه علاقة خاصة مع الفتاة، حيث أقنعها بالذهاب لزيارة أسرته في القدس للتمهيد في إقناع والديه بزواجهما، وطلب منها أن تأخذ هذه الهدية الصغيرة معها.هنداوي حكم عليه القضاء البريطاني بالسجن لمدة 45 سنة، بعد القبض عليه اعترف بارتباطه بالمخابرات السورية لاسيما أنه احتمى بالسفارة السورية في لندن، إلا أنه تراجع عن اعترافاته أثناء المحكمة، الأمر الذي زاد من نسبة تحميل سوريا مسؤولية ما حدث، ما اضطر الحكومة البريطانية لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.

بعد 35 عاماً يعيد الموساد طرح قضية تفجير طائرة “العال” من خلال هذا الفيلم، ويسرد ما حدث من وجهة نظره باتهام المخابرات السورية، إلا أن ما حدث في مطار “ثيرو” لا يزال يحمل كثيرا من التفاصيل الغامضة، لا سيما بعد تصريحات لجهات رسمية غربية بأن العملية كانت مصممة لإحراج سوريا أمام الغرب.التقرب إلى القطب الأميركيفي بداية التسعينات، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وإعلان ميخائيل غورباتشوف في 25 من كانون الأول/ديسمبر 1991 استقالته كزعيم للاتحاد، خسر حافظ الأسد الغطاء الدولي الذي يمدّه بالدعم العسكري والدبلوماسي.

يقول المؤرخ الإسرائيلي يهودا بلنجا، إن زوال القوى العظمى السوفياتية كان بمثابة الكارثة لسوريا، وأدرك الأسد حينها بأنه بات بمفرده، وأن عليه التوجه نحو القطب الأميركي.

ويضيف بلنجا، الأسد لا يستطيع أن يرى نفسه في عزلة دولية، فقد كان على الدوام يبحث عن ارتباطات مع قوى أخرى، خلال مسيرة حكمه، فعندما خرجت مصر من المعادلة بالنسبة للأسد اتجه إلى إيران، وعندما انهار القطب السوفياتي أدرك بأن عليه تغيير سياساته تجاه أميركا والغرب.وفي خطوة غير متوقعة ولا تتماشى مع ما يعلنه ويطلقه من شعارات القومية والعروبة، شارك حافظ الأسد في الحرب الدولية ضد العراق، ضمن تحالف دولي بقيادة واشنطن لتحرير الكويت عام 1991.حملت الحرب ضد العراق اسماً عملياتياً “عاصفة الصحراء” وعُرفت إعلامياً باسم “حرب الخليج الثانية” أرسل خلالها حافظ الأسد قطع عسكرية من المدفعية والقوات الخاصة.

وتقول ميري إيزن، مديرة سابقة لشعبة سوريا في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “آمان”‏، شكلت حرب الخليج الثانية نقطة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط، ومنذ تلك اللحظات راح الأسد يغير توجهاته السياسية تجاه إسرائيل ويركز على الإمكانيات المتاحة للتقرب إلى الغرب.

السلام مع إسرائيلفي التسعينات، كان الشغل الشاغل لحافظ الأسد أمران، يحتلان رأس أولوياته السياسية، الأول التخطيط للتوريث، والثاني مباحثات “السلام مع إسرائيل”.بدءاً من مؤتمر مدريد ومفاوضات أوسلو وبعيداً عن أعين الإعلام، فتح حافظ الأسد قناة تواصل مع تل أبيب عبر الوسيط الأميركي، حيث عقدت العديد من الجلسات والمباحثات رعاها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون.يقول حاييم تومير، مسؤول سابق في الموساد‏، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتحول أميركا إلى القوى العظمى الوحيدة في العالم، تولد شعور لدى السياسيين ورجال الاستخبارات الإسرائيليين بأن هناك فرصة لمرة واحدة، للذهاب نحو تحقيق السلام في المنطقة.في هذا الفيلم يدلي مسؤولان بارزان بشهادات وإفادات حديثة، منها ما هو جديد ولافت، حول المسار التفاوضي بين تل أبيب ونظام حافظ الأسد، الأول هو المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط دنيس روس، الذي نسق الجهود الأميركية منذ بداية المسار إلى أن شهد نهايته الفاشلة في جنيف.أما المسؤول الثاني، هو السياسي والأكاديمي إيتمار ربينوفيتش، رئيس طاقم المفاوضات الإسرائيلي مع سوريا.

في بداية آب/ أغسطس 1993 وصل وزير الخارجية الأميركي، آنذاك، وارن كريستوفر، ومعه دنيس روس، لزيارة إسرائيل وبعدها بيوم واحد اتجه الوفد الأميركي إلى دمشق للقاء حافظ الأسد.كان هدف هذه الزيارة فتح مسار تفاوضي برعاية البيت الأبيض بين دمشق وتل أبيب للوصول إلى تسوية سياسية تفضي إلى التوقيع على “اتفاقية سلام”.

يقول دنيس روس، على الرغم من أن الأسد يعيش في عالم المؤامرات والبارانويا، ولا يتردد في استخدام القوة لحماية قوة سلطته، ومن الصعب أن تأخذ منه كلمة، إلا أنه يفي بتعهداته إذا نجحت في إقناعه.وحول انطباعات حافظ الأسد عن بدء المفاوضات ومدى اهتمامه بها يضيف المسؤول الأميركي، كان الأسد على علم بكل التفاصيل التي ترد من رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، ويحدث معلوماته حول رابين دائماً.ويذكر دنيس روس أن حافظ الأسد قال له: “إذا قال رابين فأنا أصدقه”ويقول إيتمار ربينوفيتش، رئيس طاقم المفاوضات الإسرائيلي مع سوريا‏، إن الخطوة الأولى التي اتفقنا عليها مع السوريين هي إجراء لقاءات مباشرة بيني وبين وليد المعلم،

سفير سوريا لدى واشنطن آنذاك، بشرط حضور شخصية أميركية واحدة على الأقل.وليد المعلم يرتجف ويبكي خوفاً من الأسدبعد انطلاق مساعي واشنطن في التأسيس لمفاوضات بين سوريا وإسرائيل بهدف الوصول إلى “اتفاقية سلام” بين البلدين، يذكر دنيس روس موقفاً محرجاً ومهيناً تعرض له وليد المعلم في إحدى الاجتماعات.يقول المسؤول الأميركي، في نقطة معينة أورد الوزير كريستوفر، في إحدى اللقاءات مع الأسد وفريقه، اقتباساً للمعلم “أن الحدود ممكن أن تتغير”، في إشارة إلى الخلاف على حدود بحيرة طبريا لإنجاز صفقة “السلام”.

ويواصل دنيس روس حديثه، عندما سمع الأسد بهذا الاقتباس انفجر غاضباً ورد: إذا قال المعلم هذا الكلام فإنه يُعتبر “خائن للثوابت الوطنية”.يسرد المسؤول الأميركي ما حدث في تلك اللحظة، نظرت إلى المعلم ورأيته يرتجف خوفاً، بالفعل رأيته يرتجف وبدأ بالبكاء خلال اللقاء، ودفعني ذلك الموقف للتدخل والقول: أنا من قال عن إمكانية تغيير الحدود وأن هذه رؤيتي وليست موقف المعلم.ويتابع دنيس روس، أن مشهد بكاء وليد المعلم أعطاني صورة متكاملة لكل ما أردت معرفته عن ماذا تعني الحياة مع الأسد أو العمل تحت إمرته.ويضيف المسؤول الأميركي، لم يكن أحد يجرأ على إخبار الأسد بأمور لا يريد سماعها.مزاجه المرح.. وحبه لغوار الطوشييقول إيلان مزراحي، الذي شغل في السابق منصب نائب رئيس الموساد، رغم قسوة الأسد إلا أنه كان يتمتع ببعض من الروح المرحة، ويبدي قدر لا بأس به من الاستيعاب عندما يتعرض نظامه للانتقاد.

ويذكر مزراحي، أن الأسد كان يحب مشاهدة أفلام الفنان الكوميدي السوري المعروف باسم غوار الطوشي، رغم أن مسرحيات غوار وأفلامه تنتقد النظام بشكل واضح.وفي تسجيل صوتي أورده الفيلم الوثائقي، لـ أدوارد جيرجيان سفير سابق لواشنطن في دمشق، روى فيه جيرجيان موقفاً أثناء إحدى لقاءاته بحافظ الأسد، “قلت له، سيدي الرئيس لم أخبرك بما قاله لي رابين قبل خروجي من عنده”.ويضيف السفير الأميركي السابق، رد الأسد مبتسماً وقال “OK أخبرني، فأخبرته بأن رابين قال لي بأنك ستواجه وتتعامل مع أذكى زعيم عربي”.

رد الأسد والضحك يعلو وجهه، تستطيع أن تخبر رابين بأن هذا هو الأمر الوحيد الذي نتفق حياله.توريث باسليقول حاييم تومير، مسؤول سابق في الموساد‏، في منتصف التسعينات كان واضحاً أن حافظ الأسد يخطط لتوريث الحكم لأحد أبنائه، ولكنه لم يحدد ابنه البكر “جمال” بل اختار ابنه الثاني “باسل”، الذي يشبهه أكثر من بقية الأبناء.

ويضيف تومير، بدأ السوريون ينادونه بـ “أبو” باسل وليس “أبو جمال”، تمهيداً للتوريث.ما يثير الانتباه والريبة ما جاء في إفادة حاييم تومير حول أن لحافظ الأسد ابن بكر أكبر من باسل وأن اسمه جمال، إلا أن هذه معلومة لم يتسن لموقع تلفزيون سوريا التأكد من دقتها، ولم ترد في أي مكان ولم يذكرها أحد من قبل ولم يسمع السوريون بـ “جمال” على الإطلاق.ومن المعلوم لدى عامة السوريين أن حافظ الأسد كان يكنى بـ “أبو سليمان”، وذلك مجرد لقب وأن ابنه الأكبر هو باسل،

وبالفعل في منتصف التسعينات بدأت تتردد في الشارع السوري الهتافات للأسد خلال المسيرات والشعارات المكتوبة عبارة “أبو باسل قائدنا”.

ويشير الفيلم إلى أن الأسباب التي دعت حافظ الأسد لاختيار ابنه باسل لخلافته، باعتباره صورة طبق الأصل عن أبيه، فقد كان ضابطاً في الجيش، ورجل يتصف بالقسوة وصاحب كاريزما، ومظلي، عيّنه والده قائد للواء 105 في الحرس الجمهوري، وكان مكلفاً بحراسة العاصمة دمشق.ويذكر الفيلم أن باسل مات إثر انقلاب سيارته وهو متجه إلى طريق مطار دمشق، نتيجة سرعته المتهورة، في مطلع عام 1994.

ويقول دنيس روس، عندما زرت دمشق كنت أرى صور لباسل في أماكن عديدة، ولكن بعد موته رأيت الوجه الآخر الذي يخفيه حافظ الأسد، الوجه الإنساني، كان كسيراً لأن باسل كان ابنه المفضل ويعلق عليه الآمال لخلافته في حكم سوريا.

بشار البديل “الأخرق.. وفاقد الكاريزما”يقول المؤرخ الإسرائيلي يهودا بلنجا، بعد وفاة باسل استدعى حافظ الأسد على الفور ابنه بشار من لندن، الذي لم يكن يرغب بالرئاسة، واصفاً إياه بـ “الأخرق ولديه عيب في صوته وفاقد للكاريزما على الإطلاق”.ويضيف بلنجا ساخراً وهو يصف بشار الأسد، بأنه الأقل شعبية من بين كل الزعماء العرب، وكان يتطلع دائماً للحصول على التعاطف والحب من عائلته ومن السوريين.ويذكر المؤرخ الإسرائيلي شهادات من الذين قابلوا بشار الأسد بأنه يفتح عينيه ويغلقهما باستمرار وعندما يصافح يضغط بقوة على الكفين ويتأتأ في أحاديثه، ولا تتوفر لديه أي ميزة تجعل منه قائداً.

حافظ الأسد أصيب بـ “الخرف”بعد جهود خارجية قام بها الموساد نجحت إسرائيل في معرفة وتحديد الوضع الصحي لحافظ الأسد وتبين بأنه يعاني من مشكلة في القدرات العقلية ومصاب بـ “الخرف”، وكانت هذه النقطة إحدى مبررات تل أبيب لفشل مفاوضات جنيف.

يقول حاييم تومير، مسؤول سابق في الموساد، في أواخر عام 1998 بدأ يتضح أن حافظ الأسد مريض ويتلقى العلاج على يد أطباء فرنسيين يأتون من فرنسا لعلاجه بدمشق، وعرفنا بحسب مصادرنا الطبية بأن الأسد بدأت تظهر لديه علامات فقد الذاكرة، وعدم التركيز.ويقول المسؤول في الموساد، تمكنّا من تشخيص مرضه بشكل سريع جداً وأظهرت التقارير الطبية بأنه “مصاب بالخرف”، ما يعني أنه لا يتمتع بمحاكمات عقلية سليمة ولا يملك القدرة على اتخاذ القرار.

ويتابع تومير، وهذا ما حدث بالفعل فقد كان مطلوب منه اتخاذ القرار الأخير المتمثل بتقديم تنازل معين مقابل كثير من العروض التي قدمتها إسرائيل لإنجاز اتفاقية “السلام”.

ويستطرد المسؤول في الموساد في قوله، نتيجة فقدان الأسد القدرة على التركيز وضعف قدراته العقلية هي التي جعلتنا نسمعه في اللحظات الأخيرة للتوقيع على الاتفاق يردد عباراته التي كررها مرات عديدة.وبحسب تومير كان الأسد يردد، “عندما كنت ضابطاً شاباً في سلاح الجو، كنا نجلس على ضفاف بحيرة طبريا ووادي الزاكي ونغمس أقدامنا بمياه البحيرة ونصطاد السمك.. أريد العودة إلى ذلك الموقع”.

في إشارة إلى رفض الأسد التوقيع بسبب الخلاف على مئات الأمتار، طلبتها إسرائيل، على ضفاف طبريا من الطرف السوري.من جانبه يروي المسؤول الأميركي دنيس روس، شهادة نادرة حول حالة الأسد الصحية خلال لقائه الأخير به في جنيف.يقول دنيس روس، لم أكن أعلم إلى أي مدى كان الأسد مريضا ولكن فهمت الأمر جيداً خلال مصافحتي له في نهاية لقائنا في 26 آذار/مارس 2000 في جنيف.

ويوضح دنيس روس بالقول: “عندما صافحني الأسد ووضع يده الأخرى على ساعدي وضغط عليه، وأنا بدوري أيضاً فعلت مثلما فعل ووضعت يدي اليسرى على ساعده.. لم ألمس لحماً أبداً كان ساعده مجرد عظم فقط”.

ويشير المسؤول الأميركي، كنا أمام حزمة من الفرص، ولو أن الأسد كان جاداً لكنا أتممنا مسار مفاوضات “شيبردزتاون” ولكنه لم يستمر.ويشدد حاييم تومير، مسؤول سابق في الموساد، على أن وضع الأسد العقلي أثّر بشكل سلبي على قدرة سوريا وإسرائيل في التوصل إلى “تسوية تاريخية”.

ويلفت تومير في شهادته هذه إلى نقطة الجدل الدائر في إسرائيل حول جدوى تلك المفاوضات ويقول، الآن هناك كثير من الإسرائيليين يقولون “من حسن الحظ أن تلك التسوية لم تنجز”، معللين ذلك بقولهم “انظروا إلى ما يحدث في سوريا في الوقت الحالي.. لو تمت التسوية لكان تنظيم داعش الآن على حدودنا الشمالية ليس في الجولان فحسب، وإنما في مقربة من منطقة الجليل.وفاته.. “ملك مات، ملك قام”بعد أقل من شهرين ونصف من عودته من جنيف، التي كانت آخر زياراته الدولية، النادرة بطبيعة الحال، والمخصصة لإنجاز “سلام” مع إسرائيل، توفي حافظ الأسد في العاشر من يونيو/حزيران 2000.

وتقول ميري إيزن، مديرة سابقة لشعبة سوريا في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “آمان”‏، رغم الحداد الرسمي في سوريا لم يكن هناك حزن في البلاد، كل ما في الأمر أن “ملك مات وقام ملك جديد”.وتضيف، أورث حافظ الأسد ابنه نظاماً مغلقا يمتلك تحالفات مع قوى معينة تدعم أرضية تسلمه الحكم، وبالفعل نُفذت عملية التوريث بسرعة وفقاً لما كان مخطط لها من البداية.ويختم المسؤول الإسرائيلي البارز إيتمار ربينوفيتش شهاداته بالقول‏، التاريخ سيحكم على بشار بقسوة، لأنه لم ينجح في مواجهة معضلات سوريا، فقد حدث تمرد ولم يتعامل معه بالطريقة الصحيحة، وفضّل الاستمرار بتعنته بدلاً من تقديم الإصلاحات السياسية، مما زاد من أمد التراجيديا السورية.

مقالات ذات صلة

USA