أصدر فرات خليل، القائد العام لـ«وحدات حماية الشعب» في حلب، بياناً إلى الرأي العام يشرح فيه السبب وراء دخول قوات النظام السوري إلى أحياء حلب الشرقية، خاصة الشيخ مقصود. وقال خليل: «لأنّ كل العالم التزم الصمت حيال الهجمات الإرهابية [ويقصد عملية «غصن الزيتون» التركية]، نحن كوحدات حماية الشعب والمرأة في حلب توجهنا إلى إقليم عفرين، لذلك وقعت الأحياء الشرقية من مدينة حلب تحت سيطرة النظام السوري».
هذا نموذج يوضح مقدار اختلاط الحسابات والأوراق لدى القوى الكردية، «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب» و«قوات سوريا الديمقراطية» على حدّ سواء، في سلوكها العام إزاء مختلف الملفات التي تشكّل عصب حضور العامل الكردي ضمن المعادلة السورية العامة الراهنة: مناطق الجزيرة السورية، محيط دير الزور وشرق الفرات، أحياء حلب الشرقية، منبج، ثمّ عفرين.
هي شرق الفرات، في مثال أول، تواجه تحالف النظام السوري وميليشيات الجنرال الإيراني قاسم سليماني ومتعاقدي «فاغنر» الروس، وتقاتل هؤلاء بالتنسيق مع القوات الأمريكية التي لم تتردد في توجيه الضربة الأقسى لهذا التحالف منذ أن دخلت واشنطن طرفاً عسكرياً في نزاعات الأرض المعقدة على امتداد ريف دير الزور وشرق الفرات. لكنها، في مثال ثانٍ، تنسحب في الشيخ مقصود لصالح النظام السوري، مبررة ذلك بضرورات الدفاع عن عفرين؛ وفي الآن ذاته تسمح لميليشيات النظام/ سليماني بالدخول إلى المدينة. وهي، في مثال ثالث، تتلاقى مع جهود موسكو الساعية إلى إقامة حوار كردي مع النظام السوري، حول ترتيبات حكم ذاتي كردي ذي صيغة ملموسة تحت سقف النظام، ثم تفترق عنها فتفضّل البقاء تحت المظلة الأمريكية حتى إذا أسفر ذلك عن موافقة موسكو على «غصن الزيتون»…
ولعلّ الاتفاق الأخير مع النظام السوري، حول دخول قوات موالية إلى قلب مدينة عفرين، هو آخر تجليات هذا الاختلاط/ الاختلال في الحسابات. ذلك لأنّ بشار الأسد لم يرسل وحدات عسكرية نظامية، بل عشرات من عناصر ميليشيا تمّ تأسيسها خصيصاً لهذه المهمة. هذا في ضوء تفصيل أقرب إلى السرّ المفضوح، مفاده أنّ مخطط «غصن الزيتون» لم يكن أصلاً يستهدف احتلال عفرين ذاتها، بل تطويقها من جهات ثلاث، وترك خاصرتها الجنوبية مفتوحة على جيش النظام وحده؛ أيّ مقيدة ومحاصرة، من هذه الجهة الرابعة أيضاً!
الوقائع على الأرض تؤكد عواقب هذا الاختلاط/ الاختلال، إذْ أنّ رقعة الاحتلال التركي لمحيط عفرين آخذة في التوسع، بل باتت مؤخراً أسرع وتيرة حتى من أفضل تقديرات الخبراء العسكريين. وبعد قرابة شهر على التوغل التركي في محيط الإقليم، تشير التقارير إلى احتلال أكثر من 100 نقطة كانت تحت سيطرة القوى الكردية، بينها 72 قرية، و20 تلّة. هذا فضلاً عن نجاح أنقرة في انتزاع اعتراف رسمي من واشنطن، بلسان وزير الخارجية الأمريكي نفسه، يدرج «غصن الزيتون» من باب تفهّم مخاوف الأمن القومي التركي.
فأيّ تكتيك هذا الذي، بعد إعطاء قيادات قنديل سلطات مطلقة في إدارة عفرين بمنطق الاحتلال، يستنجد بالنظام السوري ويستقبل ميليشياته التي تمارس طرازاً ثانياً من الاحتلال، في أحياء حلب الجنوبية، وتل رفعت شمالها، ثمّ في عفرين المدينة؛ وفي الآن ذاته يواصل الانكسار أمام زحف مفارز الاحتلال التركية؟ وأيّ اتساق منطقي في القتال مع أمريكا شرق الفرات، وابتلاع مهانة سكوت واشنطن عن الغزو التركي في عفرين؟ وأخيراً، أيّ منطق سياسي، وعقائدي وأخلاقي، ذاك الذي يبرر أن تشهد عفرين، المعذبة الصابرة الضحية، رفع صورتَيْ عبد الله أوجلان (قائد حركة تحرر كردية يسارية)، وبشار الأسد (قاتل أطفال فاشي مرتهن)… كتفاً إلى كتف؟