عمر قدور
المدن:16/1/2021
مرّ عابراً الخبر الذي أوردته قناة الحدث/العربية عن وفد إسرائيلي في قاعدة حميميم التقى بوفد أسدي، ليكون الثاني بعد لقاء أول في قبرص برعاية روسية، حسب مصادر القناة التي أوردت النبأ. لا القناة التلفزيونية أرادت بإيراده وصم سلطة الأسد، وليس بين متابعيها من سيُدهش حقاً من وجود قنوات سرية بين الجانبين، رغم النشاط البارز الذي تسجّله القناة الإسرائيلية المعلنة بقصف أهداف إيرانية-أسدية متى شاءت.
الرعاية الروسية ضرورة لبشار الواقع تحت خطاب إيراني يتوعد تل أبيب، فهي تنجيه من الحرج ليبدو تحت الضغط الروسي مضطراً لقبول انعقاد اللقاءات، حيث يتصدر المطالب الإسرائيلية بند إبعاد القوات والميليشيات الإيرانية.
وفي مثل هذه اللقاءات لا ينفع ما يُحكى في الإعلام عن وجود مستشارين إيرانيين فقط، لأن الوفد الإسرائيلي يأتي وفي حوزته وثائق فيها من المعلومات ما قد يفوق معلومات الوفد الأسدي، من دون أن يستند حتى إلى إعلان الإيرانيين عن إنشاء قاسم سليماني عشرات الميليشيات في سوريا.
موسكو لم تكن قادرة على تلبية المطالب الإسرائيلية بإبعاد ميليشيات إيران، لذا لن تتوهم إسرائيل قدرة بشار على ذلك. المفاوضات، على الأرجح باقتراح روسي، تتعلق بالمستقبل. الصفقة التي يريدها بشار وموسكو هي القبول بمبدأ انسحاب الميليشيات الإيرانية ضمن تسوية نهائية تنسحب فيها الأطراف الأخرى أيضاً، ويبقى فيها في السلطة.
بينما تتولى تل أبيب تسويق بقائه لدى الإدارة الأمريكية، وبما يتضمن تخفيف الحصار عليه، ربما بدءاً من المقاطعة العربية بشقها الخليجي تحديداً.
لقد سعت موسكو من قبل إلى مفاوضات بين بشار والرياض وبينه وبين أنقرة، في سعيها إلى كسر الحصار الخانق المفروض عليه، وقبل ذلك في سعيها لترسيخ دورها كقوة دولية ترعى تفاهمات إقليمية بمعزل عن واشنطن.
ما يُنتظر من المفاوضات مع تل أبيب له أهمية لارتباطها الوثيق بواشنطن، إلا أنه لا يندرج ضمن مخطط إدارة ترامب للتطبيع بين إسرائيل والسلطات العربية، فالتطبيع بين إسرائيل والأسد ليس استحقاقاً أمام الطرفين، إنه وراءهما.
لننسَ تلك الصورة القديمة عن إسرائيل المتلهفة للتطبيع مع محيطها العربي؛ فكرة التطبيع بمعناها القديم المنطوي على علاقات طبيعية بين الشعوب غير مطروحة في الأمد المنظور، أما التطبيع مع السلطات فهو قائم بدرجات متفاوتة، بقي بعضه القليل جداً سري بعد الكشف عن البعض والتلميح بآخرين على لائحة الانتظار. سوريا ليست ضمن اللائحة، ولن تكون.
يُفترض بإسرائيل دفع ثمن من أجل التطبيع مع سلطة الأسد، أو مع أي سلطة تحل مكانها. الثمن المتعارف عليه كبديهية هو الجولان، وكان القرار الإسرائيلي بضمه قد صدر قبل أربعة عقود، ما يدل على الرغبة في الاحتفاظ به بخلاف أراضٍ عربية أخرى أُبقيت للتفاوض. إذا صحت المعلومات المتداولة عن المفاوضات السورية-الإسرائيلية التي أعقبت مؤتمر مدريد، أهدر حافظ الأسد في المفاوضات مع رابين آخر فرصة لاستعادة الجولان تحت ضغط انشغاله بتوريث الحكم.
من المرجح أن بشار الأسد راغب في العودة إلى تلك المفاوضات، ليقبل بما كان معروضاً على أبيه، إلا أن إسرائيل هي التي تمانع لأنها لن تدفع ذلك الثمن.
بخلاف الاسم المجازي المستخدم “حلف الممانعة”، تل أبيب هي عملياً في موقع القوي الممتنع عن دفع ثمن لا توجد في الطرف الآخر قوة تفرض دفعه، والامتناع هنا حقيقي وواقعي لا على غرار ممانعة أولئك الراغبين في الطرف الآخر، وينحصر اهتمامهم باستخدام العداء لإسرائيل غطاء لقمع الشعوب.
بشار تجاوز بمراحل تلك الحاجة القديمة إلى شعار معاداة إسرائيل، فلا أحد من مواليه أو خصومه تنطلي عليه الكذبة القديمة، والمجازر التي ارتكبها تهون أمامها أية علاقة بإسرائيل، بل يهون أمامها إعلان التخلي نهائياً عن المطالبة بالجولان. بسبب ما ارتكبه من مجازر، لن يحلم بشار بسلام مع إسرائيل، ويُستقبل بسببه كضيف استثنائي في تل أبيب.
فوق عدم استعداد تل أبيب للتفاوض على الجولان، هناك كثر في إسرائيل لا يريدون علاقة دافئة وتطبيعاً مع سفاح وصاحب محرقة جثث تذكّر بالمحرقة النازية، بالطبع مع ابتزازه للحصول على ما يمكن من مكاسب تتعلق بصراعات النفوذ في سوريا والمنطقة.
في أية مفاوضات حالية بين بشار وإسرائيل، لن تكون القاعدة الذهبية القديمة حاضرة، أي “الجولان مقابل سوريا”. الجولان هو في حوزة إسرائيل مسبقاً، ولا تحتاج تنازلاً عنه.
التفاوض صار على سوريا نفسها التي يود بشار استعادة ما يُتاح له منها، وثمة دلالة بليغة جداً في قدوم وفد إسرائيلي إلى حميميم، أي إلى أرض سورية، فلا تبقى المفاوضات في مكان محايد. أن يسرح الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية ويقصف على هواه، وفي الوقت نفسه يُستقبل وفد في الأراضي السورية؛ هذه صورة معبّرة عن طبيعة المفاوضات بين الجانبين.
وأن يتطلب بقاء بشار رضا إسرائيلياً، هذا صار من البديهيات أيضاً، ورضا إسرائيل لا يتعلق بكونه وديعة لديها من أبيه. ضمن الظروف الحالية، من المستبعد حصول أي تغيير في سوريا ما لم يكن بموافقة تل أبيب كلاعب مؤثر في الساحة السورية. فقط ما كان خفياً من قبل أصبح فاقعاً.
معضلة بشار أنه راغب في إرضاء إسرائيل، مثلما هو راغب في رشوة جميع اللاعبين في سوريا، لكن قدرته على إرضاء الجميع محدودة بخلافاتهم وتضارب مصالحهم، ومحدودة في المدى القريب بمحاولة أولئك اللاعبين النفاذ إلى إدارة بايدن والتأثير في توجهاتها. في انتظار جلاء الصورة في واشنطن، لا بأس إذا فاوضت تل أبيب بناء على سمعتها المعهودة كصانع قرار هناك، أي إذا فاوضت بناء على ما لا تملك بعد، ففي المقابل منها “في حميميم” هناك من يفاوضها على ما لا يملك أيضاً.