باريس – أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريراً بعنوان “النظام السوري يعلن في محافظة إدلب عن مزادات جديدة لأراضي النازحين واللاجئين بهدف السيطرة عليها”. قال التقرير -الذي جاء في 12 صفحة- إن النظام السوري ارتكب أنماطاً عديدة من الانتهاكات بحق الشعب السوري منذ آذار/2011، في مقدمتها عمليات الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإخفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون والقصف العشوائي الواسع، والتي تسببت بشكل رئيس في تشريد تدريجي للسكان على مدى سنوات، بلغ قرابة 14 مليون سوري ما بين نازح ولاجئ. وأشار التقرير إلى توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان الانتهاكات بحق ضحايا التشريد القسري ورصدها للقوانين التي أصدرها النظام السوري منذ عام 2011 والتي تهدف إلى السيطرة على ممتلكاتهم وأراضيهم.
رصد التقرير إعلان النظام السوري عبر الأمانة العامة لمحافظة إدلب، في 29/ أيلول/ 2022، عن ثلاثة مزادات علنية شملت أراضٍ زراعية في ريف محافظة إدلب، وهذا يعني استمرار النظام السوري في نهب المزيد من أراضي النازحين واللاجئين، ومحاولة التغطية عليها عبر تكتيك “المزادات العلنية”.
وتنصُّ الإعلانات على مزادات علنية على مساحات لاستثمارها زراعياً (سليخ) للموسم الزراعي 2022 – 2023، الأول على أراضي في منطقة خان شيخون، تم تحديد تاريخ المزاد منذ 2 حتى 6/ تشرين الأول/ 2022، والثاني على أراضي منطقة معرة النعمان، سيعقد المزاد منذ 9 حتى 13/ تشرين الأول/ 2022، أما الأخير فكان على أراضي منطقة سراقب أبو الضهور، سيعقد المزاد منذ 16 حتى 20/ تشرين الأول/ 2022. وطبقاً للتقرير فقد بلغت مساحة الأراضي التي شملتها إعلانات المزادات العلنية في ريف محافظة إدلب قرابة 570 ألف دونم بالحد الأدنى.
أشار التقرير إلى أنه تمت عنونة الإعلانات بعبارة “إعلان مزاد بالسرعة الكلية”، ويشير الإعلان إلى أن المساحات التي تضمنها تقديرية قابلة للزيادة والنقصان، وسيتم تسليم المحاضر على أرض الواقع بموجب محاضر تسليم رسمية منظمة من قبل اللجنة المختصة، ولم يتضمن الإعلان تحديد مواقع هذه الأراضي أو أسماء مالكيها، بل اقتصر على ذكر أسماء القرى والمناطق وإلى جانبها المساحة المعروضة للمزايدة. وحدّد الإعلان مكان انعقاد المزاد في “المبنى المؤقت لمحافظة إدلب في خان شيخون”.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:”يحاول النظام السوري نهب الأراضي والممتلكات عبر إجراءات تظهر أنها نظامية، مثل أسلوب المزادات العلنية، لكنها في حقيقتها انتهاك لحقوق المشردين قسرياً، المكفولة بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإن مصادرتها عبر هذه الأساليب المخادعة من قبل النظام السوري تعتبر عملية نهب، وترقى إلى جريمة حرب”أورد التقرير أنه بالاستناد إلى قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن بداية محاولات النظام السوري استخدام أسلوب المزادات العلنية بهدف النهب والسيطرة على المحاصيل والأراضي الزراعية تعود إلى حزيران/ 2020، فقد رصدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان إعلان اللجان الأمنية عن مزادات علنية في كل مناطق ريف محافظة حماة، وريفي محافظة إدلب الجنوبي والشرقي، التي استعاد النظام السوري وحلفاؤه السيطرة عليها في عامي 2019 و2020، هذه اللجان تتشكل من قبل اللجنة الأمنية والعسكرية في محافظة حماة، والتي تتكون من رؤساء الأفرع الأمنية في المنطقة والمحافظ، وقائد الشرطة، والمحامي العام، وممثل الجبهة الوطنية التقدمية، وإن اشتراك كل هذه الهيئات والمكاتب يشير إلى أن الأوامر تصدر من جهة عليا لجميع هذه الهيئات، بمعنى أن عملية نهب الأراضي والمحاصيل بهذه الطريقة هي بقرار مركزي من قيادة النظام السوري.
ذكر التقرير أنه وفقاً لـثائر سلهب محافظ إدلب في الحكومة التابعة للنظام السوري، فإن الأراضي المشمولة بالمزادات العلنية تعود ملكيتها لـ “المتوارين عن الأنظار الموجودين في الشمال السوري”، وأكد التقرير على أنه قد تصدر مذكرة توقيف أو قبض من قبل محكمة الميدان العسكرية أو محكمة الإرهاب دون أن يعلم بها الشخص الذي صدرت بحقه، وقد تصدر مذكرات توقيف مقصودة بحق الأشخاص المراد نهب أراضيهم.
كما أشار التقرير إلى إصدار وزارة العدل في 15/ أيلول/ 2021 التعميم رقم 30 لعام 2021، الذي فرض الموافقة الأمنية من أجل الحصول على الوكالة القضائية عن الغائب والمفقود، وتترافق إجراءات استخراج هذه الموافقة مع عمليات مساومة وابتزاز مادي. كما أن الكثير من الغائبين مطلوبون للأفرع الأمنية، وهذا التعميم يعني استحالة إعطاء أقاربهم وذويهم حق استخراج الوكالة لإدارة أموال الغائب.
استنتج التقرير أن عملية الاستيلاء على ممتلكات مئات آلاف المعارضين للنظام السوري ترسِّخ عملية الإخلاء والتشريد القسري، وهي محاولة لهندسة التركيبة السكانية والاجتماعية، وتُشكِّل بالضرورة عقبة أساسية أمام عودة اللاجئين والنازحين، وقد جاءت المزادات العلنية التي أعلن عنها النظام السوري مؤخراً مجرد أسلوب جديد انتهجه في المناطق التي خرجت عن سيطرته لتوسيع عملية الاستيلاء لتشمل الأراضي والمحاصيل الزراعية، وتوزيعها على مؤيديه، وأن المزادات العلنية التي أعلن عنها النظام السوري عبر لجانه الأمنية انتهاكاً سافراً لحقوق الملكية التي نصَّ عليها الدستور السوري ذاته، الذي تضمن عدداً من المواد التي تضمن حقوق الملكية والتصرف فيها.
طالب التقرير المجتمع الدولي بإدانة ممارسات النظام السوري في نهب ممتلكات النازحين واللاجئين، وفضح ممارساته المخادعة في هذا الإطار، ودعم الإسراع في تطبيق عملية الانتقال السياسي لحماية نهب مزيدٍ من الأراضي والممتلكات. أوصى التقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بتوثيق عمليات نهب الأراضي الجديدة التي يقوم بها النظام السوري عبر تكتيك المزادات العلنية.
كما أوصى المفوضية السامية لحقوق الإنسان بإدانة ممارسات النظام السوري في عمليات النهب الواسعة والسيطرة على الممتلكات والأراضي السكنية والزراعية، وتقديم تقرير إلى مجلس الأمن وإلى المبعوث الدولي إلى سوريا في هذا الخصوص.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية.