• الجمعة , 27 ديسمبر 2024

الوطنية السورية ضرورة حتمية

بقلم الدكتور محمد حاج بكري]

يعيش السوريون جميعهم وبدو استثناء في فراغ تام يفتقد إلى الفاعلية والجاذبية، ليس لهم فيه أدنى وزن أو تأثير في حياتهم العامة أو في القرار على مستوى الأحداث الداخلية والخارجية التي تخص مصير وطنهم ، وأضحى وجودهم في سوريا مجرد ديكور حي لا يرزق، يضاف لديكور مؤسسات الدولة المتهالك ، والمؤسسات المدنية والشعبية والمهنية تخضع لتدخلات السلطة الأسدية بالمطلق وجهازه الأمني ، أما أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية فستبقى وصمة خذي وعار على الحياة السياسية وعلى مصالح الشعب المغلوب على أمره والعمل السياسي ما لم تعلن أمام العالم حل نفسها وفصلها عن لعبة النظام المجرم وانخراطها بالعمل الوطني الحر.

لقد تم استهداف الروابط بين مكونات الشعب السوري ، وبات الشارع ضائعا و منقوصا وتائها بلا قياده، وتم تقزيمه الى ظاهرة صوتية في فراغ، ولم يبق موال للأسد إلا وجرى إشعاره بالدونية والعزل بعد أن قضى تحالفه المحرم مع النظام وَطَرَه. والنظام أخرس وأصم وأبكم في إجازه لا تنتهي، ولم تمر على السوريين أية مرحلة كالتي يعيشونها اليوم من تجاهلِ وازدراء للشعب ولا مرحلة كان فيها الشعب معزولا عن وطنه بهذا المنسوب، إنها أشبه بالدولة المختطفة لمصيرها فهل تكتمل الجريمة وتقيد ضد مجهول؟ النتائج مرتبطة بمدخلاتها ، فهل يصنع الشعب هذه المدخلات؟ليعلم كل الشعب السوري أن القيم والأخلاق عندما تتدهور في النفوس وتتراجع معها أغنية الوطن يفقد الإنسان مصدر إرادته وقيمه ومبادئه وهويته الإنسانية وكرامته وقدرته على الفعل، ويصبح كلامه عند الطرف الأخر صدى لا يؤشر إلا على حاجة بيولوجية منصوبة على الابتزاز.

مثقفون سورية يعلمون بأن الشعب لم يعد له وجود في أطار نظام الأسد ، وأن وجوده يبقى وجودا لحالة شرائح سكانية مفاهيمها في الحكم لا تنسجم مع مفاهيم وقيم وتطورات الدول والشعوب ولا مع خطاب إنسان اليوم، إنها حالة من مراحل التاريخ انتهت، وبقاؤها يعتبر عامل شد سلبي في الدول المستقرة، إلا أنها كمفهوم نقيض لمفهوم الدولة، قام الأسد بإعادة انتاجه في سورية.وبالفعل، قامت سياسة النظام ولليوم بتدمير هوية الانسان السوري وشخصيته ثم كيانه الاعتباري السياسي والقانوني في وطنه بعد استخدامه واستعباده ، واتجهت هذه السياسة للشعب في استخدام ثنائي تدمر به قيمه وأخلاقه أولا ثم الدولة حين استحقاق الأجل وعلى هذا قام تحالف النظام معها وكرس فيها مفهوم وخصائص القبلية والطائفية والعشائرية والنفعية واستطاع اختراق بنيتها وتاريخها ودجن ابناءها وسيسهم وجعلهم ينقلبون على إرث آبائهم وأجدادهم الوطني والقومي والقيمي وتعايشهم الحضاري ويختصرون تاريخهم بأشخاصهم ويذلون أنفسهم حتى أصبحوا عناوين الخيانة والذل والفساد في الدولة بعد أن كانوا يتسابقون في الإيثار والتضحية والوطنية.

أي نظام وأي دولة هذه التي تغذي كل خصائص العشائرية والنزعات الطائفية والقبلية الكريهة والهدامة في شعبها وتستهدفه بالفرقة والتناحر وترسخ فيها النفعية والعصبية والأنانية وتحارب مشاعره الوطنية وتطلعاته وتهزئ من تاريخه القيمي وتصنع رجال الفساد والذل وتشجع على خلق روح طائفية جديدة على هذا المفهوم، وأية طوائف هذه التي تقبل بهذا الوضع وتتعامل معه؟ وأية ازدواجية ساذجة ومكشوفة في خطابات الأسد عندما يتحدث عن سيادة القانون والدولة المدنيةعلى الشعب بكافة مكوناته أن يفهم بأنه كان الأداة التي استُخدمت لإيصال النظام الذي ابتلع الدولة لما هي عليه اليوم، ولإيصال نفسه لهذا المستنقع، وبأن المسؤولية تقع عليه في استقواء النظام على الدولة والشعب وقتل روح الوطنية والقومية فيه، وعليه تقع مسؤولية افساد مؤسسات الدولة وتحطيم الحياة السياسية وفكرة الديمقراطية والأحزاب ومجلس الشعب وخراب الجبهة الداخلية ونهب مقدرات الدولة وجعلها ملكية خاصة للنظام، وبأن كل من تصدر المشهد من المعينين تعيينا ما زالوا هم الأدوات الذليلةوعليه اليوم إبراء الذمة من فساد الدولة وموت الشارع، ولزاما عليه في هذا أن ينتفض على نفسه أولا ويعزل كل خوانيه وفاسديه وأن يشطب من قاموسه العصبية وكل خصائص الخطاب العشائري والقبلي والطائفي الهدام ويعود لماضيه القيمي ولخطابه الوطني، وأن يفهم بأن الظلم هو الظلامية التي ترتد على أهلها، لقد قمعتم انفسكم ووطنكم حين استُخدمتم أداة قمع في كل الاتجاهات حتى لأهليكم.السوري اليوم يعيش فترة سياسية عنوانها كشف الاوراق بمقتضى الضرورة ، إنه ليس بأكثر من مستعمرة محمية ومقادة من روسيا وإيران ، تحول فيها الأسد ونظامه اليوم الى ما يشبه المندوبية السامية، ونظامه يمشي سياسيا على المسطرة نفسها التي مشى الشعب على طريقها، وما الفساد الذي ارتهن الدولة إلا سياسة، ونهب الدولة مظاهر لقبض الثمن وشراكة، فيها المتهمون قضاة ومنفذين، وما تهميشكم إلا سياسة، وكل ما ترونه وتسمعونه وتستهجنونه هي رسائل لعهد ومعادلة جديدتين لتفهموها وتتعايشوا مع مضامينها ونتائجها، الحالة التي يعيشها الجميع في سورية ستبقى قائمة ومتراجعة، ما دام الشعب ينتظر. وهذا التوقيت للافتراس والتهميش ونكران النظام لسنوات العيش المشترك لم يأت إلا بعد أن تمكن النظام من صنع وفرض نموذجه مكان كل نماذج الدولة الحرة بكافة القطاعات خاصة أو عامة . فالدولة بشعبها بهذا المفهوم هي بحكم المختطفة والأسيرة.اقول للشعب السوري وعلى كامل جغرافيته لقد تركتم سياسة وقيم أجدادكم الوطنية والعروبية وتركتم بني وطنكم وقومكم وفضلتم مصالحكم عن مصالحهم وسرتم واهمين على خطى هذا النظام المجرم وعملائه ، وأنتم اليوم إن كنتم لا تدرون أذلة بلا حيلة، والشارع الذي يعيد للشعوب المقهورة حريتها لا يمكن أن يكون فئويا ولا يَعمر الا بالجميع وبخطاب الوطن،

وهو اليوم غير معمور بفضل نهجكم أولا، فشهر العسل مع النظام انتهى حتى مع خونتكملا خلاص لكم وجدوى من اجتماعاتكم على أجندات طائفية ، فقد قتلتكُم الردة الوطنية وأنتم أضعف مما تتوهمون، شكلوا مجلسا وطنيا من أحرار الوطنيين ليحمل رسالة انفتاح وطني ومحبة لكل ابناء هذا الوطن وسيعمر حينها الشارع ويتفعل انطلاقا من مؤتمر وطني عام يعقد، واعلموا أن الوطنية عند السوري أينما كان وحل أغلى من روحه

مقالات ذات صلة

USA