أخشى أن تكون الإجابة بالنفي فنظام الحكم الحالي برمته غير قابل للإصلاح، إلى درجة قد ترسب في ذهن كل فرد منا بأن النظام الحالي يعادي الإصلاح، بل إن فلسفة الحكم قائمة على عدم التغيير والإصلاح بالنسبة له هو من رابع المستحيلات ودونه الموت.
إن موت الأسد لا يحدث التغيير ولا يصحي أهل الكهف من نومهم وغيابهم وغفلتهم وجمودهم الذي بلغ درجة التحنط والتجمد، متى إذن يحدث التغيير؟ هل يحدث عندما يتغير النظام بالكامل؟
الإجابة هي نعم لأننا نعلم أن شكل النظام الجديد يجب أن يحمل مفاهيم دولة القانون والمؤسسات والشفافية والعدالة الاجتماعية.
السؤال الأهم في وضعنا الحالي وما يسود مفاصل الثورة السياسية والعسكرية والاجتماعية وغيرها الكثير من الفوضى والتناقضات، هل نحن بسقوط الأسد ونظامه قادرون على التغيير، هل أعددنا أنفسنا لهذه المرحلة إذا حدثت، هل أعددنا خططًا واستراتيجيات وبدائل للخطط تشمل كافة النواحي والمفاصل التي يبنى عليها التغيير
من الطبيعي لو سألت كل من عمل وشارك سواء بشكل فردي أو عن طريق المؤسسات التي ظهرت في الثورة أن تكون إجابته النفي.
بتصوري، لن يغادر وجه الدكتاتور المنطقة وتستعد السنياريوهات لاستعادته تحت مسميات القائد الوطني، ولكنه في كل حال سيقال ويمهد له بانه أرحم وأقل تعاسة وبؤسًا من حال اليوم، الذي تتمزق فيه بقايا الأوطان ويُقتل فيه المواطنون على الهوية وتختطف فيه النساء وتهاجر الملايين بعده إلى المجهول.
بعد أكثر من سبع سنوات من المحاولات المضنية لبناء جسم أو مشروع قادر على الحياة، ويستجيب لمتطلبات الشعب لم تعد الخيارات المطروحة الآن سوى عودة للبحث عن وجه الدكتاتور، الذي سيظهر بمظهر الوطني الذي يمكن أن يحكم سوريا بطريقة تنقذ ما يمكن إنقاذه. هذه خلاصة أهم ما يخطط له.
لا المراهنة على العملية السياسية الحالية ممكنة، ولا البحث عن اجماع وطني في وسط حالة الصراع والتقاتل والقتل وهدم كل ملمح بناء يمكن أن يقود إلى معادلة سياسية قادرة على الحياة.
ونستغيث بالعرب لمواجهة حرب الإبادة التي يتعرض لها السوريون من قبل ميليشيات مدعومة من إيران ولا من مجيب.
الحالة السورية تبدو اليوم مستعصية، لا خطط أمن أو وغيرها أثمرت عن محاصرة الإرهاب اليومي وعمليات القتل، ولا القتل على الهوية الطائفية توقفت أو حوصرت ميليشيات الذبح الطائفي الإيرانية، وكل الذي يحدث لعب على ورقة الزمن الضائع. والأمم المتحدة تعيش أسوأ أيامها في سوريا.
وسط هذه الحالة تتحرك السيناريوهات المحتملة لمستقبل سوريا ما بعد الأسد تظهر ثلاثة سيناريوهات السيناريو الأول يقتضي ظهور قائد متفق عليه من وسط الفوضى التي تسود البلاد يدعي انه مستقلاً عن كل اللاعبين الاقليميين والدوليين من الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيران إلى روسيا إلى الحكومات العربية. حيث يقوم هذا القائد المفترض بتأسيس مصداقيته بوصفه الشخص الذي يوحد البلاد بجميع طوائفها وبسبب فشل المعارضة منذ بداية الثورة حتى هذا التاريخ وتداعيات الدمار والخراب سيقنع هذا القائد أعداداً كبيرة من السوريين باستبدال الديمقراطية والحريات بالدكتاتورية.
أما السيناريو الثاني فهو يتخلص باحتواء الفوضى في سوريا والحيلولة دون انتشارها في منطقة الشرق الأوسط بأقناع دول الجوار بأن انهيار سوريا الدولة يعني انتشار عدوى الأفكار الثورية وحالة عدم الاستقرار التي ستؤدي إلى تهديد هذه الأنظمة التي عليها العمل سوية لتجنب انتشار حالة الفوضى إلى أراضيها. أما السيناريو الثالث فهو يتمثل في وطن سوري غارق في فوضى حرب أهلية تطال آثارها دول الجوار بطوفان من اللاجئين وتنامي نفوذ الجماعات الارهابية وتهديدها وتآمر الدول على بعضها البعض لتقوض كل دولة استقرار الأخرى.
اللافت هو استعادة الدكتاتور الوطني كحل يمكن اعتماده في آخر المطاف من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وضمان مصالح القوى الكبرى في المنطقة.
يبدو أن هذا السيناريو أكثر السيناريوهات أهمية أو احتمالية أو إمكانية، ويبدو أن السيناريوهات الأخرى سواء التي تعتمد على العملية السياسية الحالية أو تلك التي تعلن أن سوريا ستدخل حالة الفوضى الشاملة هو تحصيل حاصل. لا توجد أي أمكانية اليوم لدعم دول الجوار لعملية سياسية لا تراها تحقق ذلك التوازن في مكونات الشعب السوري حتى الحد الأدنى المطلوب، ولا يمكن دعم عملية سياسية في ظل الاحتلال الإيراني والروسي كما لا ينتظر في وسط هذه الحالة السورية الغارقة منذ أكثر من سبع سنوات في مسلسل التدمير والتفجير والتهجير القسري أن تجد دول الجوار أدنى استعداد لدعم حكومة نظام تعرف توجهاتها وتحالفاتها التي تميل لصالح الكفة الإيرانية التي باتت الرقم الأكثر تأثيرًا في توجيه الحالة الأسدية اليوم.
سيكون حتمًا استعادة وجه الدكتاتور هو الأكثر احتمالية إذا ما تم توفير تلك المقومات التي تنبئ عن إمكانية ظهوره وقدرته على قمع التناقضات في الساحة السورية ومقاومة الجماعات المتطرفة وتوفير الحد الأدنى لوحدة سوريا وضبط تلك العلاقات مع إيران بإخراجها مع ميليشياتها من سوريا أو مع دول الجوار.
من أين سيظهر هذا الدكتاتور حتمًا لن يظهر سوى من خلال مؤسسة جيش النظام التي تبدو اليوم مشلولة ومعطلة وغير منضبطة وغير قادرة على فرز تلك الشخصية القيادية التي تقوى على أن تقدم نفسها في لحظة حاسمة كمنقذ لحالة تتدهور يومًا بعد آخر. قد يبدو هذا السيناريو صعبًا اليوم، إلا أنه ليس مستحيلًا إذا ما تم خلال الشهور القادمة التركيز على مهمة بناء قوات قادرة على أن تستجيب لشخصية قيادية وعليه سيكون من المحتمل أن تصبح مؤسسة جيش النظام هي المؤسسة الوحيدة القادرة على تقديم القاعدة المناسبة لبروز تلك الشخصية القيادية من داخل مؤسستها وبدعم غير معلن دولي وعلى الأرجح روسي.
إن فرض الأمن في سوريا سيتطلب من هذا الدكتاتور تعليق الدستور، وبسط القانون والنظام بعد الفوضى التي سادت ودفعت بالملايين من السوريين للفرار إلى دول الجوار، أو الارتماء في أحضان الجماعات المسلحة الإرهابية كداعش وأخواتها أو الميليشيات الطائفية الإيرانية أو ميليشيات النظام ولتسهيل مهمة ظهور هذا الدكتاتور، يتعين أولًا تحقيق الانسحاب الإيراني من سوريا بشرط أن يتم تعويضها بجيش سوري يمثل جميع أطياف الشعب، على أن يكون قويًا للحد الذي يمهد الطريق لظهور مثل هذا القائد عن طريق انقلاب عسكري يهيئ المناخ الملائم لعقد علاقة متوازنة مع الجوار الإقليمي والدولي.
هذا الاحتمال يبدو أنه الاحتمال الأكثر أهمية لإنقاذ الحالة السورية على الطريقة الدولية بعد أن فشلت الديمقراطية بشخصياتها غير الديمقراطية، في تقديم الحد الأدنى للحفاظ على كيان الدولة أو تقديم أي مقوم قادر على تعميق فرصة حياة حكومية لا تقوى على ممارسة أي عمل في الداخل أو الخارج.
المجتمع الدولي سيعود ليبحث عن وجه الدكتاتور الوطني القوي في مواجهة أزمة حكومات للمعارضة والنظام، وها هي دول العالم بعد سنوات الغزو والفوضى والدعم الكبير لحكومات الديمقراطيات الهشة ستتراجع لتبحث عن وجه الدكتاتور من أجل تحقيق الحد من مصالحها في سوريا، التي تراها مهددة تحت ضغط الفوضى في الداخل وتحت ضغط الاحتجاج اليومي الشعبي على الاستمرار في سياسة الفوضى السورية القائمة دون تحقيق أي نتائج يمكن التعويل عليها.
ومن سوء حظ هذا القائد الوافد الجديد أنه يأتي في زمن سلطات المرجعيات الدينية التي لا يمكن أن يقدم نفسه أيضًا سوى في ظل قبولها ومباركتها، وهذا منتظر ضمن تداعيات الحالة السورية اليوم. هذا السيناريو يبدو صعبًا لكن لن يكون مستحيلًا إذا ما استمرت الأوضاع في سوريا على هذا النحو وتحركت إلى مزيد من التدهور. بالإضافة إلى أنه يرث سوريا الطوائف والانتماء الطائفي القاتل، وستكون مهمته الأصعب إذا ترك دون جيش قادر على فرز مثل تلك الشخصية، وبالتالي لن يمتلك حضورًا قياديًا وإمكانات قادرة على استعادة هيبة النظام.
مهمة صعبة حقًا لكنها ليست مستحيلة. إذا كانت تعطي مؤشرًا فهو فشل الديمقراطية في بيئة لا توجد فيها اليوم سوى المرجعيات الطائفية والفصائلية، وعقل متوقف عن القدرة على فهم ما هو أبعد من مصلحة طائفة وفصيل وهي أيضًا تستعيد ذاكرة ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما كان خيار الانقلاب العسكري في المنطقة هو الخيار الذي تبنته القوى الكبرى لقتل فرصة بناء أي نظام وطني حينها.
لن يغادر وجه الدكتاتور المنطقة وسيرى فيه قسم كبير من الشعب حال أرحم وأقل تعاسة وبؤسًا من حال اليوم الذي تتمزق فيه بقايا الأوطان ويقتل فيه المواطنون على الهوية وتختطف فيه الكفاءات بكاملها وتهاجر الملايين بعده إلى المجهول.