حوار مع مدير “الدفاع المدني السوري”
احتلفت فرق “الدفاع المدني السوري” التي تُعرف باسم “الخوذ البيضاء” أمس الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول، في الذكرى السابعة لتأسيسها، بالوقت الذي استذكر فيه سوريون وخاصة في مناطق شمال غرب سورية، رصيدها الإنساني في الانقاذ والاسعاف وغيرها من النشاطات التي أنقذت أرواح كثيرين.وفي الذكرى السابعة لتأسيس “الدفاع المدني”، تحدث لـ”السورية.نت” مديره رائد الصالح، عن سردية مختلفة لـ”الخوذ البيضاء”، التي قال إنها عانت ظروفاً صعبة خلال مسيرتها في العمل التطوعي في سورية، و”انتقالها من الفردية إلى التنظيم، مروراً بمصاعب جمّة، وصولاً إلى الآمال في بناء سورية المدمرة”.
كيف بدأت الحكاية؟
يقول “الصالح” لـ”السورية.نت”، إن “للدفاع المدني السوري سردية مختلف تماماً، بدايةً من من التأسيس كأفراد حتى وصلنا للمؤسسة وهذا ما يميزه حقيقة عن باقي المؤسسات أو المنظمات الإنسانية، وكل شكل بالدفاع المدني السوري هو جزء أصيل من المؤسسة وليس مجرد موظف أو متطوع يقوم بمهامه فقط”.
ويضيف: “نحن نتحدث عن مؤسسة مظلة لكل السوريين، نتحدث عن حلم يكبر كل يوم ويبنى لبنة فوق لبنة، نتحدث عن مؤسسة تمثل كل سوري يؤمن بقيم الإنسانية، ونجاحنا هو نجاح لكل إنسان بغض النظر عن انتمائه، وما نعيشه اليوم هو نتاج مراحل بدأت فعلياً قبل أكثر من 8 سنوات، ونتاج تضحيات من أشخاص قدموا أرواحهم ليرسموا لنا دربنا الذي نسير عليه اليوم”.
حادثة ملهمة
كانت حادثة منع قوات الأسد عام 2012 لإحدى فرق الإطفاء في مدينة حلب من الاستجابة لحريق في حي سكني، بحجة أنه خارج عن سيطرتها، البذرة الأولى للظهور بشكل علني لأول فريق مختص مؤلف من عدة أشخاص تحدوا قرار إدارتهم وذهبوا لإطفاء الحريق، وقد كانت تلك نقطة تحول بالنسبة لمنير المصطفى (الذي أصبح لاحقاً نائب مدير الدفاع المدني السوري) وأعضاء فريقه.يشير رائد الصالح، إلى أن “المصطفى ورفاقه، كانوا يعلمون أنهم برفضهم لأوامر رؤسائهم قد صاروا أعداءً للنظام، وأن حياتهم أصبحت في خطر، وفي اليوم نفسه، أنشأوا مركزاً للاستجابة لحالات الطوارئ، وهكذا كانت بذرة إنشاء أحد مراكز الدفاع المدني السوري الأولى في محافظة حلب، ثم دمشق وريفها وإدلب ودرعا وحمص كانت تسير على نفس الطريق”.
من الفردية إلى التنظيم
يقول الصالح، إنّ “البداية كانت مدفوعة بالحاجة التي فرضتها الظروف التي مرَّ بها السوريون مع بدء الحراك السلمي عام 2011، و سحب نظام الأسد لجميع الخدمات من المناطق التي طالبت بالتغيير، وفي أواخر عام 2012، بدأ النظام باستخدام القصف شكلاً من أشكال العقاب على الأحياء والمناطق التي خرجت عن سيطرته، لتصبح حياة السوريين أشبه بالجحيم الحقيقي، وكانت الحاجة المتزايدة لسد الفراغ الحاصل دافعاً للمجتمع المدني للاصطفاف وتنظيم جهوده من أجل المدنيين ومساعدتهم في جميع الظروف دون تمييز، ولإنقاذ المدنيين من تحت ركام القصف ومساعدة النازحين الذين باتوا بلا مأوى والجرحى المحتاجين للعلاج ومن هنا بدأت المبادرات الفردية تتحرك وتبادر لتساعد هؤلاء المدنيين وتقف إلى جانبهم”.
ويشير إلى أن “المبادرات الفردية البسيطة انتقلت لتأخذ شكلاً أكثر تنظيماً عبر نشوء مبادرات مدنية مدفوعة بشغف إنجاح حلم التغيير الجذري الذي دعت إليه شعارات الحراك السلمي في سورية ومساعدة المدنيين وإنقاذهم، وتجمع المئات من المتطوعين معاً، الذين كانوا من مختلف المشارب والاتجاهات والاختصاصات. فعل هؤلاء المتطوعون ما بوسعهم لمساعدة مجتمعاتهم في الاستجابة لعمليات القصف وحالات الطوارئ الأخرى، ولم يربط تلك الفرق أو المتطوعين أي رابط مؤسساتي بالصورة التي نراها اليوم، بل عمل الجميع في الحيز الجغرافي المتواجدين به، وبدافع إنساني بحت”.
وبحلول عام 2013، بدأت أخبار أعمال الفرق المتطوعة بالانتشار، كما يقول رائد الصالح ” وسمعت هذه المجموعات ببعضها البعض لأول مرة، نتج عنها إنشاء قنوات اتصال للتنسيق بين الفرق وتبادل الموارد المحدودة، كما بدأت بعض الفرق في تلقي دورات تدريبية في أساليب البحث والإنقاذ من خبراء، وبهذه المرحلة ذاع صيت هذه المجموعات المتطوعة ودعمتها عدة منظمات دولية من خلال تقديم معدات الإنقاذ والإسعاف”.
وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2014، كان الاجتماع التأسيسي الأول في مدينة أضنة التركية، وحضره نحو 70 من قادة الفرق في سورية، ووضع المجتمعون ميثاقاً للمبادئ الخاصة بالمنظمة لتعمل تحت القانون الإنساني الدولي، وتم الاتفاق على “تأسيس مظلة وطنية لخدمة السوريين”، وإطلاق اسم “الدفاع المدني السوري” عليها، وشعاره من الآية في القرآن الكريم “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”.
ومع بداية عام 2015، أطلق اسم “الخوذ البيضاء” على “الدفاع المدني السوري”، بعد اشتهار الخوذ التي يرتديها المتطوعون أثناء عمليات البحث والإنقاذ، ووصل عدد المتطوعين عام 2021 إلى نحو 3 آلاف متطوع بينهم أكثر من 260 متطوعة.
التحديات
في وقتٍ أشار فيه الصالح إلى اختلاف نوعية الصعوبات والتحديات منذ التأسيس إلى الآن، اعتبر أنّ “الاستهداف المزدوج هو التحدي والخطر الأكبر” على عناصر الدفاع المدني.
ويضيف: “اليوم لم تعد التحديات الإدارية هي الأصعب بعد سنوات من العمل والخبرة، وبعد أن أصبحت الفرق متدربة بشكل جيد، التحدي الأكبر اليوم عندما نصبح هدف للنظام وروسيا بالاستهداف المباشر والغارات المزدوجة من قبل الطيران الروسي وطيران النظام أثناء عمليات البحث والإنقاذ، مما يتسبب بوقوع ضحايا في معظم الأحيان، واحتراق وتدمير سيارات الإسعاف والإنقاذ”.
وفقدت “الخوذ البيضاء” أكثر من 292 متطوعاً من صفوفها، إضافةً إلى أن أكثر من 900 من عناصرها أصيبوا أثناء عملهم، كان معظمهم بسبب الاستهداف المباشر والغارات المزدوجة من قوات الأسد وروسيا.
ويؤكد أنّ الاستهداف المباشر لقوات الأسد وروسيا، تزامن مع حملة إعلامية عن طريق “بروباغندا” كاذبة، بهدف ضرب مصداقية المؤسسة على اعتبارها شاهدة على جرائم الطرفين.
مسؤولية كبيرة“
ما نفكر به اليوم كيف نعيد بناء سورية المدمرة، المدنيون يبنون علينا آمال كبيرة”، يقول الصالح، ويوضح أنّ كثيراً من السوريين يعتبرون “الخوذ البيضاء” هي “أفضل ما أنتجه مشروع التغيير، الأمر الذي يحمّلهم مسؤولية كبيرة جداً”.
ويعتبر أن مسؤوليتهم لا تقتصر “على التفكير في تحسين أوضاع السوريين ومساعدتهم وإنقاذهم، هذا الأمر يحملنا مسؤولية كبيرة في مستقبل سورية وكيف يمكن أن نساعد لنبنيها من جديد، هذا تحدٍ كبيرة ومسؤولية نراها كل يوم بعيون المدنيين، نشعر أننا يجب أن نساعد كل السوريين في كل مكان لكن للأسف لا يمكننا ذلك”.
وفي ختام حديثه، يتطلع الصالح إلى توسيع نشاط المؤسسة التي يديرها، من خلال مساعدة مزيد من السوريين في مناطق أخرى، على الصعيد الإنساني أو الخدمات أو الإطفاء أو إزالة مخلفات حرب، إلا أنه لا يخفي وجود تهديداتٍ تتعرض لها فرق “الخوذ البيضاء” إن كان من “جهات تسيطر على بعض المناطق” التي تنشط بها، أو من خلال الخطر الدائم بالتعرض للقصف المدفعي والجوي.