قالت صحيفة واشنطن بوست، إن نظام الأسد اعتقل مئات السوريين الذين قرروا العودة إلى سوريا، كما تم توثيق حالات كثيرة قام فيها النظام بتعذيب المعتقلين العائدين أثناء عمليات الاستجواب.
ويواجه المدنيون في مناطق سيطرة الفصائل، معضلة جديدة أمامهم، فهم في حال ما تمكنوا من النجاة بحياتهم، بسبب القصف المستمر، من الممكن أن يقعوا ضحية المخبرين المنتشرين في مناطقهم، المستعدين للإبلاغ عنهم في حال ما تمكن النظام من السيطرة على هذه المناطق.
وجرت العادة أن يقوم اللاجئون السوريون في حال رغبوا بالعودة، بالتحري عن أوضاعهم لدى النظام، حيث تقوم الأجهزة التابعة له بمنحهم إذن للعودة، يقرّ بموجبها العائدين باستعدادهم للخضوع للمحاسبة الكاملة، في حال ما كانوا متورطين بأعمال معارضة للنظام.
تبين فيما بعد أن هذه الطلبات جوفاء لا معنى لها، حتى ما يعرف باسم “المصالحة” لا يمنع النظام من تعريض العائدين للمضايقات والابتزاز، وحتى الاعتقال والتعذيب لاستخراج معلومات حول أنشطة اللاجئين في الخارج.
وتشير الأرقام إلى اعتقال 2,000 شخص بعد عودتهم إلى سوريا خلال العامين الماضيين. وقال أحد الشبان الذين ترك مناطق سيطرة الفصائل وتوجه للعيش في مناطق يسيطر عليها النظام “لو أني عرفت ما أعرفه الآن ما كنت سأعود أبدا”.
استدراج السوريين في الخارج
وصف الشاب للصحيفة المضايقات التي يتعرض لها والمستمرة لمدة أشهر، حيث تختلف في أشكالها، فمنها تلك التي تظهر عند الحواجز أو الأخرى المتعلقة بعمليات المداهمة التي يشنها أفراد قوات الأمن لاعتقاله من منزله.
وقال: “ما تزال المخابرات تعتقل الناس والمجتمع يعيش بين الشك والخوف.. وفي حال ما قدموا لاعتقالك، لا يمكنك قول لا، عليك فقط الذهاب معهم”.
ومنذ بداية الحرب في 2011، هرب أكثر من 5 ملايين شخص ونزح 6 ملايين آخرين إلى أجزاء متفرقة من البلاد. وبحسب الأمم المتحدة فإن هؤلاء مجتمعين يشكلون أكثر من نصف السوريين بقليل.
بدأ البعض بالعودة في العام الماضي نتيجة لسيطرة النظام على معظم مناطق سوريا. وتقول الأمم المتحدة، إن ما لا يقل عن 164,000 لاجئ عاد منذ عام 2016. ودعا بشار الأسد إلى عودة اللاجئين وشجعهم على “القيام بواجبهم الوطني” حتى أنه عبر عن استعداده لمسامحة هؤلاء “في حال كانوا صادقين”. فهل من الآمن فعلاً العودة إلى سوريا؟
تشير أخر الإحصائيات إلى أن 75% من العائدين تعرضوا للمضايقات بأشكال متعددة، سواء عند الحواجز أو في المؤسسات الحكومية، ماعدا عمليات التجنيد التي تستهدفهم على الرغم من إعفائهم من الخدمة شكلياً، وهذا ما عدا عمليات الاعتقال التي تطال العديد منهم.
ملاحقون حتى في المقاهي!
ولدى السوريين بالخارج شكوك حول نوايا النظام الحقيقة، ويخشون في معظمهم على أمنهم الشخصي، خصوصاً أن النظام لا عهد له ومن السهولة جدا التخلي عن أي ضمان يقدمه بعدم الملاحقة أمنياً.
ويعتقد المسؤولون في الأمم المتحدة ومسؤولون أوروبيون الأمر ذاته. النظام في حقيقة الأمر لا يرحب بعودة اللاجئين حتى أولئك الذين لهم نشاط إعلامي أو إنساني.
وفي الوقت نفسه، يعاني اللاجئون في جميع أنحاء الشرق الأوسط من ضغوط عديدة مع تشديد القيود المفروضة عليهم في دول الجوار لدفعهم للعودة.
تشير قصة (حسن – 30 عاماً) إلى ما يعانيه السوريون لدى عودتهم. نزح الرجل في 2013 من حمص، وقبل أن يقرر العودة دفع مبالغ طائلة لمسؤول كبير لضمان سلامته؛ ولكنه تفاجأ لدى عودته وجود ضابط من أمن الدولة، حيث استقبله في المطار واقتادوه مباشرة إلى الفرع للتحقيق معه.
قال حسن مندهشاً من هوس النظام: “يعرفون كل شيء. كل ما قمت به بالخارج، كل المقاهي التي جلست بها، حتى الوقت الذي جلست فيه مع شخصيات معارضة لمتابعة مباريات كرة القدم”.
وبعد أسبوع من دخوله الأراضي السورية، تم إلقاء القبض عليه خلال زيارة قام بها لإحدى المؤسسات الحكومية، واقتيد إلى مركز قريب للشرطة.
ابتزاز بآلاف الدولارات
تناوب الضباط عليه بالضرب خلال استجوابه في غرفة صغيرة، بعد أن اتهموه بنقل الذخيرة في 2014 لفصيل مسلح معارض للنظام. قال لهم “ولكني لم أكن في سوريا في ذلك الوقت” ومن ثم فهم حقيقة مسعاهم “طلبوا مني المال وقالوا لي إن الدفع وسيلتي للخروج”.
ولزيادة الضغط عليه، أتوا بامرأة شابة لم يلتق بها أبداً، وبدأوا بضربها “بخرطوم ماء حتى بدأت تصرخ. ثم قالوا لي سنفعل بك الشيء ذاته إن لم تتعاون معنا”.
أُطلق سراحه في نهاية كانون الثاني بعد أن دفع أقاربه مبلغ 7,000 دولار.
يعتبر حسن مثال عن السوريين الراغبين بالعودة. يحصلون على موافقة أمنية ومن ثم ما إن يدخلون سوريا حتى تبدأ رحلتهم المريرة لدى أجهزة النظام على اختلافها.
وهذه الإجراءات طبعاً لا تختلف عن عمليات المصالحة، حيث اعتقل النظام المئات من ممن قدموا إلى التسوية بما في ذلك درعا وجنوب دمشق والغوطة الشرقية، والتي تم توثيق أكثر من 500 حالة اعتقال فيها منذ آب.
يقول العديد من السوريين العائدين والمنظمات المدافعة عن حقوق اللاجئين، إن نظام الأسد يستخدم المصالحة كوسيلة لتوسيع معلوماته الأمنية الضخمة والتي تشمل تحركات المواطنين ويمكن استخدامها ضدهم مستقبلاُ.
ويقول باحثون ودبلوماسيون غربيون، إن أجهزة الأمن السورية تقوم حالياً بسد الثغرات الأمنية التي نتجت عن الحرب من خلال العائدين.
الحفرة السوداء
وقالت إيما بيلز، المحللة المستقلة والباحثة في الشأن السوري: “النظام لا يقوم فقط بجمع المعلومات أمنياً عن العائدين؛ بل يضفي طابعا مؤسساتيا على العملية الاستخباراتية التي يقوم بها مخبروه.. ليعودوا إلى وطنهم، على نصف سكان سوريا التعامل مع مجموعة من الأجهزة الأمنية المسؤولة مباشرة عن احتجاز وتعذيب عشرات الآلاف من مواطنيهم خلال فترة النزاع”.
ويواجه اللاجئ السوري خيارات أحلاها مر. لدى السوريون في لبنان والأردن وتركيا حقوق محدودة في العمل. ماعدا الصعوبة التي يواجهها هؤلاء في الحصول على أوراقهم التي تمكنهم من الاستمرار في البلاد بشكل قانوني.
وفوق كل هذا، تقوم الأجهزة الأمنية في كل بلد بترحيل عدد متزايد من السوريين على الرغم من المصير الذين من الممكن أن يلقوه في بلادهم.
وقالت هيومن رايتس ووتش، إن لبنان أجبر البعض على التوقيع على وثائق يقول فيها السوريون، إنهم عائدون بشكل طوعي بينما في الحقيقة السلطات هي من قامت بتسليمهم للنظام.
ختاماً، يقول نجار من حلب يعمل في بيروت “لا أعرف ما الذي علي القيام به. كل ما يراه أبني لا أستطيع تأمينه. وأواجه خطر الترحيل حتى في طريقي إلى العمل. ولا أستطيع العودة إلى سوريا. لا أستطيع فعل ذلك. العودة بالنسبة لي تعني المشي باتجاه حفرة سوداء”.
المصدر: أورينت نيوز