هذه المجموعة الدولية التي باتت تتزعمها روسيا بشكل رسمي، بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي تسمح لبوتين البقاء في السلطة حتى عام 2036. طبعا اسم المجموعة “دول ال36” هو اسم أطرحه الآن، وهو لا يعبر عن عدد هذه الدول فهي تزيد أو تنقص عن ذلك قليلا، واسم المجموعة مستمد من العمر الافتراضي لبقاء الحاكم في السلطة حسب التعديلات البوتينية، أي البقاء 36 عاما باعتبار أن بوتين جاء للسلطة عام 2000. و بعيدا عن كل التحليلات السياسية والجيوسياسية وما سواها، فإن روسيا البوتينية الآن، تشكل نموذجا نقيضا لما تمثله الحضارة الغربية بكل منتجاتها السياسية والحقوقية والثقافية والتي باتت منتجات إنسانية بامتياز، روسيا الآن تقود ركب الفاشية الجديدة، وكل الدول التي يدعمها بوتين هي من هذا الطراز، وكل الزعماء الذين يدعمهم بوتين جاؤوا للسلطة خارج إطار الديمقراطية والرضا الشعبي ويحلمون في البقاء الأبدي على عروش دول متهالكة، ليحكموا شعوبا جائعة ومقموعة، تعيش بلا أمل. للأسف، كأن الروس لم يتعلموا من تجربتهم التاريخية، لقد شكل الاتحاد السوفيتي الشيوعي النقيض الأيديولوجي للديمقراطية الغربية الليبرالية، وسقط في المعركة وتفكك الاتحاد السوفيتي، وبعد أن ظن الجميع أن الحرب الباردة قد انتهت وأن الجدران بين الغرب والشرق قد سقطت بسقوط جدار برلين، وأن الديمقراطية وتداول السلطة ودولة القانون واحترام حقوق الإنسان قد انتصرت باعتبارها الشكل الأرقى الذي استطاع أن ينتصر في المعركة، ها هو بوتين يعيد بناء جدار جديد، أكثر توحشا وللمفارقة فإنه أقل إنسانية من الاتحاد السوفيتي السابق، إنه يتوج نفسه قيصرا على دول البؤس والقمع وانهيار المنظومات القانونية، في الوقت الذي يسير فيه العالم الحر نحو ديمقراطية أكثر تشاركية وأكثر انفتاحا وإنسانية. هذا البؤس البوتيني سيؤدي لهزيمة روسيا الفاشية الجديدة لاحقا أمام الغرب الليبرالي الديمقراطي، وسيؤدي مرة جديدة لتفكك روسيا وإن احتاج الأمر لسنوات فالغرب يملك الكثير من الوقت لانتظار أن تفعل عوامل التدمير البوتيني فعلها في النسيج الروسي إلى حد الإنهاك، ومن ثم السقوط. بينما في دول البؤس والديكتاتوريات المزمنة في منطقتنا العربية وفي أمريكا اللاتينية وفي بعض دول أفريقيا وآسيا، لن يتغير الكثير، لأن وهم البقاء الأبدي عند الحكام وخمول الشعوب سيترك هذه الدول تنتظر السقوط الروسي لتتعلق بنموذج فاشي وديكتاتوري آخرفي حال نبت في الشرق أو في أي مكان، وهم يتمنون من كل قلبهم أن تنتصر الصين في معركتها مع الغرب لا لشيء، سوى لأنها أيضا تشكل نموذجا فاشيا وديكتاتوريا من طراز آخر. ومن المفارقات العجيبة في بلدي سورية أن بعض ممن يدعون أنهم نخب وأنهم يعرفون كيف يقرؤون السياسة وعلاقاتها الدولية، يراهنون على أن بوتين المجرم الفاشي قيصر الديكتاتوريات الجديد، سيقوم بتسوية تاريخية مع الغرب وسيزيح المجرم بشار الأسد من السلطة، ويضع دستورا جديدا وانتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة. حتى لو افترضنا صحة تحليلهم هذا من باب الجدل فقط، فأي نموذج يتخيلون أن قيصر الديكتاتوريات الجديد سيقدمه لهم، سوى نموذجه نفسه، القائم على الفساد وانتهاك حقوق الإنسان وحكم المافيات والقبضة الأمنية واغتيال الخصوم السياسيين وقمع الحريات. روسيا لا تملك أن تعطي سوى القتل والخراب والدمار، فهي دولة لا تصدر سوى السلاح والطاقة، واليوم تضيف لمنتجاتها المتخلفة منتجا آخر نموذج الرئيس الأبدي الجاثم على صدر الأمة لمدة 36 عاما. محمد صبرا
ا3\7\2020