العربي الجديد:1/7/2020
تواجه إيران، بحسب رئيسها حسن روحاني، “العام الأصعب” في تاريخها، وذلك بسبب الضغوط الاقتصادية الأميركية وجائحة كورونا. والأرجح أنه يقصد “العام الأصعب” في تاريخ النظام البالغ أربعة عقود، وليس تاريخ إيران الذي يمتد إلى خمسة آلاف سنة، وهو في ذلك مصيب. فهذا العام يعد بحق عام كوارث بالنسبة للنظام الإيراني، فقبل أن يطوي يومه الأول تلقت إيران ضربة موجعة بمقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، وأحد أهم رجالات مشروعها الإقليمي، اللواء قاسم سليماني، عندما رصدته طائرة أميركية واستهدفته في مطار بغداد بعد وصوله من دمشق، ولم تستطع إيران بعد ملء الفراغ الذي خلفه. بعد أيام، وقعت حادثة إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية من الدفاعات الجوية للحرس الثوري بعد دقائق من إقلاعها من مطار طهران، ظنا أنها جزء من هجوم أميركي، وقد أدى ذلك إلى موجة احتجاجاتٍ داخليةٍ كبيرة، بسبب تستر السلطات على دورها في إسقاط الطائرة. ولم تكد تداعيات هذه الكارثة تتوارى، حتى ضربت جائحة كورونا البلاد، متسببة حتى الآن في وفاة أكثر من عشرة آلاف شخص، بحسب الأرقام الرسمية، وكاشفةً عن سوء إدارة مريع للأزمة. بالتوازي، انهارت أسعار النفط، ولم تعد الكميات القليلة التي تهرّبها إيران بعيدا عن عيون الأميركيين وملاحقاتهم مجدية، كما انهار سعر صرف الريال الإيراني، لتبلغ قيمته حوالي 200 ألف ريال مقابل الدولار في الأيام الأخيرة. وفي العاشر من مايو/ أيار الماضي، أخطأ صاروخ إيراني هدفه، في أثناء مناوراتٍ في بحر عمان، فأغرق إحدى السفن الإيرانية، ما تسبب بإحراجٍ شديدٍ لبحرية الحرس الثوري. ويوم الجمعة الماضي، وقع انفجار كبير في موقع يشتبه أنه ينتج صواريخ شرق العاصمة طهران، تم التكتم على تفاصيله.
خارجيا، تواجه إيران عاما صعبا أيضا، فعدا عن العقوبات الأميركية التي أشار إليها روحاني، وصل إلى الحكم في العراق، لأول مرة منذ عام 2006، رئيس وزراء (مصطفى الكاظمي) من خارج دائرة النفوذ الإيرانية. ويتجه، على الرغم من إخفاقاته، إلى محاولة ضبط المليشيات التابعة لإيران وحصر السلاح بيد الدولة. وفي سورية، تسجل إيران تراجعا ملحوظا في نفوذها أمام روسيا، إلى درجة أن الإيرانيين يشعرون بندم شديد على دعوتهم “الدب الروسي إلى الكرْم السوري”. وفي لبنان، يواجه حزب الله، ذراع إيران الإقليمية وحليفها الأهم في المنطقة، تحدّيات سياسية واقتصادية كبرى، ويجري تحميله شعبيا مسؤولية الأوضاع التي آل إليها البلد. وبعد قانون قيصر الذي يستهدف، من جملة من يستهدف، طهران أيضا، تتجه واشنطن إلى إعادة ملف إيران إلى مجلس الأمن من خلال مشروع قرار يمدد حظر بيع السلاح الذي ينتهي أجله في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
أمام هذا الواقع الذي وصفه روحاني بالأصعب، لا تملك إيران سوى استراتيجيةٍ واحدةٍ تطلق عليها اسم “الصبر الاستراتيجي”، بانتظار موعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ويبدو أنها تنجح، إذ بدأت إيران ترى ضوءًا في نهاية النفق، بعد أن ضعفت احتمالات فوز ترامب بولاية جديدة.
تقوم حسابات إيران على أن فوز الديمقراطيين سوف يؤدي تلقائيا إلى عودة واشنطن إلى سياسات حقبة أوباما التي تحن إليها طهران بشدة، فأوباما هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي اعترف لها بدور إقليمي وازن، وكان يتجه نحو تحوّل عميق في العلاقة معها. لكنّ هناك عاملين يجب أخذهما في الاعتبار، قبل الاندفاع إلى استنتاجات من هذا القبيل: الأول، أن المحافظين في إيران يتجهون إلى فوز شبه أكيد في الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار 2021، وتعزيز قبضتهم من ثم على السلطة، بعد أن سيطروا على مجلس الشورى في انتخابات فبراير/ شباط الماضي. وهذا يعني أن مهمة بايدن، في حال فاز بالبيت الأبيض، سوف تغدو صعبة جدا في استعادة سياسة أوباما الإيرانية، والتي ما كان لها أن تمضي بعيدا لولا وجود الثنائي روحاني – ظريف، في الصورة على الأقل. والعامل الآخر أن إيران تخرج من حقبة الرئيس ترامب مأزومة، منهكةً، وأضعف كثيرا مما كانت عليه أيام أوباما، ومن ثم فإن حاجة أميركا إلى سلام معها ستغدو أقل، وإغراء التعاون معها أضعف، أقله ستكون شروطها مختلفة.