لجأ عبد الله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني التركي إلى سورية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، فاحتضنه النظام المستبد الطائفي، وقدّم له كل أنواع المساعدات ولاسيما العسكرية، وهيأ له كل مستلزمات القدرة على الشغب، وممارسة أعمال العنف والتخريب في الأراضي التركية، إلى الدرجة التي لم تعد تحتملها تركيا فحشدت قواتها العسكرية على الحدود السورية عام ١٩٩٨، وهددت باجتياح الأراضي السورية إن لم تقم سورية بطرد عبدالله أوجلان ،وتصفية قواعد حزب العمال الكردستاني على أراضيها، ما دفع حافظ الأسد إلى الاستغاثة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك للتوسط مع تركيا، وقد أسفرت وساطته عن اتفاق الجانبين التركي والسوري على اتفاق أضنة المكون من ١٤ بندًا كان من أهمها ،طرد عبد الله أوجلان من الأراضي السورية، وإغلاق قواعد ومقرات حزب العمال الكردستاني التركي في سورية ولبنان، وقد امتثل حافظ الاسد للاتفاق ونفّذه الحزب، فطرد عبد الله اوجلان من سورية ،وأغلق قواعده ومقراته في سورية ولبنان .وفي سورية كان يطلق على أعضاء حزب العمال الكردستاني تسمية “الآبوجيين” نسبة إلى كلمة “آبو” التي تعني العم بالكردية والذي ينادي بها أعضاء الحزب وجماهيره عبد الله أوجلان بهذا اللقب، وهؤلاء “الأبوجيون” كانوا العصا الغليظة التي استخدمتها أجهزة حافظ الأسد الأمنية للضغط على الأحزاب الكردية الأخرى لترهيبها من ناحية وابتزاز المجتمع الكردي من ناحية ثانية، ولذلك من أجل الالتفاف على اسم حزب العمال الكردستاني فقد قاموا بتغيير اسمه الى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي “البيدا “، وظل الأعضاء على نفس مستوى الولاء والتبعية حتى انطلقت الثورة ،وتمكن الجيش السوري الحر من تحرير مدينة رأس العين، ومن ثم متابعة التقدم على طول الحدود السورية التركية حتى الحدود العراقية لتحرير كامل المحافظة من قوات النظام الأسدي .ونتيجة هزيمة جيش النظام الأسدي منذ الايام الأولى للثورة السورية فقد أوكل النظام من خلال أجهزته الأمنية مهمة الحرب عنه ضد الثوار إلى البيدا وقدّم له كل أنواع الدعم بالسلاح والعتاد والمقاتلين فضلاَ عن فتح كل المجالات له للاستعانة بخبرات ومرتزقة أجانب، ولذلك لا يخفي ارتباطه بالنظام الاسدي وإنه جزء لا يتجزأ منه، وفي أحد خطابات بشار الأسد فقد وصف “الآبوجيين” بالأشاوس الذين يواجهون العصابات الارهابية ويقصد بهم الثوّار الذين انضووا في الجيش الحرّ.وقد قامت البيدا بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين العرب فقتلت الكثيرين منهم، وهجّرت الآلاف وأحرقت العشرات من قراهم تحت ذريعة تعاونهم مع الجيش السوري الحرّ أو تنظيم الدولة الإسلامية داعش.لقد غفل الذين قاموا بهذه الجرائم أن هذه الحرب تندلع بين طرفين، الطرف الأول هو الشعب ،والطرف الثاني هو النظام الطائفي وعصاباته ،ولابدّ أن ينتصر أحد الطرفين، فإن انتصر الشعب فهو لن ينسى عمالتهم للنظام وقيامهم بتلك الجرائم ومن ثم سيقدمون إلى المحاكم، وإن انتصر النظام هم يعرفونه أكثر من غيرهم أنه سيقوم بالبطش بهم بعد ان استنفذ أغراضه منهم ليستبدلهم بجيشه أو شبيحته.ولدى الغرب حزب العمال الكردستاني أو بنسخته السورية البيدا على قوائم الإرهاب، وحالياً يقومون باستغلاله في تنفيذ مخططاتهم المشبوهة، واليوم يسيطر على ثلاث محافظات هي الحسكة والرقة ودير الزور، ويقوم بنهب ثرواتها من نفط وغاز وحبوب وضرائب، ولا يخفى على أحد ارتباطه بالنظام الأسدي وإيران ،لكنه استغل قضية محاربة الإرهاب وأخذ يتلقى الدعم العسكري والمادي من التحالف الدولي وعلى رأسه أمريكا فتم تدمير الرقة وبلدات في محافظة دير الزور وتم نهبها وسوق أهلها إلى المخيمات، وقد ارتكب طيران التحالف عدة مجازر في جنوب الحسكة والرقة وريف دير الزور بالإحداثيات التي كانت تزوده بها.إن الغرب والأكراد يدركون علاقة البيدا المصيرية بنظام الأسد إذ ما كان بإمكانه القيام بتلك الجرائم لولا دعمه ولا استطاع إعلان إدارة ذاتية من دون التنسيق معه ،ولكن من المؤسف أن الأحزاب الكردية التي اضطهادها البيدا قد داعب مشاعرها العنصرية ما قام به على أرض الواقع فراهنت على أكذوبة ولعبة الإدارة الذاتية التي أقامها النظام في بواسطته من أجل التهديد بشبح التقسيم أو لخلق كيانات عنصرية وطائفية على أرض الواقع في حال تقسم سورية، ولذلك الخلاف بين الأحزاب الكردية والبيدا ليس على مشروعهم إنما على من يقوده.