تزامن عقد اجتماع “أستانة-9” مع حلقة تهجير جديدة جنوبي دمشق وريف حمص الشمالي، بعد أيام قليلة على أكبر عملية تهجير قسري في سوريا في غوطة دمشق الشرقية، الأمر الذي رحب به مبعوث الرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرينتيف، بقوله: “انضمت منطقتان من مناطق خفض التصعيد إلى المصالحة الوطنية”، قاصداً الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي. وصار بحكم العادة تزامن كل اجتماع من سلسلة مؤتمرات أستانة مع موجة تهجير قسري جديدة.
ورحّل البيان الختامي مسألة المخطوفين/المعتقلين إلى لجنة ثلاثية بين “الدول الضامنة”، تعقد اجتماعها في أنقرة خلال حزيران/يونيو، وتدعى إليه الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي. ورغم عدم وضوح تسمية اللجنة، فإن موسكو قد سبق وحددتها بشكل واضح في اجتماعات “أستانة-3″، لتكون واحدة من أربع لجان اقترحتها موسكو على تركيا والمعارضة السورية في محاولة لتعطيل سلال ديمستورا الأربعة أو “المسارات الإجرائية الأربعة” المطروحة في محادثات “جنيف-4”. وخص فيها ديمستورا “أستانة” بنقاش سلة “مكافحة الإرهاب”، وأضاف عليها لاحقاً “الأمن”.
وأطلقت موسكو على اللجنة اسم “لجنة الأشخاص المحتجزين ضد إرادتهم”، ما ينسف ملف المعتقلين في سجون النظام السوري، ويبرئه من جريمة الاعتقال بعد تحويل المعتقلين إلى مجرد محتجزين. ويعفي ذلك النظام من الملاحقة القانونية بحسب القانون الإنساني الدولي ويُسقط تبعات الاعتقال كجريمة حرب. وتتشكل اللجنة بحسب مقترح “أستانة-3” من 3-4 أعضاء من كلا الطرفين؛ النظام والمعارضة، بالإضافة إلى ممثل عن كل دولة “ضامنة”، وبمشاركة الصليب الأحمر الدولي والأمم المتحدة. إلا أن البيان الختامي لـ”أستانة-9” فضّل غياب النظام والمعارضة، واكتفى بالاشارة إلى حضور “الضامنين” ومشاركة الامم المتحدة والصليب الأحمر الدولي.
وأجلت الدول “الضامنة” بحث تشكيل “اللجنة الدستورية” إلى اجتماع سوتشي المقبل الذي سيعقد في تموز/يوليو. واقترحت موسكو في “أستانة-7” تشكيل لجنة صياغة للدستور تتألف من 24 عضواً على النحو التالي؛ نصفهم ممثلين عن “الحكومة السورية”، فيما تتقاسم النصف الآخر أحزاب معارضة الداخل أو “غير الممولة حكومياً” وممثلين عن “المجتمع المدني” و”العشائر”. ولم يتطرق الروس الى أي دور للمعارضة الرسمية والممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة أو “الهيئة العليا للمفاوضات”.
البيان الختامي لـ”أستانة-9″ أكد على التزام الضامنين “مواصلة الجهود المشتركة التي تهدف إلى تعزيز عملية التسوية السياسية من خلال تسهيل تنفيذ توصيات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي”، وعقد مشاورات “من أجل تهيئة الظروف لتسهيل بدء عمل اللجنة الدستورية في جنيف في أقرب وقت ممكن والقيام بهذه الاجتماعات على أساس منتظم”. واسترشد البيان بـ”القرار الدولي 2254″ لتشكيل “اللجنة الدستورية”.
ومع تهجير مئات الآلاف من الغوطة وجنوبي دمشق وريف حمص الشمالي، شدد “الضامنون” على “تهيئة الظروف للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى أماكن إقامتهم الأصلية”. مع تشجيع “الضامنين” على الجهود التي تضمن وصول المساعدات الانسانية بسرعة وأمان من دون عوائق وتقديم المساعدت الطبية.
وأشار البيان إلى “حرية التنقل للسكان المحليين”، والذي يأتي ضمن الاستعدادات لفتح طريق حلب-حماة الدولي، المنقطع بين نقطة الراشدين جنوب غربي حلب وصولاً إلى مدينة مورك شمالي حماة. ويعتبر هذا الطريق من أكثر الطرق حيوية في سوريا، والذي استعاض النظام عنه بطريق سلمية-أثريا-خناصر-حلب منذ مطلع العام 2013 بعد سيطرة المعارضة على المدن الرئيسية على الطريق؛ خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب.
ويعتبر اكمال تركيا نشر “نقاط مراقبة” أبرز محطات “أستانة-9” على الصعيد العسكري، وأكد البيان الختامي على نشر تركيا 12 نقطة في “منطقة خفض التصعيد”. وتبقى مسألة قتال التنظيمات “الإرهابية” أبرز التحديات أمام “الضامن” التركي في إدلب، خصوصاً مع عدم تحديد البيان للفصائل والأفراد والجماعات المرتبطة بـ”القاعدة” أو “داعش”، وترك الاتهامات مفتوحة لتطال كل من يعترض على الحل على الطريقة الروسية، وهو ما حصل مع “فيلق الرحمن” و”جيش الاسلام” في منطقة “خفض التصعيد” السابقة في الغوطة الشرقية. ولم تسعف الجيش والفيلق الاتفاقيات المنفردة مع الروس، ولا حضورهما مؤتمر أستانة، ولا حتى قيادة وفد المعارضة من قبل محمد علوش، الرئيس السابق للجناح السياسي في “جيش الاسلام”.
وفد المعارضة العسكرية الذي حضر “أستانة-9” رأسه السياسي أحمد طعمة، الرئيس الأسبق لـ”الحكومة السورية المؤقتة”، وضم أعضاء من الائتلاف أبرزهم النائب السابق لرئيس الائتلاف سلوى كتاو. كما حضر أعضاء من “الإئتلاف” بصفتهم الفردية، كما جرت العادة، وحضر قادة فصائل لم تعد موجودة إلا على الورق. حتى من كان معترضاً على وجود إيران في اجتماع سابق لـ”أستانة”، وصرخ حينها “ايران قاتل ..ايران لا توقع”، حضر اجتماعات “أستانة-9” وجلستها الختامية، أمام الديبلوماسية الإيرانية المبتسمة.
ما حصل في “أستانة-9” هو استكمال عملية الانخراط في المسار الروسي للحل السياسي، أو “التسوية السياسية” كما تحب موسكو تسميتها. ولعل لا شيء يختصر حال المعارضة العسكرية والسياسية، مثل تصريح “زعيم المعارضة المسلحة” الدكتور احمد طعمة، بحسب وصف قناة “روسيا اليوم”، والذي اعتبر فيه أن “روسيا تبحث عن حل سياسي للأزمة السورية”، في حين أن الحافلات الخضراء تتحرك منذ قرابة الشهرين، لنقل عشرات آلاف المهجرين السوريين قسراً إلى الشمال.