الفراغ السياسي الحاصل، وارتفاع سوية معاناة السوريين كافة، تجعل الشعب عرضة للاستغلال بواسطة الشائعات واساليب الحرب النفسية، فالصورة أمام الشعب سوداوية، ثقتهم بكل المجتمع الدولي وقراراته وجدية أطرافه كافة باتت معدومة ان لم يكن التوصيف الأدق سلبية بتسارع متزايد. لذلك أي قصص وادعاءات يتم نشرها وتعطي ولو القليل من الأمل تلقى صداً جماهيرياً، فباتت الادعاءات (الكوميدية) محط نقاشات بين عامة الشعب وحتى عند عدد لا بأس فيه من مثقفيه وإن كان مصدرها بحد ذاته معروفًا بتوجهاته وسياسات دولته. أما الواقع والحقائق التي اعرفها فهي: ⁃ شعبنا يعاني ويتألم حيث بات من أفقر شعوب العالم والأشد عوزًا للمعونات السريعة، ⁃ أننا كشعب فقدنا سيادتنا على اراضينا، ⁃ وطننا بات مقسمًا الى اجزاء تنزف، وبات مناطق نفوذ دولية وإقليمية، ⁃ وطننا ساحة معركة متشابكة مع قضايا دولية وإقليمية أبعد بكثير من حدودنا الوطنية، ولم يعد بالإمكان عزل اثار ما يحدث في سوريا عن الأقاليم المجاورة والمنطقة. ⁃ الفساد المحلي والإقليمي والدولي مازال يعتاش ويلتهم ما تبقى من مواردنا الشحيحة، ⁃ دائرة الفساد عابرة للأطراف والمكونات والحدود والمواقف، ⁃ كل مسببات الارهاب الجذرية مازالت موجودة، كل الجهود الدولية لمكافحته تعاطت مع الأعراض ولم تتعاطى مع المسببات. ⁃ الحقيقة الأهم أن كل مسببات ومظلومية الشعب السوري التي دفعته للثورة مازالت موجودة، لا بل تعمقت واصبحت أكثر وضوحًا. ⁃ إن تضحيات الشعب السوري وحجم المأساة التي عاشها من أجل تحقيق تطلعاته تتزايد، حيث بلغت حجمًا يشكل بحد ذاته ضوابط وحدود أي حل سياسي قابل للاستدامة وممكن فقط عبر التنفيذ الكامل والصارم لقرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ (٢٠١٥)، ⁃ ارادة الشعب السوري واصراره على تحقيق تطلعاته ترسخت، حيث بات القسم الأكبر من مظلومية الشعب السوري وان تفاوتت سابقًا، عابرة للمواقف والأطراف والمكونات ومناطق النفوذ. ⁃ وحدة المعاناة الحالية وسبل الخروج منها تدفع الشعب باختلاف مكوناته نحو رؤية مشتركة لمستقبل سوريا، فتزيده إصرارًا على تحقيقها وشدة المعاناة تدفعه نحو السعي لتحقيق ذلك بأسرع وقتٍ ممكن، -بات جليًا أن العامل السوري – السوري هو الدافع الأهم لتسريع او تخفيض الاهتمام الدولي والإقليمي ببذل الجهود المطلوبة للتوجه نحو حل جذري وشامل وهو العامل الوحيد الذي يلزمهم بإعادة ترتيب أولويات حل قضاياهم الخلافية. – إن الشعب السوري يخوض معركة بمواجهة ثالوث شيطاني مكون من “الاستبداد والفساد والإرهاب”; وهو تحالف عضوي; فالأول يبرر ممارساته وجرائمه بالثالث، والثالث يبرر وجوده بالأول، أما الثاني فهو الحبل السري الذي يربط بينهما ويغذي وجودهما ويضمن استمراريتهما. بالتالي ان القضاء على الحبل السري يؤدي لإضعاف الاستبداد والإرهاب ويحكم بحتمية تصادمهما وتشتت التحالف بينهما مما سيسهل على القضاء عليهما. ماذا بعد تلك الحقائق- علينا كسوريين بمختلف أطيافنا ومكوناتنا إعادة ترتيب اولوياتنا، وفق الحقائق أعلاه، لا وفق ما يثار من اشاعات، صممت لغاية ثنينا عن السعي الفاعل لتحقيق تطلعاتنا المشروعة، وايهامنا بأن الحل قادم لا محالة عن طريق الأخرين، وليس علينا إلا انتظار تقديمه إلينا على صينية فضية، القاعدة الذهبية تقول “ما حك جلدك مثل ظفرك”، ومن لا يدخل المطبخ ويساهم باختيار وإعداد الوليمة، سينتهي أمره بأن يطبخ ويكون أحد مكونات الوجبات التي ستملئ بطون الأخرين. يجب أن يكون تاريخنا قد علمنا ذلك، قرن من الزمن مضى على سايكس- بيكو، فهل تعلمنا الدرس، هل تقدمنا بفكرنا وقدراتنا وبات لدينا القدرة على مواجهة مثل تلك التحديات. ليس شرطاً أن نكون في تنظيم سياسي واحد، أو منظمة أو تيار سياسي واحد، فكل تنظيم لوحده عاجز عن تحقيق تطلعاتنا مهما كبر، ان التخطيط المشترك وتوزيع المهام وتنسيقها لتتكامل، يجعل من كل ينبوع صغير يصب بمجرى سيل واحد، ليشكل تيار جارف. – يجب ان نركز على ما يجمع الشعب السوري، – يجب ان نبني على بناء بعضنا البعض، – يجب ان نبني الجسور بيننا لا ان نعمق الهوة بيننا، – يجب ان نصل جميعًا الى حدود ضفة العبور، لنبني معًا جسر العبور نحو سوريا المستقبل، طالما أن السوريات والسوريين كافة، متوافقات ومتوافقين على أسس سورية المستقبل، سوريا الوطن الواحد والشعب الموحد، الحرة، السيدة، المستقلة، الديمقراطية، ذات النظام السياسي التعددي، الذي تتداول فيه السلطة سلميًا عبر صناديق الاقتراع، دولة المواطنة المتساوية بالحقوق والواجبات، تصون كرامة مواطنيها وتكفل حريتهم، دولة العدالة والقانون والقضاء المستقل والنزيه، دستور يحقق الفصل بين السلطات، يحدد ويوازن العلاقة بينها ليضمن عدم تجاوز أحدها وتسيدها على الأخرى او ابتلاعهم من قبل سلطة واحدة، تسلب الشعب حقه ومكانته كمصدر لجميع السلطات.