أمين العاصي
العربي الجديد:16/11/2020
دفع النظام السوري، مع اشتداد حربه ضد المطالبين بالتغيير في البلاد، باتجاه تشكيل مجموعة من المليشيات المحلية، لها مهام متعددة، لمساعدته في حسم الصراع لصالحه. وأدى هذا الأمر إلى تحوّل متزعميها الى “أمراء حرب”، و”حيتان مال” يتاجرون بكل شيء، ويتعاملون مع كل أطراف الصراع، بما فيها تنظيم “داعش”، من أجل المال فقط.
وتقف في مقدمة هذه الميلشيات مجموعة أنشأتها عائلة القاطرجي، التي تشعبت مهامها من القتال بجانب قوات النظام إلى حماية قوافل التجارة لهذه العائلة، التي طفت على السطح في خضم الصراع، معتمدة على حاجة النظام لوسيط ينقل الحبوب والنفط من شرق سورية إلى مناطق سيطرته.وقفزت هذه المليشيا إلى واجهة الحدث، أول من أمس، حين نحرت مجموعة من “داعش” خمسة من عناصرها، كانوا يقودون صهاريج محملة بالنفط قادمة من مناطق سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي البلاد إلى منطقة خاضعة لسيطرة النظام.
ووفق مصادر محلية، نصب التنظيم كميناً على الطريق الذي يصل الرقة بحماة على أطراف البادية السورية، واحتجز عدداً من السائقين ذبح بعضهم، بينما لا يزال مصير البعض الآخر مجهولاً، في جريمة تكررت أخيراً مع عودة خلايا من “داعش” للنشاط في البادية السورية.وطفت مليشيا القاطرجي على سطح الأحداث في سورية منتصف 2013، بعد أن اتسعت أعمال هذه العائلة، التي يُوصف أفرادها بـ”حيتان الحرب” التي بدأها النظام ضد السوريين في 2011.
وتنحدر عائلة القاطرجي من مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، لكن نشاطها بدأ في مدينة الرقة، حين كان رب هذه العائلة يعمل خياطاً، قبل أن تنتقل إلى مدينة حلب مطلع الألفية الجديدة.ووفق مصادر محلية مطلعة، فقد اعتمد النظام على هذه العائلة بدايات 2013، حين سيطر “الجيش السوري الحر” على محافظة الرقة التي تعد إحدى أهم السلال الغذائية في سورية، حيث بدأت بتوريد القمح والقطن إلى مناطق سيطرة النظام بأسعار مرتفعة. وتشير المصادر إلى أن العائلة فتحت قنوات اتصال مع “داعش” الذي سيطر على شرق سورية في 2014، ما سمح لها بنقل الحبوب والنفط من مناطق سيطرة التنظيم إلى مناطق هيمنة النظام، وهو الدور الذي تلعبه اليوم مع “قسد”.وتؤكد المصادر، التي لم ترغب بذكر اسمها، أن عائلة القاطرجي، المكونة من 3 أشقاء، هم محمد براء وحسام ومحمد، يعملون في كل شيء من أجل الحصول على المال، معتبرة أنهم من الأذرع السوداء لإيران و”حزب الله” في سورية.
وفي تحقيق نُشر مطلع العام الماضي، ذكر موقع “جسر” المعارض أن ثروة الإخوة الثلاثة تصل إلى 300 مليار ليرة سورية (نحو 120 مليون دولار). وأشار إلى أنهم “يملكون ويديرون مجموعة واسعة من الشركات التي تعمل في مجالات مختلفة، ويحوزون عشرات البنايات والعقارات الفاخرة، في قلب دمشق وحلب التاريخية، ويشترون النفط والقمح من داعش وقسد على حدّ سواء، ويستوردون البضائع من تركيا، وتخترق قوافل شاحناتهم خطوط الصراع الملتهبة بمنتهى اليسر”، وفق الموقع.وفرضت واشنطن ضمن الحزمة الخامسة من قانون “قيصر”، التي صدرت قبل أيام، عقوبات على 19 فرداً وكياناً داعماً للنظام السوري، ضمنهم حسام بن أحمد رشدي القاطرجي، وهو الابن الثاني في العائلة. ويتزعم حسام (38 سنة)، وهو عضو في “مجلس الشعب”، مليشيا العائلة التي قاتلت إلى جانب قوات النظام في عدة جبهات، إضافة إلى دورها في حماية قوافل السيارات التي تنقل البضائع لمناطق سيطرة النظام من الشمال الشرقي من سورية.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية فرضت عقوبات على محمد القاطرجي في 2018، مشيرة إلى أن له “روابط قوية مع النظام السوري، ويُسهل تجارة الوقود بين النظام وتنظيم داعش، بما في ذلك توفير المنتجات النفطية للأراضي الخاضعة لسيطرة داعش”.ومع الشهور الأولى للثورة السورية دعم النظام إنشاء مليشيات محلية، تحت مسمّى “الدفاع الوطني”، تضم مجموعات من “الشبيحة”، وهم الفئة الأكثر ولاء للنظام والأكثر قسوة في التعامل مع معارضيه، حتى باتت هذه المليشيات قوى فاعلة، مع خروج بعضها عن سيطرة النظام نفسه. واعتمد النظام على هذه المليشيات، وأخرى أنشأتها إيران، في حصار المناطق الخارجة عن سيطرته، مقابل إطلاق يدها في نهبها بعد السيطرة عليها، وهو ما حدث في دمشق وريفها وفي ريف حمص وفي مدينة حلب وفي ريف إدلب.
لكن مليشيا القاطرجي تميزت عن سواها بكون مهمتها الرئيسية هي حماية مصالح عائلة بعينها، رغم مشاركتها المحدودة في القتال إلى جانب قوات النظام في بعض الجبهات. وتوضح مصادر مطلعة أن مليشيا القاطرجي تضم أفراداً من ريفي حلب والرقة، مشيرة إلى أن هذه العائلة “تستغل حاجة هؤلاء الأفراد وتدفعهم كوقود لحماية مصالحها”.
وأضافت: “لطالما قتل تنظيم داعش عناصر من هذه المليشيات، خصوصاً في البادية، التي باتت ثقباً أسود يبتلع من يعبره”.وفي هذا الصدد، يوضح الباحث في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن النظام بعد خروج الكثير من المناطق عن سيطرته “اعتمد بشكل كامل على مليشيات محلية، ومجموعات جهوية يستفيد من نفوذها في تلك المناطق”.
ويضيف: أصبحت هناك شراكة بين النظام وهذه المليشيات. ويشير إلى أن متزعمي هذه المليشيات “كوّنوا ثروات هائلة من خلال هذه الشراكة”، ومنها مجموعة القاطرجي. ويبيّن أن “الإخوة الثلاثة” الذين يشكلون عائلة القاطرجي “سخروا كل الوسائل للحصول على المال وتجنيد عدد كبير من السوريين لصالحهم”. ويضيف: وجد النظام بهذه العائلة، التي تملك شبكة علاقات اجتماعية في المنطقة الشرقية من سورية، مُنقذاً له، موضحاً أن “هذه المنطقة تحوي الحبوب والنفط، وهما مادتان يحتاجهما نظام الأسد بشدة لضمان الاستقرار الاجتماعي في مناطقه”. ويضيف: بالفعل أنقذت هذه العائلة بشار الأسد في 2014 و2015، من خلال جلب القمح والنفط من المنطقة الشرقية إلى مناطق النظام. ويشير علوان إلى أنه خلال الشهرين الأخيرين، ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية على نظام الأسد، “تورد عائلة القاطرجي بشكل يومي نحو 700 صهريج من المحروقات من مناطق سيطرة قسد إلى مناطق النظام، مستفيداً من حاجة هذه القوات لبيع النفط كونها لا تستطيع تصديره خارج سورية”.