مع دخول حملة النظام السوري وحلفائه البرية على الغوطة الشرقية لدمشق أسبوعها الرابع أمس الأحد، وتسجيل سقوط نحو 1100 قتيل مدني خلال 21 يوماً، ووسط مأساة إنسانية كبيرة يعيشها الأهالي، جاء المستجد الأبرز من الجنوب السوري، مع بروز معطيات تفيد بأن فصائل المعارضة تُجري تحضيرات لبدء عملية عسكرية واسعة النطاق هناك من أجل تخفيف الضغط عن الغوطة، وذلك في ظل ضغوط من الشارع السوري المعارض على فصائل الجبهة الجنوبية من أجل مساندة الغوطة بعمل عسكري من شأنه أن يربك قوات النظام. ولكن هذه الفصائل خاضعة لاتفاق وقف التصعيد الذي أبرم في عمّان العام الماضي برعاية أميركية أردنية روسية لم تكن إسرائيل بعيدة عنه، وبالتالي لا يُستبعد أن تتعرض لضغوط لمنع تحركها في تلك المنطقة.
أما في الغوطة الشرقية، فاستمرت الاشتباكات العنيفة في ظل مسعى النظام لتقسيم المنطقة إلى ثلاثة أجزاء لكي تسهل عملية السيطرة عليها، وهو نجح في تحقيق بعض أهدافه من خلال فصل مدينة دوما، فيما تضاربت المعلومات أمس حول وضع بلدة مديرا، التي يسعى النظام للسيطرة عليها لقسم الغوطة من وسطها، في ظل مقاومة شرسة تبديها فصائل المعارضة هناك، والتي لا تزال ترفض أي تفاوض لتهجير أهل المنطقة.
وفي الجنوب السوري، أفادت معطيات بأن تحضيرات تجري لبدء عملية عسكرية واسعة النطاق. ورفض قادة في الجيش السوري الحر تواصلت “العربي الجديد” معهم الخوض في تفاصيل العملية، إلا أن قائداً بارزاً في الجبهة الجنوبية أكد لـ”العربي الجديد” أن هناك عملاً عسكرياً آتياً من أجل التخفيف عن الغوطة الشرقية، رافضاً إيضاح أبعاد العملية وأهدافها.
كما كشف مصدر مقرب من فصائل الجيش الحر في درعا لـ”العربي الجديد” أن “كل الفصائل ستشارك في العملية”، مشيراً إلى أن المدنيين في خطوط التماس مع قوات النظام في درعا وريفها نزحوا إلى مناطق أخرى. وأوضح أن مناطق التماس تتمركز في منطقة المنشية داخل مدينة درعا، وفي الريف الشرقي هناك خطوط تماس من جهة السويداء ومن جهة ازرع داخل “مثلث الموت”، وفي منطقة خربة غزالة.
وأفادت المعلومات المتوفرة حتى الآن، بأن العملية العسكرية المحتملة جنوبي سورية، تتركز على مناطق مختلفة من أوتوستراد درعا-دمشق، وبأن فصائل المعارضة تسعى لحصار النظام في مدينة درعا، والتقدم نحو بلدة خربة غزالة، الواقعة تحت سيطرة النظام، ثم وصلها مع داعل والريف الغربي للمحافظة. في هذا السياق، تأكدت المعلومات عن تعزيز قوات النظام السوري في درعا، نقاطها العسكرية، قرب المناطق الحدودية مع المعارضة داخل درعا، وتحديداً في أحياء: شمال الخط، السحاري، المطار، الكاشف، السبيل، القصور.
كذلك ذكرت وكالة “الأناضول” التركية أنه من المتوقع أن تستهدف العملية العسكرية المنتظرة مواقع المليشيات التابعة لإيران في القنيطرة وشمالي درعا، مع احتمال أن تمتد إلى منطقة البادية. ونقلت الوكالة عن مصادر أن نحو 200 ضابط وجندي أميركي وصلوا إلى قاعدة التنف قرب الحدود مع الأردن والعراق، والتي تضم غرفة عمليات أميركية مشتركة مع فصائل من الجيش الحر في المنطقة. كما وصل عدد من الضباط البريطانيين إلى الحدود السورية الأردنية، في إطار تلك التجهيزات، بحسب المصادر ذاتها.
وجاءت هذه المعلومات بعدما كانت مصادر مطلعة في المعارضة ذكرت أن الولايات المتحدة دعت عبر رسالة صادرة عن سفارتها في العاصمة الأردنية عمّان، فصائل المعارضة إلى ضبط النفس والالتزام باتفاق “خفض التصعيد”، مؤكدة سعيها “للضغط على روسيا” لوقف حملة النظام العسكرية على الغوطة.
أما في الغوطة الشرقية، فتجدد القصف الجوي والصاروخي أمس على المنطقة، ونفذت طائرات حربية غارات مكثفة على مناطق في مدينة عربين، بالتزامن مع قصف صاروخي عنيف نفذته قوات النظام على المدينة، ما أسفر عن مقتل وإصابة مدنيين. كما استهدف الطيران الحربي الروسي زملكا وحرستا، ليسقط عدد من الضحايا المدنيين.
وبعدما سيطرت قوات النظام وحلفائه السبت على بلدة مسرابا وعزلت مدينة دوما عن باقي المناطق، سعت أمس للسيطرة على بلدة مديرا للوصول إلى مباني إدارة المركبات العسكرية المحاصرة من جهات عدة من قبل فصائل المعارضة. وتضاربت المعلومات أمس حول الوضع في مديرا، فبعد أن أكد المتحدث باسم “جيش الإسلام” حمزة بيرقدار في تغريدة عبر “تويتر” أن قوات النظام لم تستطع السيطرة على بلدة مديرا، مشيراً إلى أن “حصيلة خسائر مليشيات الأسد خلال الأسبوع الأول من شهر مارس/آذار الحالي في المعارك الدائرة في الغوطة على جبهات جيش الإسلام، هي 229 قتيلاً بينهم ضباط”، عادت وسائل إعلام موالية للنظام السوري و”حزب الله” لتعلن أمس السيطرة على هذه البلدة. وكان بيرقدار قال لـ”العربي الجديد” إن قوات النظام استطاعت ليل السبت-الأحد فصل مدينة دوما عن بقية مدن وبلدات الغوطة الشرقية، مضيفاً أن هذه القوات “تسعى لفصل مدينة حرستا أيضاً”.
وتشير المعطيات إلى أن قوات النظام والمليشيات التي تعمل “تحت إمرة ضباط ومستشارين روس”، تريد السيطرة على بلدة مديرا والوصول إلى مباني إدارة المركبات العسكرية المحاصرة من المعارضة، ليتحقق ما تخطط له وهو تقسيم الغوطة من وسطها إلى ثلاثة أجزاء.
في غضون ذلك، وبعد تأكيد “جيش الإسلام” و”أحرار الشام”، أبرز فصيلين في الغوطة، رفضهما لأي تفاوض حول تهجير أهل الغوطة، برزت مبادرة في هذا السياق من أفراد لا علاقة لهم بالمعارضة، إذ ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مسؤولين محليين في مدينة حمورية التقوا السبت ممثلين عن النظام السوري للتفاوض. وأوضح عضو في اللجنة التي تضم هؤلاء المسؤولين لوكالة “فرانس برس” أن “اللجنة ناقشت عرضاً للمصالحة يتضمن خروج المدنيين والمقاتلين الراغبين من حمورية إلى مناطق أخرى تسيطر عليها الفصائل المعارضة” بينها إدلب أو درعا.
وكان المتحدث باسم “فيلق الرحمن” وائل علوان، أكد في حسابه على “تويتر”، أنه “لا توجد أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع العدوان الروسي أو حلفائه، ولا يوجد أي تكليف يسمح لأحد بالتفاوض عن ثوار الغوطة ومؤسساتها والجيش الحر فيها”. كما أن مسؤول المكتب السياسي لـ”جيش الإسلام” محمد علوش، ذكر أن “الغوطة بعدما شهدته من الخذلان تعرف كيف تفاوض عن نفسها، ولم تفوّض أي جهة بذلك، ولها قيادة في الداخل وممثلون يفاوضون في الخارج”.
في ظل هذا الواقع، ينقل ناشطون من الغوطة صوراً ومعلومات صادمة عن حجم المأساة الإنسانية، مشيرين إلى أن أغلب العائلات في الأقبية منذ عشرين يوماً. وأعلن المرصد السوري أمس الأحد ارتفاع عدد القتلى في الغوطة إلى 1099 بينهم 227 طفلاً، خلال 21 يوماً من تصعيد عمليات القصف الجوي والمدفعي على مدن وبلدات: دوما وحرستا وعربين وزملكا وحمورية وجسرين وكفربطنا وحزة والأشعري والأفتريس وأوتايا والشيفونية والنشابية ومنطقة المرج ومسرابا ومديرا وبيت سوى ومناطق أخرى في الغوطة الشرقية. وأشار المرصد إلى أن القصف تسبب خلال هذه الفترة بإصابة أكثر من 4378 مدنياً بينهم مئات الأطفال والنساء بجراح متفاوتة الخطورة، مؤكداً أن جثامين عشرات المدنيين لا تزال تحت الأنقاض.
المصدر: العربي الجديد