بالرغم من أن الرئيس المشترك لهيئة العلاقات الخارجية في إقليم الجزيرة السورية، عبد الكريم عمر، اعترف يوم الثلاثاء 1/5/2018 عبر راديو آرتا إف إم، بأن “روسيا كانت قد أبلغت الإدارة الذاتية بأن تركيا ستدخل عفرين إذا لم تقم الإدارة الذاتية بتسليمها إلى النظام السوري”، وبالتالي أن الإدارة الذاتية هي المسؤولة عما جرى بعفرين بما أنها رفضت المقترح الروسي القاضي بتسليم عفرين إن كان للنظام السوري أو لأية جهة أخرى دولية أو اقليمية، ومع وجود عدة احتمالات غير مدمرة للمنطقة، اختارت الإدارة الذاتية المقاومة حسب تعبير عمر، ومع ذلك كل الاتهامات التخوينية تصب على رأس المجالس المحلية بعفرين، بينما يسلمُ من العارِ الحقيقي مَن كان سبباً مباشراً للتهجير والخراب الذي جرى بحق عفرين وناسها، وكل ذلك من أجل إظهار البطولات الدونكيشوتية لحزب الاتحاد الديمقراطي على حساب أرواح الناس وممتلكاتهم.
وهو ما يعني بأن حزب الاتحاد الديمقراطي والأجرام الحزبية الحائمة في فلكه يتحملون المسؤولية المباشرة قبل أي جهةٍ كردية أخرى عما جرى ويجري بحق العفرينيين، باعتبارهم مَن ادعوا ما لا يقدرون على الإيفاء به، وتنطعوا بالذي لم يكن بمقدورهم تنفيذه، وأدخلوا أبناء المنطقة في معركة يعرفون سلفاً بأنهم خاسرون فيها، حيث أنهم قبل غيرهم مَن جرّعوا سكان المنطقة ويلات الخراب والسلب والنهب والسطو والابتزاز، وذلك فقط من أجل إتمام مسلسل العنجهية والمفاخرة الأيديولوجية على حساب دماء الأبرياء ودمار بيوتهم ونهب متاعهم، وهذا ما يشير إلى أن هذا التنظيم حاله أشبه بحالِ مقامرٍ طائش وهو على استعدادٍ دائم لأن يقامر بكل شيء لقاء التعويضِ أو تحقيق رغبات أناه الحزبية السقيمة، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان ذلك التنظيم فكّر بمصير أهل المنطقة ولو بُرهةً من الزمن، وبالتالي قدَّر أرواح أبنائها ومصالحهم الاقتصادية، ولكانَ التنظيمُ المُجازف على استعداد لأن يتفاوض حتى مع الشيطان إذا لزم الأمر كي يجنب المنطقة من أي ضررٍ أو شرٍ محتمل، إلاّ أن عقلية المراهنة وفلسفة الافتداء بالأبرياء كرمى دوام أوّار العقيدة الأوجلانية مشتعلة؛ دفعت بحاخامات التنظيم إلى المقامرة بكل عفرين وناسها لقاء الأنا الأيديولوجية السقيمة، وهو ما يؤكده المسؤول الآنف الذكر بقوله: “قررنا المقاومة على أمل أن تتغير المواقف الدولية، ولكن عندما وجدنا أن تركيا بدأت بقصف المدنيين بعنف، لم يكن أمامنا بديل سوى الخروج” هذا هو حزب الاتحاد الديمقراطي إذن، الحزب الذي تعامل مع مصير مقاطعة عفرين بأكملها كتعامل شخصٍ مستبدٍ يتبع هواه في حضرة لعُبة الكشتبان في أصعب المواقف وأحلك الظروف!!.
بينما الذين تصدوا لمهمة خدمة الأهالي في عفرين ـ أي مجلس إنقاذ عفرين وما نتج عنه ـ لم يكن بيد أيَّ واحدٍ منهم خيارات السلم والحرب كما كان حال الاتحاد الديمقراطي والرهط الحزباوي الحائم في فلكه، ولا كانوا يمتلكون المال والعتاد والسلاح كما كان حال الاتحاد الديمقراطي، ولا كانوا يقامرون بأرواح أبناء المنطقة في معارك وهمية كما كان حال الاتحاد الديمقراطي؛ إنما كل ما سعوا ويسعون إليه هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وسد الهاوية التي تركها (ب ي د) خلفه، وهم على استعداد للعمل وسط الأوبئة التي خلفها الحزبُ، ووسط خراب بعض الفصائل التي ماثلت سلوكيات عناصرها ممارسات أجلف الرعاع في الغزوات؛ ومع كل ذلك تعهّد أعضاء المجالس العمل بصدقٍ ووفاء وإخلاص انطلاقاً من العدم، وذلك وسط انعطابٍ كامل لكل مقومات الحياة، متحملين كلمات التخوين والشتم والإهانة على أمل أن يُعيدوا لعفرين بعض بهائها، وبعض نضارتها، وبعض كرامتها المنتهكة من قبل عنجهية واستبداد العسكري السابق وضغينة وانتقام العسكري اللاحق، وأن ينشروا في ربوعها بعض الابتسام، ويعيدوا نبض الحياة إلى أطرافها التي شلتها الحرب ولعناتها، وذلك بعد أن خيّم الوجوم سماها، وقد تسلّح كل واحدٍ منهم بما قاله الشاعر الانكليزي رديارد كبلنج: “إذا استطعت أن تحتفظ برباطة جأشك عندما يفقد الجميع من حولك رباطة جأشهم ويلومونك بسببها؛ إذا استطعت أن تثق بنفسك حينما يشكك فيك كل الذين من حولك، ومع ذلك تراعي شكوكهم أيضاً، إذا استطعت الانتظار ولم تمل الانتظار، أو أن تكون ممن يُفترى عليه، لا تتاجر في الأكاذيب، وأن تكون ممن يُحقد عليه ومع ذلك لا تستسلم للحقد”.
وفي نهاية المادة التي خصصناها للدفاع عمن تعتبرهم المنظومة القنديلية بالعملاء مع تبيان المسؤول الفعلي عن الذي حصل في عفرين، نختتم المقالة بقولٍ يُنسب إلى الرحّالة ابن بطوطة ألا وهو: “حتى ولو فشلت يكفيك شرف المحاولة” وهو حال المجالس المحلية بعفرين، وذلك باعتبار أن الذين تصدوا لمهمة إنقاذ عفرين يكفيهم فخراً بأنهم لم يذهبوا لاستلام الجوائز على منصاتٍ مخملية جاهزة، إنما انطلقوا بمشروع خدمة أهاليهم من تحت الصفر، وذهبوا للمجاهدة الدؤوبة وحمل الأعباء التي قد تصل حالة بعضهم حيالها كما كانت عليه حالة سيزيف الاغريقي، كما أنه لم يكن هدف أيَّ واحد منهم تسنم المواقع على كفوف الراحات في فترةٍ تنعم بالازدهار المالي أو السياسي أو توفر الأمن والرخاء، إنما تصدوا لمهمة العمل من أجل المنطقة في أحلك الظروف وأصعبها وأردأها، وحيث يقول كبار السن في المنطقة بأن ما جرى في عفرين منذ ما يقارب الشهر ونصف لم يحدث أن عاش العفرينيون فصوله إلاّ في زمن الفوضى التي عمت المنطقة في الفترة التي أعقبت انهيار الدولة العثمانية في 1922 وقدوم سلطة الانتداب الفرنسي، ولعل موقف الرجال الذين تصدوا لمهمة إنقاذ عفرين عبر مجالس محلية غير مسلحة بأي شيء غير الإرادة والإصرار وصدق النية، هو كموقف العطار(الطبيب) الذي تصدى لمهمة إصلاح ما تركته الأيامُ في جسد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي في أحلك أيامه، والذي تمثل في هذا البيت الشعري لـ: صفي الدين الحلي
“وراموا بأنواعِ العقاقيرِ برأهُ، وهل يُصلحُ العطّارُ ما أفسدَ الدّهرُ؟”
وذلك باعتبار أن المنطقة في الوقت الراهن شبه معلولة جسدياً، وهي حالياً تعيش تلك الظروف العصيبة بكل تجلياتها، بكونها تشكو من كل شيء، وتحتاج إلى كل شيء، وغدا العبءُ المرمي على أكتاف المجالس المحلية وأعضائها في عفرين، كالمثاقيل المحمّلة على كتف سوبرمانٍ لا رداءَ السوبرمانية لديه، ومع ذلك مطلوبٌ منهم في الوقت الذي لم يعد في المنطقة أي شيء، العمل على تأمين كل شيء.