المدن
حيلة جديدة يعتمدها النظام السوري لمتابعة سياسة تجميد السوق على عكس ما تروج له وسائل الإعلام الموالية. فقد قام مؤخراً برفع سعر صرف دولار الجمارك بالتزامن مع إعادة العمل بدولار المستوردات ما أدى لتضاعف نفقات الاستيراد بنسبة 100 في المئة في حين تعيش المناطق التي يسيطر عليها النظام أوضاعاً معيشية كارثية تنذر بمجاعة مقبلة لا محالة.وقام المصرف المركزي برفع سعر صرف دولار الجمارك من 1250 إلى 2525 ليرة سورية، وهو ما قاد إلى مضاعفة الرسوم الجمركية والنفقات التي يتكبدها المستورد على البضائع.
ويقول الباحث الاقتصادي رفعت عامر ل”المدن”، إن النظام “يشبه في سياسته الاقتصادية المريض الفصامي، فهو يسعى للحصول على الفائدة القصوى من الجهات والشركات والأفراد في كل نشاط تجاري راهن ويمارس سياسات اقتصادية مختلفة ومتناقضة”.
دعم خلبي
على الرغم من اعتراف مسؤولي النظام بالمشكلة العويصة التي تسبب بها رفع سعر صرف الدولار الجمركي لاسيما مع تزامنه مع إعلان النظام دعم لائحة من السلع الأساسية من خلال إحياء العمل بدولار المستوردات، إلا أن المسؤولين يصرون على أن هناك انخفاضاً ملموساً في أسعار السلع وإن كان ليس على مستوى الطموح.مع ذلك يعترف أمين سر اتحاد غرف التجارة محمد الحلاق بانعكاس هذا الإجراء على الأسواق “مثلاً الحاوية التي كانت تكلف 15 مليوناً أصبح التخليص الجمركي لها يكلف 30 مليوناً وبالتالي أدى هذا الأمر إلى ارتفاع المصاريف والنفقات المدفوعة من قبل المستوردين”.
يسعر المصرف المركزي صرف الدولار ب1262 ليرة لكنه يلجأ لإصدار عدد كبير من نشرات الأسعار الخاصة مثل نشرة الصرافة والمصارف والتي تبلغ 2512 ليرة، نشرة البدلات 2525 ليرة، نشرة الحوالات 2500 ليرة، وصولا إلى نشرة الجمارك والطيران والتي كانت التسعيرة السابقة لها 1250 ليرة ورفعت مؤخرا إلى 2525 ليرة.تطبيقاً لنشرات الأسعار المذكورة، كان الإجراء الأخير للنظام بالعمل بدولار المستوردات الذي حدده ب2512 ليرة سيقود إلى انخفاض كبير في أسعار السلع لو بقي سعر صرف دولار الجمارك على حالته السابقة.
وهذا يشير بشكل قاطع إلى أن الموضوع برمتّه كان عبارة عن حيلة يسعى النظام السوري من خلالها، لرفد خزينته الفارغة.ويقول عامر ل”المدن”، إن النظام “لا يبالي بأي استراتيجيات طويلة المدى لأنه لا يمثل مصالح الشعب، كما أنه لا يضع استراتيجيات وطنية بل أهداف لا تتعدى درء الكوارث والأزمات المرحلية”.
ويضيف أن الفكرة باختصار أكثر هي التالية: “يمارس النظام التشليح بطرق مختلفة مقابل حصوله على عمولات ومزايا مالية من الجميع، وهو بذلك يفصّل القوانين والإجراءات بما يتناسب مع كل حالة، ولا يرى في ذلك أي عيب كونه لا يحمل شرعية ولا يُحساب ولا يتبع الدستور”.
أفق مسدود
باستثناء الدواجن التي شهدت انخفاضاً ملموساً على خلفية استيراد النظام 90 ألف طن من الذرة الصفراء من روسيا ما اضطر تجار الأعلاف لتخفيض سعر مبيع الذرة، لم تشهد أسعار السلع الأخرى أي هبوط، الأمر الذي برّره إعلام النظام بأن الأسعار لن تنخفض إلا بمرور دورة مالية لاستيراد المواد لا تقل عن شهرين.ويعتبر رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا” أسامة قاضي أن الإعلان عن تمويل المستوردات عبارة عن وهم كبير روج له النظام.
ويقول ل”المدن”، إن النظام لجأ إلى تحديد سعر مقبول لدولار المستوردات لكنه في المقابل يحصل على الفارق المالي عبر الضرائب والرسوم الجمركية وهو ما سيجعل من انخفاض أسعار السلع أمراً غير مرجح.
ويضيف أن المصرف المركزي لا يمتلك القطع الأجنبي الكافي لتمويل كافة المستوردات لذلك يقوم بهذه الحيلة، التي تعد سياسة دائمة يتخذها النظام بالتوزاي مع انهيار قيمة العملة المحلية، وبهذا الشكل سيرتفع التخليص الجمركي عدة أضعاف.ولم يستغرب قاضي “إقدام النظام على استخدام هذه الحيلة فقد ألغى سابقاً قرار إعفاء الوافدين من الرسوم الجمركية عن الأمتعة الشخصية والأثاث”. ويعتبر أن كل ما يفعله النظام هو رفع الأسعار وزيادة مستوى التضخم إذ ليس لدى النظام خطط جادة لتنشيط الاقتصاد والخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة.
بينما يشير رفعت عامر إلى أن النظام خلق ورسّخ أوضاعاً أدت إلى تغير بنية الاقتصاد والقوى الفاعلة فيه وأصبح اللاعبون الجدد هم أمراء الحروب ورجال المافيات، ومن ناحية أخرى يدرك النظام أن تأزم الأوضاع المعيشية للسكان لن تسقطه ولديه دوما المبررات الجاهزة، والأهم بالنسبة له أن يوفر للشريحة الضيقة الموالية له مصادر نهب تبقيها في فلكه، لافتاً إلى أن هذه المصادر تقلّ تدريجيا بعد حالة الفقر المدقع التي يعيشها أغلب السوريين وبعد أن تم نهب كل ممتلكاتهم ومدخراتهم ولم تعد الحرب تشكل مصدراً كافياً للاغتناء.
ويتوقع المراقبون أن يستمر مسار الأمور نحو الأسوأ ولن يتمكن النظام من دعم السلع الرئيسية في حال كان يمتلك رغبة جدية بذلك أصلاً.