تسود أجواء من الخوف والترقب في مدن وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق، التي باتت تحت سيطرة قوات نظام بشار الأسد، وعادت إلى المنطقة مشاهد الاعتقال المروعة التي عايشها السكان بداية انطلاق الاحتجاجات في مارس/ آذار 2018.
“المفترض أننا في مصالحة ومأمن، لكن الواقع عكس ذلك”، تلُخص هذه العبارة التي قالها أحد المدنيين في الغوطة لـ”السورية نت”، حال عشرات آلاف السكان الذين بقوا هناك، وقرروا عدم التوجه إلى الشمال السوري رغبة منهم في البقاء بأحيائهم.
ويواجه المدنيون مصيرهم لوحدهم داخل مدن وبلدات الغوطة، فالحواجز العسكرية للنظام عادت للانتشار في مناطقهم، وعمليات الاعتقال الواسعة لا تتوقف، والجزء الأكبر منها بهدف التجنيد الإجباري في صفوف “القوات الخاصة”، التي تعوض خسائرها البشرية بجلب شبان من الغوطة ودفعهم للقتال تحت رايتها.
وقال مصدر محلي في مدينة عربين لـ”السورية نت” طالباً عدم نشر اسمه خوفاً على حياته، إنه منذ 5 أيام استقدمت قوات النظام 300 شاب إلى مخفر المدينة، ثم نقلتهم عبر حافلات إلى منطقة الدريج في ريف دمشق، ووقعتهم على أوراق تعهدوا فيها بالالتحاق بعد شهر من الآن في صفوف قوات الأسد.
وعلمت “السورية نت” أن المجندين إجبارياً من القطاع الأوسط في الغوطة الشرقية يتم نقلهم في البداية إلى المركز “350 أغرار” في الدريج والذي يتبع للقوات الخاصة، ويخضع هؤلاء لفترة تدريبية قبل أن يبدأوا خدمتهم الإجبارية في صفوف النظام.
وفي مدينة دوما، قال المصدر لـ”السورية نت” إنه يومياً يتعرض ما بين 15 إلى 30 شخصاً للاعتقال بغية تجنيدهم إجبارياً في صفوف النظام، مشيراً أن الاعتقالات في مناطق الغوطة ليست مقتصرة فقط على الذين يريد النظام تجنيدهم إجبارياً.
وفي نفس السياق، قالت “تنسيقية مدينة دوما”، أمس الأربعاء، إن “النظام اعتقل 75 مدنياً خلال اليومين الماضين، مشيرةً أن من بينهم 9 نساء، وأن مصيرهم مجهول، وأضافت التنسيقية أن هنالك “خوف وهلع داخل دوماً، بسبب الاعتقالات التي تُنفذ على الهوية”.
واعتبرت التنسيقية هذه الاعتقالات رسالة تحدٍ من النظام للراغبين بالعودة إلى سوريا، ليكون مصيرهم “السجن أكانوا من الرجال أو النساء”.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “السورية نت” من مدنيين في الغوطة، فإن البعض ممن أجروا مصالحات مع النظام، يستغلون علاقاتهم مع قوات الأسد، ويتسببون في اعتقال مدنيين كانوا على خلافات معهم.
الحواجز ترهب الجميع
ويجد المدنيون في الغوطة أنفسهم محاصرون في تحركاتهم، فالحواجز التي ينشرها النظام في المدن والبلدات والطرق الواصلة بينها، والتي تنقسم بشكل رئيسي بين “القوات الخاصة”، و”الحرس الجمهوري”، تنفذ اعتقالات انتقامية للمدنيين. ولم يتسن لـ”السورية نت” معرفة العدد التقريبي لأعداد المعتقلين يومياً في عموم مناطق الغوطة.
لكن المصدر الذي تحدث من عربين لـ”السورية نت”، قال إن الحواجز تمارس أعمالاً تشبيحية ضد المدنيين وتعتقلهم، وأن بعضها لا تسمح للمدنيين بنقل أغراض شخصية دون أن تجبر أصحابها على دفع أموال مقابلها.
ومن أبرز الشخصيات حالياً التي تكتسب نفوذاً في الغوطة الشرقية بعد المصالحة مع النظام، “أبو أسامة الشايب”، الذي كان يتولى إدارة المكتب الأمني لـ”لواء فجر الأمة” الذي كان تابعاً لحركة “أحرار الشام” الإسلامية، وهو يعمل الآن برفقة قوات الأسد، بحسب ما قاله مصدر لـ”السورية نت”.
ولا تقتصر الاعتقالات على القاطنين داخل الغوطة، فمراكز الإيواء في ريف دمشق التي نُقل إليها عشرات الآلاف من سكان الغوطة ليست بأحسن حال، ويعيش المدنيون هناك تحت وطأة الاعتقالات التي تطال الشباب بهدف تجنيدهم إجبارياً في صفوف قوات الأسد، وهؤلاء المجندون لا تعرف عائلاتهم عنهم شيئاً بعد سحبهم إلى جيش النظام.
اعتقالات في مناطق “المصالحات”
ويُمثل إجبار النظام للشباب المتبقين في الغوطة على القتال في صفوفه خرقاً واضحاً للاتفاق الذي أعلن “فيلق الرحمن” عن التوصل إليه مع الروس في 23 مارس/ آذار 2018، والذي نص في أحد بنوده على “ضمان عدم ملاحقة أي من المدنيين الراغبين بالبقاء في الغوطة من قبل النظام أو حلفائه”.
وليست الغوطة الشرقية الوحيدة التي يتعرض الشباب فيها بشكل خاص والمدنيين بشكل عام للاعتقال بعد الدخول في “مصالحة” مع النظام بدعم روسي.
وبعيد دخول النظام إلى درعا جنوب سوريا بموجب اتفاق مع فصائل المعارضة هناك، نفذت قوات الأسد حملات دهم واعتقالات واسعة، وهدفها الرئيسي تجنيد الشباب إجبارياً.
وكان بيان لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، ذكر في أغسطس/ آب الماضي، أن قوات النظام اعتقلت المدنيين في إطار مداهمات في منطقة “اللجاة”. وأضافت أن المعتقلين تم اقتيادهم إلى جهة مجهولة.
وبتكرار هذه الاعتقالات والعمليات الانتقامية لقوات الأسد، يخشى اللاجئون السوريون من العودة إلى بلدهم في الوقت الحالي، وتتجاهل روسيا هذه الأفعال وتدعي أن الوضع في سوريا أصبح آمناً وأنها تضمن للاجئين عدم التعرض لهم، لكن جميع المناطق التي تُنفذ فيها هذه الانتهاكات، كان النظام قد دخلها بموجب وساطة روسية، وتطمينات من موسكو للمعارضة بعدم التعرض للمدنيين، وهو ما لم يحصل، بحسب ما يقوله سكان تلك المناطق.
المصدر: السورية نت