دائمًا وأبدًا، لا شيء يعلو على ما هو إنساني؛ ولذلك فإن المطالبة برفع العقوبات الدولية عن سورية مطلب إنساني ومشروع، ويُفترض أن نكون في صفه جميعًا، ولكن..
هذه الـ (لكن) كبيرة، وكبرها يقترب من حجم القضية السورية برمتها.
مبدأ المطالبة صحيح، وليكون التطبيق صحيحًا يفترض -في اعتقادي- أخذ الشروط المرتبطة بالـ (لكن) هذه في الحسبان، والتي أعتقد أنها تتضمن ما يلي:
أولًا- المقدمات: أساسيات لا بدّ منها
لتكتمل الدعوة الإنسانية المحقة، ولتكون ذات معنى حقيقي وصادق، ولتُفهم بحسب منطوقها وما تعلنه، ولنضمّ صوتنا إلى أصوات أصحابها، يُفترض أن تكون عامة وشاملة، ما يعني ضرورة:
1- الإعلان رسميًا عن وقف إطلاق النار نهائيًا؛ إذ لا تمكن محاربة تفشي الفيروس في ظل استمرار القتال، وهذه بديهية ينبغي الإقرار بها.
2- الإفراج عن جميع المعتقلين فورًا ومن دون تردّد، لأن هناك مخاطر حقيقية تتعلق بتفشي الوباء فيما بينهم. هنا لا ينفع -كما يرى بعض أصحاب الدعوة- إنقاذ الموالين وترك المعارضين؛ فإصابة سوري واحد كفيلة بنقلها إلى الآخرين، موالين ومعارضين.
3- ترحيل المجموعات المسلحة القادمة من خارج سورية إلى بلدانها، خصوصًا الميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية، والتي يُعتقد بوجود حالة واسعة من تفشي الوباء في صفوفها، وإغلاق الحدود السورية مؤقتًا أمام القادمين فيما عدا السوريين.
4- السماح بعودة السوريين المهجرين والنازحين إلى بيوتهم تحت رقابة دولية، وبإشراف منظمة الصحة العالمية، فحملة (خليك بالبيت) تعني أولًا أن يكون للموطن بيت، ومن دون ذلك لن يُكتب النجاح لمكافحة انتشار الفيروس.
5- يعلم جميع السوريين، الموالي قبل المعارض (ولا أبالغ في ذلك)، أن هناك احتمالًا كبيرًا لوجود عدد كبير من حالات الإصابة بالفيروس بين السوريين، وأسباب ذلك يعرفها القاصي والداني، ويعلم الجميع أيضًا أن السلطة غير شفافة في هذا الأمر بحكم طبيعتها الأمنية، ما يعني عدم ثقة السوريين، وأيضًا الموالي قبل المعارض، بالأرقام التي تقدمها وزارة الصحة ومسؤولوها، وهذا معناه ضرورة الكشف الفعلي عن حالات الإصابة أولًا، على الأقل تقديم تقدير وسطي للأرقام الحقيقية؛ فالإقرار بوجود 10 حالات فقط إلى الآن لا يحتاج إلى أي مساعدة، ولن تتفاعل معه الجهات الدولية المختلفة بجدية.
لا تحتاج المقدمات الخمس السابقة إلى كثير من الوقت أو الجهد، بل تحتاج إلى قرارات واضحة وصريحة.
ثانيًا- الضمانات: برمجة رفع العقوبات
1- إن عدم صدقية الحكومة من جهة، ونقص كفاءة القطاع الصحي السوري ثانيًا، يفترضان -بالضرورة، وعلى أقل تقدير- عمل مسؤولي الصحة في سورية تحت إشراف ورقابة منظمة الصحة العالمية، ولن يكون هناك نجاح حقيقي في محاربة الفيروس إذا لم يحدث ذلك.
2- الإقرار بخضوع الأجهزة الأمنية والعسكرية حاليًا إلى القرارات التي يمكن أن تتخذها هيئة طبية متخصصة ومستقلة، مؤلفة من أطباء سوريين، من داخل وخارج سورية، ومن أطباء يتبعون إلى منظمة الصحة العالمية، وهذا ضروري لأسباب عديدة.
3- الإقرار بمبدأ عدالة الاهتمام؛ أي إيجاد الآليات الملائمة للاهتمام بكل مناطق سورية وسكانها، بصرف النظر عن سلطات الأمر الواقع حاليًا.
4- السماح بحركة آمنة لمنظمات المجتمع المدني، السورية والعربية والدولية، التي تقع ضمن اختصاصها مكافحة الأمراض الوبائية، وتقديم العون الطبي والغذائي، ليكون ذلك شاملًا جميع السوريين في المناطق كافة.
5- بالضرورة، سيكون رفع العقوبات (أو تقديم المساعدة) جزئيًا، استنادًا إلى تجارب دولية سابقة عديدة، وهنا من الضروري أن يصب ذلك، فعلًا، في إطار رفع كفاءة القطاع الصحي، وتوفير الغذاء والدواء والماء والكهرباء والمعقمات لجميع السوريين، وهذا يحتاج إلى جهة رقابية أو جهة ذات صدقية، فليس من المعقول أو المقبول أن تجد السلطة الحاكمة المال والإمكانات للحرب الدائمة، فيما لا تجده لتوفير مستلزمات الحياة الأساسية للسوريين.
أعتقد أنه لا يمكن أن تؤخذ الدعوة إلى رفع العقوبات بجدية من دون المقدمات والضمانات المذكورة، ولا أعتقد أنها صعبة التطبيق إن كانت الدعوة صادقة في مضمونها الإنساني، ولم تكن دعوة حقٍ يُراد به باطل.
من معرفتنا بآليات العقوبات الدولية، ندرك أنها لن تُرفع عن أي من الشخصيات التي وُضعت في حقها عقوبات خلال السنوات الماضية، كما لن تُطلق عجلة إعادة الإعمار، طالما لم يحدث تغيير حقيقي وجدي في سورية.
الدكتور حازم نهار