إسطنبول – تيم الحاج
موقع تلفزيون سوريا:7/10/2020
لطالما حاولت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، طيلة السنوات الماضية، التفرد بحجة “مكافحة الإرهاب” في سوريا، وعزفت على هذا اللحن آلاف التصريحات السياسية والعسكرية، لتدافع عن نفسها أمام انتهاكات ارتكبتها بحق معتقلين في سجونها وآخرين محتجزين لديها في مخيم “الهول” وغيره، وفق ما وثقت منظمات دولية تُعنى بحقوق الإنسان، على رأسها “هيومن رايتس ووتش”.قررت “قسد” اليوم، تغيير استراتيجيتها تلك، إذ تستعد لإطلاق سراح آلاف السوريين من سجونها ومن مخيم “الهول”، وفق تصريح الرئيسة التنفيذية لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إلهام أحمد، التي بررت هذه الخطوة المفاجئة والمهمة، بعبارة مختزلة “المحتجزون يشكلون عبئاً مادياً على الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا”.تسقط إلهام أحمد بقصد أو من دون قصد في تبريرها هذا، عدة حجج كانت تسوقها في كل مفاوضات أو لقاءات دبلوماسية تجريها لتقوية شوكة مشروع “الإدارة الذاتية” بسوريا، على رأسها أن “قسد” وأذرعها السياسية هي السياج الذي يحمي العالم من الإرهاب المتمثل بمن تحتجزهم في بادية الهول من عائلات تنظيم “الدولة”، الذي انهارت آخر حصونه في آذار 2019، أمام ضربات التحالف الدولي.كما تفتح هذه الخطوة الباب واسعاً أمام أسئلة إشكالية، وفق مراقبين، عن دوافع “قسد” ومكاسبها من هذه الخطوة، وفي هذا التوقيت، وهل أخذت الضوء الأخضر من الراعي الرسمي لها (أميركا) أم أن الخطوات تأتي رداً على تجاهل الغرب لمطالبات “قسد” لهم باستعادة المقاتلين الأجانب وعائلاتهم المحتجزين لديها، إذ يرى مراقبون أن “قسد” تعمل على مرحلتين الآن الأولى تتخلص من السوريين لديها، لتتفرغ في المرحلة الثانية لملف الأجانب كي تبتز به من استطاعت إليه سبيلاً.كيف برر مسؤولو “الإدارة الذاتية” خطوتهم؟لم يكن بيد مسؤولي “الإدارة الذاتية” الذين استضافتهم الوكالات العالمية والقنوات العربية، لتبرير هذه الخطوة، وفق ما رصده موقع تلفزيون سوريا، إلا تكرار ما جاءت به إلهام أحمد، “من أن العبء المالي هو السبب”، الذي دفعهم لذلك.نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية”، بدران جيا كرد، قال إن بعض السوريين غادروا المخيم بالفعل، وإن وتيرة هذه العملية ستتسارع، مشيراً إلى ضرورة تقليص العبء عن المخيم، وتعزيز إجراءات الحد من الحوادث الأمنية التي قال إنها زادت.وساق جيا كرد، عاملاً جديداً لتدعيم خطوتهم، قائلاً إن من بين 28 ألف سوري في مخيم الهول، يوجد نحو 15 ألفاً من المناطق التي يقطنها عرب بشكل أساسي في الرقة ودير الزور، وسيكون بوسعهم العودة إلى مناطقهم، مضيفاً أن كثيرين من الباقين قد لا يتمكنون من المغادرة إذا لم يكن لديهم مكان يذهبون إليه، أو لا يريدون العودة إلى الأراضي التي يسيطر عليها النظام.أما الرئيس المشترك لـ”مسد”، رياض درار، فاعتبر أنه لا معنى لاحتجاز العائلة إذا كان هناك ضامن لحياتهم من أقاربهم، وزاد على ما جاءت به إلهام أحمد، بأنه سيُسمح للعراقيين الراغبين بالمغادرة أيضاً، متوقعاً أن العديد منهم يفضلون البقاء في المخيم خشية اعتقالهم أو محاكمتهم في العراق لصلاتهم بالتنظيم.لكن المسؤول في “الإدارة الذاتية”، أرين شيخموس، أكد أن حكومة بغداد “تماطل في عملية استعادتهم”، وأردف قائلاً “أولئك المتحدرون من مناطق سيطرة النظام، وتلك الخاضعة للسيطرة التركية، فنسعى إلى إيجاد من يضمنهم وإلى إخراجهم”.ما مكاسب ودوافع “قسد” من إطلاق السوريين من الهول؟الباحث في الشأن السياسي، بدر ملا رشيد، يرى في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أنه لا يمكن تصنيف الأسباب الدافعة لهذه الخطوة فقط بالمالية، مع إنها جزءٌ مهم من الواقع، في ظل انسحابٍ قامت به عدة منظمات إبان العملية التركية (نبع السلام) في منطقة شرق الفرات، والتي تبعها تفشي وباء كورونا، وما سببه من تعطيلٍ وتحجيم لعمل كثير من المنظمات الدولية، وفق قوله.ملا رشيد أشار إلى ما اعتبره “الدور القاصر” الذي تقوم به وكالات الأمم المتحدة في منطقة الجزيرة، والمعتمد بشكلٍ رئيسي إلى الآن على نظام الأسد. وقال “هذه الأسباب بمجملها بالإضافة إلى واقع إهمال حقيقة أن المخيم يحوي أكثر من 60 ألف نازح داخلي ولاجئين عراقيين، مع الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة مع عوائلهم، وهو رقمٌ ضخم جداً في منطقة تعاني من شح المياه، وحتى الموارد الطبيعية نتيجة الصراع”.أما فيما يخص تقريباً فترة الثلاثة أعوام الماضية والتي تضخم فيها المخيم بشكلٍ كبير، فيعتقد ملا رشيد أنه كان لدى “قسد” و”مسد” تصور، بأن الدول الأوروبية والدول الأصل لعناصر التنظيم، ستحاول إعادة مواطنيها من هناك، وهو ما كان سيفتح الباب أمامها لإقامة علاقاتٍ دبلوماسية قوية، لكن هذا الأمر لم يحدث، وبقيت معظم تعاملات الدول مع “قسد” في هذا الإطار ضمن التصنيف الأمني، ولم يتحول لتعاملٍ سياسي، على الرغم من قيام هيئة الخارجية ضمن “الإدارة الذاتية” بتبني ملف الأجانب، وأضاف أن “هذا التبني لم يمنحها ما كانت ترجوه من علاقات. لذا فهناك حقيقة تتمثل بالضغط المالي والأمني، وهناك حقائق تتعلق في تهرب الدول الأوروبية والدول الأصل لعناصر التنظيم من استعادتهم، وهو ما يدفع بمسد للإعلان عن هكذا نية”.وحول ما إذا كانت “الإدارة الذاتية” جادة في إخراج السوريين من المخيم، أم أن المسألة فقط للتسويق الإعلامي، يرى الباحث بدر ملا رشيد، أن هناك تصنيفات لعناصر تنظيم “الدولة” المعتقلين لدى “قسد”، فالأجانب يستحيل إطلاق سراحهم في الشروط الحالية، وفق اعتقاده، مضيفاً أن هذا ما أظهره تصريح إلهام أحمد، أما السوريون فيصنفون إلى (مقاتلين، قادة، إداريين، ومتعاونين مع التنظيم) في ملفاتٍ أخرى، وهؤلاء تتم عملية إطلاق سراحهم على دفعات منذ انتهاء سيطرة التنظيم على بلدات سورية، واعتبر أن تصريح إلهام أحمد يُظهر بأنه سيتم تسريع عملية إطلاق سراح هؤلاء السوريين، لكن سيكون وفق ضوابط معينة ضمن السياسات السابقة، عبر وجود كُفلاء وضامنين لهم من العشائر والشخصيات الاعتبارية، وفق ملا رشيد.الباحث في شؤون الجماعات الجهادية بمركز “جسور للدراسات”، عرابي عرابي، قرأ في خطوة “قسد” محاولة للتخلص من العبء، خاصة أن كثيرا من العائلات في المخيم لا يسمح لها بالخروج منه لأنها متهمة بقربها من تنظيم “الدولة”، وضرب على ذلك مثلاً خلال حديثه مع تلفزيون سوريا، قائلاً إن هناك زوجات مع أولادهم ووالدهم مفقود أو معتقل، وهم محتجزون في المخيم منذ سنتين، وعددهم بالآلاف، وهذا شكل مع طول الزمن أعباء مادية وطبية وتعليمية وهناك حذر من أن يتحول الأطفال إلى قنابل موقوتة في المستقبل، معتبراً أن هذا يتوازى مع سعي “قسد” لإصدار عفو عن الذين انتسبوا للتنظيم دون أن يشتركوا في المعارك.الباحث عرابي أشار إلى احتمال وجود مقاربة جديدة لدى “قسد” محورها التقرب من المدنيين وإزالة أسباب التوتر التي قد تدفعهم للانضمام إلى تنظيم “الدولة” خاصة مع تصاعد هجماته في المنطقة، وقال إن هذا لا ينفي احتمال وجود صفقة مع التنظيم نفسه بأن يتم الإفراج عن المدنيين مقابل عدم الهجوم على أماكن معينة في مناطق “قسد” كالسجون والمجالس البلدية والقطع العسكرية، معتبراً أن ذلك سيفيد التنظيم بكل “تأكيد” لأنه سيعزز من حضوره في البادية، ولن ينهي وجوده الخفي في دير الزور والحسكة والرقة.من ناحية أخرى، قد يكون هذا القرار، وفق عرابي، نتيجة مطالب سورية لبدء علاقات ومفاوضات مع “قسد”، ومن ثم فإن إطلاق سراح السوريين المحتجزين في المخيم ستسهم في رفع رصيد “قسد” السياسي وتعزيز تدابيرها الأمنية، إضافة لتسهيل الطريق لها أمام التفاوض مع الأطراف السورية المعارضة كالائتلاف وهيئة التفاوض.الباحث في الشأن السياسي بدر ملا رشيد، خلُص إلى أن قيادة “الإدارة الذاتية” تحاول إحداث ضغطٍ سياسي على الأطراف الدولية والمحلية، بتبني سياسة واضحة فيما يخص المعتقلات الموجودات في مناطقها، في ظل خسارتها الحالية لإمكانية الاستفادة منهم في الحصول على مشروعية سياسية، إذ يبقى الخيار الأقل كلفة هو التقليل من عدد المعتقلين من التنظيم، وقال إن “الإدارة الذاتية” تعتمد في الاتجاه نحو هذا الخيار على حدوث نوعٍ من الاستقرار في بعض مناطق شرق الفرات، وهو ما سيمكنها من عملية ضبط تحركات هؤلاء الأشخاص بعد الإفراج عنهم، واصفاً عملية ضبط تحركاتهم بـ “الملف غير السهل”، معتبراً أن الإبقاء على المعتقلين في ظل مطالبات الأهالي المستمرة بإطلاق سراحهم، وحدوث مشكلات مجتمعية أيضاً يؤثر على الاستقرار في المنطقة بشكلٍ كبير، لذا فهي خطوة متعددة الجوانب والأسباب المحفزة لاتخاذها.نظرة حقوقية وقانونية على خطوة “قسد”مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، اعتبر في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن هذه الخطوة تأتي بعد ضغوط قانونية وحقوقية وإعلامية على الأوضاع المزرية التي يعيشها القاطنون في المخيم، خاصة بعد فضح ممارسات “قسد” التي نجحت بفترة ما في التغطية على هذه الإجراءات التعسفية بحق من في المخيم.ولفت عبد الغني، إلى أن الغالبية العظمى من قاطني المخيم هم بحالة احتجاز تعسفي، إذ يتم منعهم من قبل “قسد” من التحرك بحرية أو حتى مغادرة المخيم والعودة إليه.وتابع أن “قسد” تتهم جميع من في المخيم بأنهم من التنظيم، مع العلم أن لجنة التحقيق الدولية قالت إن الغالبية العظمى ليسوا كذلك، وأوضح أن الرأي الحقوقي والقانوني في هذه المسألة يؤكد أنه حتى وإن كان القاطنون في المخيم من عائلات التنظيم فإن لهم حقوقا إنسانية، ويجب أن تكون لديهم ظروف تراعي كرامة الإنسان.النقطة الأخرى وفق عبد الغني، هي أن هؤلاء يشكلون كلفة مالية على “قسد”، التي لا توفر لهم جميع المتطلبات، إذ تقتصر خدماتها على ما يقدم لها من معونات من منظمات دولية، مع العلم أنها جهة تدعي سيطرتها على المخيم ويترتب عليها سد النقص الذي لا تغطيه المعونات الدولية.وزاد أن “قسد” أصبحت تتعرض لضغط بسبب إجراءاتها في مخيم الهول واحتجاز الناس هناك، خاصة بعد تدهور أوضاعهم الصحية والطبية بسبب كورونا، مما زاد هذا الأمر من تعرضها لانتقادات واسعة من قبل لجنة التحقيق الدولية، التي خاطبت عدة دول للنظر في الأوضاع المزرية في المخيم، وعليه يعتقد عبد الغني، أن “قسد” قررت التخلص منهم.قصة مخيم الهولتقول إدارة مخيم الهول إنه يضمّ أكبر عدد من نساء وأطفال عناصر تنظيم “الدولة” الذين قدرت عددهم بنحو 11 ألف شخص، في حين، يصل مجموع قاطني المخيم إلى أكثر من 65 ألف شخص، موزعين في 13 ألف خيمة، بينهم أكثر من 40 ألف طفل، يعانون ظروفاً إنسانية صعبة.ويبعد المخيم 60 كيلومتراً عن الحدود التركية شرقي الحسكة، وأقيم منتصف التسعينيات ليضم خمسة آلاف لاجئ عراقي، وأعيد افتتاحه منتصف نيسان عام 2016 من قبل “الإدارة الذاتية”.تعداد سكانه لم يتجاوز عشرة آلاف نهاية عام 2018، إلا أن ذلك العدد تضاعف عدة مرات ليصل إلى 73 ألفاً في ذروته، خلال الأشهر الأربعة التي شهدت المعركة الأخيرة بين التنظيم و”قسد”، للسيطرة على قرية الباغوز آخر معاقل التنظيم في سوريا.جُهز المخيم بداية لاستقبال 41 ألفاً فقط، ما سبب ضغطاً كبيراً على المنظمات الإنسانية العاملة فيه، والبالغ عددها 35، وأدى لخلق أوضاع مروعة وشروط لا إنسانية فيه حسب شهادة المفوض الأممي باولو بينهيرو، الذي أجرى تحقيقاً حول المخيم بداية شهر أيلول 2019، في حين أشارت المنظمات الأممية إلى تحسن أحواله تدريجياً.يبلغ عدد حراس المخيم 400 من قوات الأمن الداخلي (أسايش)، حسبما قال قائد “قسد” مظلوم كوباني لصحيفة “The Washington Post” الأميركية