ليفانت- لونا وطفة
جلسةُ البارحة لم تكن اعتيادية، حيث بدأت بتصريح محامي الشاهد بأن عائلة الأخير تم تهديدها في سوريا من قبل المخابرات، لأن ابنهم سيؤدي شهادته في المحكمة، بل إن الأمور أخذت منحى أشدّ خطورة، حيث أن التهديد بني على معرفة مسبقة لأجهزة استخبارات النظام بموعد شهادته!
إذ أن أطراف الدعوى عادة. هم الوحيدون المخوّلون بمعرفة هذا التفصيل، إلى ذلك طلب محامي الشاهد من القضاة السماح للشاهد إخفاء معلوماته الشخصية، ووافق القضاة على ذلك.البحث عن “حيّان محمود” في فرع الخطيبوأدلى شاهدُ البارحة بمعلومات جديدة عن قضية المعتقل والمختفي قسرياً حيَّان محمود، الذي تحدث عنه المدعي والشاهد حسان محمود في جلسته، حيث كان الشاهد جُزءاً من عملية البحث عن حيَّان.
بعد معرفة عائلة الأخير باعتقاله.اقرأ المزيد: مُدّع على “;رسلان”يروي قصص تعذيب وقتل.. شملت أخاهقام أحد أشقاء المدعي حسان، والشاهد الذي فضّل التكتّم على بياناته الشخصية، بالبحث عنه ومحاولة الوصول إليه، ومع معرفتهم أنه معتقلٌ في فرع الخطيب، بدأ البحث بالحديث مع الواسطات. استعانوا حينها بشخص يدعى ل.ج وهو ابن ضابطٍ كبيرٍ، وله طرقه الخاصة للوصول إلى الضباط الآخرين.
بقي البحث محصوراً بين ل.ج والشاهد لحساسية وضع عائلة حيَّان، نظراً لاعتقاله وأخيه حسان في الوقت ذاته، وصعوبة مواصلة أيٍّ من أفراد العائلة لعمليات البحث والسؤال، نتيجة خوفهم من اعتقال يطال أفراداً آخرين منهم، فاستطاع ل.ج أن يصل الشاهد بعميد في القصر الجمهوري يدعى ص.ح، الذي بدوره استطاع تأمين فرصة دخول الشاهد و ل.ج إلى فرع الخطيب للسؤال عن حيَّان، نهاية الشهر السابع، أي بعد اعتقال حيَّان بعشرة أيامٍ تقريباً.حيّان محمود.. أحد قتلى التعذيب في فرع الخطيب تحدّث الشاهد عن تعقيدات دخولهم، واضطرارهم للانتظار قرابة الثلاث ساعات على باب الفرع الأول والثاني، وبعد ذلك سمح لهم بالدخول إلى الطابق الأرضي من فرع الخطيب، وهناك كان قريب حيَّان الذي تم ذكره في تقرير البارحة م.ف بانتظارهم.
دخلوا جميعاً إلى بهوٍ يطلّ على ثلاثة غرف تعذيب يميناً، ومثلها شمالاً الغرف اليسارية كانت مفتوحة الأبواب أما اليمينية فكانت مغلقة.
استطاع الشاهد أثناء الانتظار رؤية المعتقلين مكبلين ومعصوبي الأعين، عراةً إلا من ملابس داخليةٍ وماءٍ سُكب على أجسادهم، جاثون على ركبهم، وعناصر أمن يقومون بضربهم وتعذيبهم.
أما في الغرف اليمينية فكانت الأبواب مغلقة، بيد أن أصوات التعذيب كانت مرعبة كما وصفها. بعد الانتظار تم إدخالهم جميعاً إلى غرفةٍ فيها ثلاثةٌ من المساعدين الرئيسيين لأنور رسلان. قال المساعدون لهم أنهم يستطيعون استلام أغراض حيَّان “لاب توب، جوال، مفاتيح ومحفظة” وأيضاً تقرير طبي يقول أن حيَّان توفي بقصورٍ كلوي حاد.رسلان وتهديداته المتكررةرفض شقيق حيَّان استلام الأغراض والتقرير، لأنه كان لا يزال يأمل أن يكون حيَّان على قيد الحياة. خرجوا جميعاً دون فائدة وحاولوا مجدداً، لكن هذه المرة للقاء المتهم أنور رسلان.
حيث اضطرّ الشاهد حينها لدفع ما يقارب 400 ألف ليرة سورية، لأن ل.ج ادّعى أن العميد ص.ح طلب هذا المبلغ لتأمين اللقاء مع رسلان، وهو ما تمّ بعد ثلاثة أيام تقريباً من ذهابهم في المرة الأولى إلى فرع الخطيب.في هذه المرة ذهب الشاهد مع ل.ج دون شقيق حيَّان، وهناك لم يُسمح لـ ل.ج بالدخول فدخل الشاهد وحده إلى الطابق الأول.
انتظر لمدة ساعة ونصف تقريباً، ثم جاء إليه عنصرين وقاموا باقتياده إلى مكتبٍ يعتقد أنه مكتب العمليات، وليس مكتب رسلان الرئيسي، لأنه كان مكتباً متواضعاً جداً، فيما كان رسلان يشغل منصب رئيس قسم التحقيق، وبالتالي يفترض أن يكون مكتبه فخماً.قال له رسلان حينها: “استلموا الجثة دون مشاكل” ثم ضرب بيده على المكتب، وبإشارة منه تم إخراج الشاهد من مكتبه، أثناء اقتياده للخارج التفت الشاهد إلى الوراء، وقال لرسلان: “كيف لي أن أعرف أين الجثة؟” فأشار له رسلان بيده ليعود وقال له: “أخٌ لحيَّان مهددٌ بالاعتقال والآخر معتقل (يقصد حسان)، وسننظف كل ملف العائلة”.
كان كلاماً مبطّناً مفاده أن يلتزموا الصمت مقابل الإسراع بالإفراج عن حسان، وعدم اعتقال الشقيق الآخر، وصرف النظر عن بقية أفراد العائلة.أكّد الشاهد أنه كان قادراً على سماع أصوات التعذيب حتى وهو داخل مكتب رسلان. أُخرِج بعدها ولم تتجاوز المقابلة العشر دقائق كما قال. أجاب الشاهد على تساؤلٍ لطالما راوده عن سبب ترتيب الزيارة في هذا المكتب بالذات، وسماعه لأصوات التعذيب بهذا الشكل، وكان جوابه الذي قاله للمحكمة أنها كانت رسالة مقصودة كتهديد بمعنى “احذر أو ستكون أنت التالي”، ثم أضاف: “لقد تمنيتُ لو لم أزره أبداً”.رحلة البحث عن جثة “حيان”قام شقيق حيَّان والشاهد بزيارة مشفيي حرستا وتشرين العسكري، بناءً على نصيحة من قريب حيَّان المحقق م.ف، لأن جثث الأفرع الأمنية تتواجد في هذين المشفيين.
..ورسلان يُقحِم اسم”مي سكاف”في مشفى تشرين وصف الشاهد الجثث بأنها أشبه بما رآه العالم في صور قيصر، من حيث أنها عارية وتبدو عليها آثار التعذيب والتجويع، وعليها أرقام على الجبهة والصدر.تم عرض سبع جثث من هؤلاء على الشقيق، وعندما قال لهم أن جثة أخيه ليست بين هذه الجثث غضبوا وأمروه بأخذ أي جثة منهم والانصراف.
علّق الشاهد على هذه الحادثة بقوله “هل يمكن لأحد دون أي رتبة أو أمرٍ مباشرٍ أن يُسلِّم جثة أيٍ كان لأي أحد؟ هذا بالطبع أمرٌ مستحيل”.استمر الأمن السياسي بمراقبة الشاهد واستدعائه لتعبئة استمارة وتصويره كل فترة، كعقوبة كما يظن لرفضه الذهاب لرؤية رسلان، بعد أن قام الأخير بإرسال ثلاثة عناصر من المخابرات إلى الشاهد لإخباره برغبة رسلان بلقائه مرة أخرى، بعد أيام قليلة فقط من زيارة الشاهد له في مكتبه في فرع الخطيب.
أكّد الشاهد الكثير من المعلومات التي سبق وأدلى بها حسان البارحة، كطريقة اعتقال حيَّان، ومصدر المعلومة، والعلاقة العائلية بين م.ف المحقق في فرع الخطيب وعائلة حيَّان، وأيضاً المعتقل السابق ع.ح الذي زاره الشاهد بمدينته حرستا، بعد خروجه من فرع الخطيب، وهناك أخبره عن قتلهم لحيَّان.خوف من رسلان.. رغم وجوده خلف القضبانسُئل الشاهد من قبل القضاة عن سعيه وعائلة حيَّان حينها للقاء رسلان بالذات، فقال الشاهد أن رسلان كان رئيس قسم التحقيق وهو المسؤول المباشر عن ملفات التحقيق في فرع الخطيب، وعن المعتقلين، وهذا ما أكده لهم ل.ج وأيضا العميد بالقصر الجمهوري ص.ح.تعرَّف الشاهد على المتهم رسلان عندما طلب منه القضاة النظر إليه، بيد أنه التفت بحذرٍ كبيرٍ محاولاً عدم إظهار وجهه للمتهم، خوفاً من التهديد الذي طاله وعائلته.
قدمت المحكمة أيضاً رسماً باليد من قبل الشاهد، ضمن إطار تحقيقات الشرطة الجنائية، للطابق الأول الذي رأى فيه رسلان، وأماكن غرف التعذيب مع مكان الصالة، التي طُلب منه الانتظار فيها.بعد ذلك أراد محامي أنور التأكّد مما ورد في استجواب الشرطة الجنائية وتوقيع الشاهد على أقواله، ولأن هذا المقطع كان يتضمن معلوماتٍ شخصيةٍ للشاهد، طلبت القاضي الأول من محامي أنور، والشاهد، ومحاميه، والمترجم، والمدّعي العام، التقدم للأمام للتحدث معها دون مشاركة هذه المعلومات مع الحضور.بعد أن تقدموا جميعاً، اعترض السيد شاومر أحد محامي الادعاء على محاولة محامي الدفاع اقتباس بعض مما يقرأه أمام القضاة بصوت مرتفع، وعدم اقتباسه لأجزاء أخرى، فطالبه إما بترك المقطع كاملاً أو اقتباسه كاملاً، فقام محامي الدفاع باقتباسه كله، وكان يتضمن اسم الشاهد ورقم ملفه الذي قاله محامي الدفاع بصوتٍ مرتفعٍ، رغم تنبيه محامي الشاهد له ألا يقرأه.
عمَّ الصمت لمدة دقيقة قاعة المحكمة، وبدت الدهشة على وجوه الجميع، حضوراً وأطرافاً للدعوى، ثم طلبت القاضي استراحة لمدة خمس دقائق.عائلة حيّان محمود تتهم الدفاع عن رسلان بتعمّد كشف هوية الشهودبعد الاستراحة اعتذر محامي الدفاع للشاهد عن تصرفه الذي أكد أنه لم يكن مقصوداً، بيد أنه لم يظهر كذلك، خاصة بعد التأكيد عدة مرات على التهديدات الحديثة التي وصلت للشاهد وعائلته.حول هذه الواقعة قال حسَّان محمود -الذي كان حاضراً الجلسة كمدعي وشاهد- لـليفانت نيوز: “هذا تصرفٌ غير أخلاقيٍ وليس عفوياً أيضاً.
بل أعتقد أنه استراتيجية مقصودة، المتهم رسلان يُعَوِّلُ على تصرف المخابرات السورية في هذه المحكمة، أنا متأكدٌ أنه لايزال على اتصالٍ معهم، وإلا كيف علموا بموعد شهادة الشاهد؟”.انتهت شهادة الشاهد تمام الساعة الثانية ظهراً، وتلاها طلبٌ من محامي المدعي حسان بالسماح له بقول شيءٍ للمتهم. وافقت القاضي ووجه حسان كلامه للقضاة قائلاً: “أريد على لسان والدتي أن أسأل رسلان ماذا حدث لشقيقي حيَّان؟”.رفض محامي أنور الإجابة المباشرة على السؤال وأضاف: “سيعطي موكلي توضيحاً، سأقرأه اليوم إن انتهينا منه قبل نهاية الجلسة، وسيتضمن جواباً غير مباشرٍ على سؤالك”.أرادت القاضي البدء بقراءة جزء من تقرير لمنظمة الهيومن رايتس بعنوان “لم نرَ مثل هذا الرعب من قبل” غير أن محامي الدفاع اعترض على القراءة وتخلل ذلك مشاورات واستراحات كثيرة، قبل أن ينتهوا إلى الاتفاق على القراءة. رسلان وقبل البدء بها قدّم محامي الدفاع توضيح رسلان في معرض رده على سؤال المدعي حسان وقال فيه:
“لم أرَ هذا الشاهد في حياتي، ولم يكن بيننا أي تواصل شخصي. وحتى ل.ج لا أعرفه. كل ما أذكره أن م.ف المحقق في فرع الخطيب جاء إليَّ نهاية الشهر السابع من العام 2012، وأخبرني أن المقدم أحمد نوح قام باعتقال قريبه الطبيب حيَّان محمود من مشفى المجتهد. بحثت عنه ضمن المعتقلين ولم أوفق بالوصول إليه.
هذا كل ما أستطيع قوله عن هذا الأمر”.سألت القاضي المتهم رسلان بعد قراءة محاميه للتوضيح، هل هذا توضيحك أنت؟ فأجاب رسلان بصوته: نعم.بدأت بعد ذلك القاضي بقراءة جزءٍ من التقرير المشار إليه وانتهت الجلسة عصراً. رسلانجلسة اليوم بتاريخ 08.10.20 ستكون مع الصحفي الألماني كريستوف رويتر، صحفي مجلة دير شبيغل للحديث عن علاقته برسلان واللقاء الذي أجراه معه في عمان عام 2013.