محمد كريشان القدس العربي:17/3/2021
«ملك على كومة من الأنقاض».. هكذا وصفت جريدة «لوموند» الفرنسية الرئيس السوري بشار الأسد بعد عشر سنوات من اندلاع الثورة ضد نظامه. وإذا ما بحثنا عن مثل شعبي عربي مرادف لهذا التشبيه فلن نجد أفضل من «خربها وقعد على تلتها».المصيبة لا تقف عند هذا الحد ذلك أن الرجل مقر العزم تماما على الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في يونيو / حزيران المقبل والتي لن تجري طبعا سوى في مناطق سيطرة النظام ودون منافسة وبعيدا عن أي إشراف دولي ولا وفق دستور جديد للبلاد.
ومثلما تساءل الدكتور رياض حجاب رئيس الوزراء السوري الأسبق في لقائه التلفزيوني الأخير عما يمكن أن يتضمنه البرنامج الانتخابي للأسد، فإن ما هو متاح حاليا فعلا ليعرضه الرئيس السوري على شعبه ليس سوى خراب البلد وتمزيقه وجعلهم ساحة مستباحة للقاصي والداني وتشتيت شمل شعبه في الداخل والخارج، وأيضا القول لمناصريه في الداخل الذين ظلوا معه حتى وصل البلد إلى ما وصل إليه، إنه لا يملك لهم إلا مزيدا من التفقير والتجويع.
لقد وصلت الأوضاع المعيشية، في حاضنة النظام نفسه، إلى درك لم تبلغه من قبل بعد اشتعال أسعار المواد الغذائية وفقدان الليرة السورية كل قيمة أمام الدولار في وقت يزداد فيه فساد ونهم الدائرة المحيطة بالأسد ولاسيما زوجته التي ازداد نفوذها بشكل ملحوظ ومستفز.
ورغم كل ذلك، ها هي القوى السياسية الكبرى في العالم تعترف بعد عشر سنوات من المأساة السورية بأنها عاجزة عمليا عن فعل أي شيء فمجلس الأمن الدولي لم يأت في اجتماعه الأخير أمس الأول بأي جديد ولم تجد المندوبة الأمريكية ما تقوله سوى الدعوة إلى عدم الانخداع بالانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا لأنها «لن تكون لا حرة ولا نزيهة.
ولن تُكسب النظام أي شرعية ولن تؤدي إلى أي تطبيع دولي معه».ليس مهما أن يدعو البيان المشترك الصادر عن وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة إلى مقاطعة هذه الانتخابات وإنما أن يشرح معنى ما أورده من أن هذه الدول «لن تتخلى عن الشعب السوري» لأن هذا الكلام قيل من قبل عشرات المرات دون ترجمة فعلية على الأرض حتى فقد كل قيمة.
هذا العجز وقلة الحيلة امتد كذلك إلى المنظمات الدولية من ذلك ما قالته اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن مسار التسوية السياسية الذي يمهّد للسلام في سوريا «معطّل» ووصل إلى «طريق مسدود».من ناحية أخرى، لا أحد يدري بالضبط ماهي هذه «الصيغة الدولية الجديدة» التي دعا إليها موفد الأمم المتّحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسون لإحياء فرص الحل السياسي في سوريا، وماذا يمكن أن يقدمه «اللاعبون السياسيون الأساسيون» الذين قال إنه يجب ان يشاركوا في هذه الصيغة لا سيما الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا والاتحاد الأوروبي ودول عربية.
لا أحد يدري كذلك ما إذا كان الاجتماع الثلاثي الأخير في الدوحة بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وقطر يمكن أن يمثل أي نوع من البداية لمثل هذه الصيغة الجديدة، لا سيما وأن سيرغي لافروف الذي قيل إن جولته الأخيرة تهدف إلى تعويم نظام الأسد والدفع بعودته إلى جامعة الدول العربية لم يجد في الدوحة ولدى الأتراك ولدى الدول الكبرى أي تجاوب لمثل هذا التمشي، عدا التفهم الإماراتي المعزول.
في المؤتمر الصحافي في الدوحة لهذا الثلاثي الجديد، والذي ستتواصل اجتماعاته في تركيا وروسيا، لفت انتباه بعض المتابعين الجيدين للملف السوري أمران أساسيان: الأول التراجع النسبي لروسيا في إظهار الدعم الكامل وغير المشروط لبشار الأسد، على الأقل مقارنة بما كانت تفعله طوال السنوات الماضية، أما الثاني فكان عدم الإشارة إلى إيران وهي التي كانت لها من قبل مع موسكو وأنقرة مشاركة أساسية في كثير من الاجتمــاعات المخصصة لسوريا.
ما فهم من الأمرين، وفق نفس المتابعين، أن موسكو قد تكون شرعت رويدا رويدا في استدارة هامة في تعاطيها مع الملف السوري حتى لا تحرق مراكبها بالكامل مع المعارضة السورية ولا تلعن المستقبل الذي لن يبقى فيه الأسد إلى الأبد، كما أن إيران الغارقة في أزمتها الاقتصادية الحادة والمنغمسة في البحث عن مخرج مع واشنطن لعودتها إلى الاتفاق النووي لم تعد في وضع يسمح لها بإبداء نفس القدر من التصلب في الدفاع عن النظام السوري.
بالتأكيد، لا بد من النظر إلى ما سبق بكثير من الحذر وعدم تحميله أكثر مما يحتمل، لكن الأكيد هو أن التغيير قادم في سوريا وأن أي دولة لا بد أن تعيد حساباتها بما لا يدمّر أي علاقات مستقبلية لها مع سوريا فالدولة هي التي ستبقى، ولو بجروح غائرة، لكن بشار سيرحل يوما كما رحل غيره من قبل.الكل يعيد ترتيب أوراقه وحساباته إلا ذاك الجالس في دمشق على كومة الخراب!!
كاتب وإعلامي تونسي