• الخميس , 26 ديسمبر 2024

التهجير البعثي والأسدي لآباء سوريا المؤسسين

محمد ياسين نجار

تميزت سوريا منذ مرحلة الخلافة العثمانية بتوفر الكفاءات البشرية من كل الاختصاصات العلمية وكانت حلب ودمشق إحدى أهم مراكز الإعلام في العالم العربي بالإضافة إلى القاهرة وبيروت؛ حتى الدعوة إلى الإصلاح الديني فإنّ التاريخ خلد المصلح الحلبي عبد الرحمن الكواكبي والذي اعتبر كتابه طبائع الاستبداد من أهم المراجع في الدعوة إلى تطوير النظام السياسي في البلدان العربية، أما على صعيد الجامعات فإنّ جامعة دمشق التي بدأت عام 1903 بكلية الطب والصيدلة، وكلية الهندسة في حلب عام 1946 وبذلك تكون الجامعات السوريا في القطاع الطبي والتقني من أوائل الجامعات العربية في العصر الحديث.

رغم مرارة الاستعمار الفرنسي ونضال السوريين في سبيل تحرر بلادهم إلا أن قسوة النظام الفرنسي لم تصل إلى المستوى الذي وصلت له سوريا ما بعد عام 1963.كان انقلاب حزب البعث عام 1963 بداية لعصر الديكتاتورية والإقصاء الذي عاشته سوريا ولم تخرج منه حتى الآن؛ إلا أن قضية التهجير القسري والنفي التي خضع لها السوريون عامة والطبقة السياسية والمثقفة خاصة كانت أشد وضوحا.

بدا واضحا منذ وصول البعث إلى الحكم أنَّه مختلف عن الانقلابات العسكرية السابقة من ناحية أنها غير مدعومة من الأحزاب السياسية، أما انقلاب 1963 فهو عبارة عن تحالف معقد بين العسكر والسياسيين، وحزب البعث تحول لاحقا إلى مجرد واجهة استغلها العسكريون ومن ثم عائلة الأسد للاستيلاء على الحكم. كانت سياسة التهجير القسري أساسية في نظام حكم البعث لتأسيس نظام ديكتاتوري شمولي؛ فالسوريون لم يقبلوا الديكتاتورية فترة الوحدة رغم إيجابيات كانوا يمنون النفس بها ولطالما حلموا بتحقيقها اتبع تحالف البعث مع القيادة العسكرية سياسة التهجير ضد النخبة السياسية؛ فقد شعر الانقلابيون أن هؤلاء يشكلون خطرًا واضحًا على استقرار حكمه فضيق عليهم مما جعل تلك النخبة تضطر إلى الهجرة المؤقتة وفقا لتصورها؛ لذا فضلوا لبنان النظام الأكثر انفتاحًا وقربًا من وطنهم لمراقبة الأوضاع إلا أن هجرتها طالت كثيرًا ولم تعد غالبيتها إلى سوريا.

كانت سياسة التهجير القسري أساسية في نظام حكم البعث لتأسيس نظام ديكتاتوري شمولي؛ فالسوريون لم يقبلوا الديكتاتورية فترة الوحدة رغم إيجابيات كانوا يمنون النفس بها ولطالما حلموا بتحقيقها.نفذ الانقلابيون تلك السياسة من دون أدنى شفقة أو رحمة؛ فلم يكن يخلد في ذهن أي سوري أن تتم مكافأة الآباء المؤسسين ومن ساهم في بناء سوريا الحديثة واستقلالها بالتهجير والإبعاد عن الوطن وحتى منع دفن رفاتهم فيها؛ ومن دفن كان بتدخل دولي كما حصل مع الرئيس شكري القوتلي الذي مات في بيروت عام 1967حزنًا وكمدًا على ضياع الجولان على يد حافظ الأسد ولولا ضغط الملك فيصل رحمه الله لما دفن في دمشق مع امتناع السلطة الحاكمة عن المشاركة الرسمية بجنازته، أما الزعيم رشدي الكيخيا فدفن في قبرص عام 1987 ولم تتكحل مدينته حلب حتى برؤية رفاته ووداعه بالشكل اللائق لزعيم قدم كل ما يملك في سبيل رفعة وطنه وكذلك الرئيس ناظم القدسي الذي دفن في عمان 1998ورئيس الحكومة خالد العظم الذي خلد التاريخ بناءه لميناء اللاذقية مات فقيرًا في بيروت عام 1965 بعد الاستيلاء على أملاكه.وإذا ما تم استعراض تلك الأسماء نرى أنها شملت شخصيات وطنية بامتياز امتلكت رؤية واضحة لتطوير سوريا والنهوض بها فلا يمكن لعاقلٍ أن يقوم بتخوينها فما بالك أن يخسر إمكانياتها وخبراتها أمثال معروف الدواليبي ومصطفى الزرقا ومأمون الكزبري وعصام العطار وعلي الطنطاوي ومحمد المبارك.

تابعت المنظومة العسكرية سياسة التصفية فيما بينها فحتى قادتهم قاموا بتهجيرهم أمثال أمين الحافظ وصلاح البيطار، أما ميشيل عفلق المؤسس للبعث وزعيمه التاريخي فقد ذاق من نفس الكأس الذي أذاقه لشركائه في الحكم فترة الديموقراطية فهرب إلى بغداد عام 1965 ودفن فيها عام 1989 ونفس الشيء حصل مع أكرم حوراني الذي دفن في عمان 1996وصلاح البيطار فقد اغتاله الأسد الأب في باريس 1980 ودفن في بغداد.لعبت حرب 1967 دورا رئيسًا في الإفراج عن المعتقلين من كل الأطراف من الرئيس أمين حافظ واللواء محمد عمران إلى قيادات في الإخوان المسلمين من أمثال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وفوزي حمد وعادل كنعان؛ كل الأسماء المذكورة غادرت لاحقا سوريا وتوفيت خارجها أما اللواء عمران فقد اغتيل في طرابلس عام 1972.بعد هزيمة 1967 أجمع البعثيون والمعارضون على تحميل حافظ الأسد وزير الدفاع في تلك الفترة أسباب الهزيمة بل إنَّ المحللين السياسيين أجمعوا لاحقا على أنها كانت خيانة وصفقة لاعتماده لاحقًا رئيسا للجمهورية، هنا بدأ الأسد يشعر أن اللجنة العسكرية في البعث والتي يقودها الرائد صلاح جديد أصبحت تشكل خطرا حقيقيا عليه؛ فلقد أصبحت الساحة السياسية السورية خالية ولم يبق أمامه من منافسين إلا صلاح جديد والمقربين منه مثل عبد الكريم الجندي الذي انتحر عام 1969 في مكتبه محذرًا من حافظ الأسد ومطامعه وإبراهيم ماخوس الذي هرب إلى الجزائر وتوفي فيها عام 2013 ويوسف زعين الذي اعتقله حافظ الأسد ولم يفرج عنه إلا بعد إصابته بالسرطان فأفرج عنه عام 1981 للعلاج فهاجر إلى السويد وتوفي فيها عام 2016.كرر حافظ الأسد عملية النفي والتهجير في الثمانينات لمن لم يستطيع تغيبهم في السجون فهاجرت الكثير من الكفاءات السورية من كفاءات علمية أطباء ومهندسين وحقوقيين وأساتذة جامعات وحتى علماء دين أمثال الشيخ طاهر خير الله والشيخ محمد عوض الذين دفنوا في المدينة المنورة خوفًا من التنكيل بهم؛ فسجون البعث والأسد لا ترحم ولا يمكن لإنسان استيعاب ما يحصل فيها من تعذيب.حاول الأسد الأب في أواخر حكمه التخفيف والسماح بالعودة لبعضهم مع عدم السماح لهم بممارسة السياسة بعد توقيعهم على تعهد بذلك من خلال وزيرة شؤون المغتربين بثينة شعبان والأجهزة الأمنية أو المشايخ أمثال البوطي تمهيدًا لتوريث الحكم لابنه.

إن سياسة عائلة الأسد في التهجير الممنهج ساهمت في إفراغ سوريا من الشخصيات الكاريزمية المؤثرة في المجتمع مع بداية الثورة السورية طبق بشار الأسد نفس طريقة والده بتهجير الشخصيات المؤثرة مجتمعيًا من سياسيين ومثقفين وفنانين والتي عارضت خياره الأمني في معالجة مطالب الثوار فمارس عمليات تضييق أمني ممنهج ضدهم فاضطرت لاحقا للهجرة.

إن سياسة عائلة الأسد في التهجير الممنهج ساهمت في إفراغ سوريا من الشخصيات الكاريزمية المؤثرة في المجتمع السوري وشملت عمليات التهجير أيضا رجال الأعمال الذين شعروا أن استثماراتهم أصبحت مهددة بعد أن شملها التأميم مرتين الأولى في مرحلة الوحدة والثانية في مرحلة ما بعد 1963 وتعميم الشعارات الشعبوية التي تهاجم البرجوازية وملاك الأراضي لدق إسفين عميق داخل المجتمع السوري تسمح لهم لاحقًا بالسيطرة على حكم سوريا من دون أدنى مقاومة مما نتج عنه ضعف شديد للدولة السوريا على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية ومنع ارتقائها إلى مستوى كانت سوريا تنافس خلالها دولًا صاعدة أمثال كوريا الجنوبية وتايلند وماليزيا.

إن حديث روسيا ونظام الأسد عن عودة المهجرين ما هو إلا ذر للرماد في العيون هدفها الرئيس تعويم نظام الأسد، فالكفاءات السورية لن تقبل بالعودة ما دامت عائلة الأسد في الحكم والبقية شاهدت بأم عينها ما كان غائبا عنها في بلاد الغربة من حيث أساليب الحكم وإن الحاكم مجرد مواطن يعود بعد انتهاء ولايته إلى حياته الطبيعية وليس إلهً غير قابل للنقاش؛ فهل تكون التغريبة التاريخية السوريا درسا للسوريين مستقبلًا تمنع تكرارها من خلال حل سياسي متكامل ودستور فاعل يكون الشعب عماده؟ أم تعاد كرَّة انقلاب 1963ولا يُتعظ من دروس التاريخ!!!؟

جدول بنخب سوريا التي هجرت ووارت الثرى خارج وطنها(حسب تاريخ الوفاة)

الاسم _ المحافظة _ مواليد _الحزب _ المنصب_ والدراسة _عام الوفاة

1_خالد العظم _ دمشق_ 1903_ مستقل_ رئيس حكومة _حقوق لبنان – 1965

2_شكري القوتلي_دمشق_1891الوطني _ رئيس جمهورية_ سياسة وإدارة_بيروت-دمشق -1967

3_حسني البرازي_حماة_1895_الكتلة الوطنية_رئيس حكومة_ حقوق_تركيا – 1975

4_صلاح البيطار_دمشق_1912_البعث_رئيس حكومة_فيزياء_باريس-بغداد-1980

5_محمد المبارك_دمشق_1912_إخوان مسلمين_وزير _حقوق _الرياض 1981

6_رشدي كيخيا_حلب_1899_الشعب_رئيس برلمان_الكلية الإسلامية_نيقوسيا- 1987

7_ميشيل عفلق_دمشق_1910_البعث_وزير_تاريخ_بغداد 1989

8_طاهر خير الله_حلب_1922_مستقل_شريعة_المدينة المنورة-1989

9_عبد القادر عيسى_حلب_1920_مستقل_شيخ _طريقة صوفية_إسطنبول-1991

10_عمر بهاء الدين الأميري_حلب_1916_إخوان مسلمين_سفير_حقوق_الرياض-1992

11_أكرم حوراني_حماة_1911_البعث_نائب رئيس الجمهورية_حقوق_عمان- 199

12_فوزي حمد_حلب_1927إ_خوان مسلمين_نائب رئيس حزب_دكتوراة في الهندسة_الرياض – 1996

13_ناظم القدسي_حلب_1906_الشعب_رئيس جمهورية_دكتوراة في القانون_عمان -1998

14_مصطفى الزرقا_حلب_1925_مستقل_وزير_حقوق وشريعة_الرياض -1999

15_علي الطنطاوي_دمشق_1909_مستقل_قاض وأديب_مكة المكرمة-1999

16_عمر عودة الخطيب_دمشق_1926_إخوان مسلمين_وزير_حقوق وشريعة_الرياض-2003

17_معروف الدواليبي_حلب_1909_الشعب_رئيس حكومة_دكتوراة في القانون_الرياض-2004

18_حسن هويدي_دير الزور_1925_إخوان مسلمين_رئيس حزب_طبيب_عمان-2009

19_محمود بابللي_حلب_1922_إخوان مسلمين_دكتوراة في الحقوق_الرياض-2009

20_محمد عوض_دمشق_1931_مستقل_دكتوراة في الشريعة_المدينة المنورة-2009

21_إبراهيم ماخوس_اللاذقية_1925_البعث_وزير _طبيب_الجزائر-2013

22_يوسف زعين_دير الزور_1931_البعث_رئيس حكومة_طبيب_السويد- 2016

23_عادل كنعان_حلب_1925_إخوان مسلمين_حقوق_الدوحة – 2018.

إعداد : محمد ياسين نجار

مقالات ذات صلة

USA