هشام اسكيف /موقع تلفزيون سوريا
مع وصول الثورة الشعبية في سوريا إلى الذروة، كان أحد الحلول المطروحة فعلياً وتم مناقشته عربيا وحتى إقليمياً ودولياً هي الحالة اليمنية ـ أي أن يقوم بشار بتسليم السلطة لنائبه فاروق الشرع حينها ليقود الأخير العملية الانتقالية ـ كما فعل علي عبد الله صالح حين سلم السلطة لنائبه “عبد ربه منصور هادي” تنفيذاً للمبادرة الخليجية آنذاك وتم تداول هذا الحل كحل آمن يؤمن انتقالا سلساً للسلطة ويعطي ضمانات لأعمدة النظام بانفكاكهم التدريجي عن النظام ولكن القرار الإيراني حينها هو الذي تم فرضه ومنعت إيران وقتها بشار الأسد من اتخاذ أي خطوة من ذلك القبيل، وبالعودة إلى اليمن ومع مرور الزمن ومراوغة علي عبد الله صالح في تسليم السلطة مروراً بمحاولة اغتياله، انقلب علي عبد الله صالح على المبادرة وتحالف مع إيران (الحوثيين) ودخل صنعاء مرة أخرى شريكاً في الحكم وبعدها شنت المملكة العربية السعودية مع التحالف العربي عملية عاصفة الحزم لمواجهة الحصار الذي تسعى إيران لفرضه عليها شمالاً في سوريا ولبنان وجنوباً اليمن وشرقاً في العراق، لعب حينها علي عبد الله صالح على كل الحبال وقفز على الزانة متجاوزاً حواجز الدول لاعباً على كل المصالح الدولية إلى أن اصطدم بحائط الصد الإيراني الذي يريد اليمن قاعدة انطلاق تجاه الجزيرة العربية، إيران التي لم تكترث للرئيس المنقلب الذي أعطاها الغطاء القبلي وشبه الرسمي لانقلاب الحوثيين (إيران)، وهمشته وهمشت قياداته، فلم يمضِ وقت طويل حتى قفز علي عبد الله صالح على الزانة مرة أخرى وأعلن الثورة ضد الحوثيين طالباً من قواته ومناصريه الاصطدام مع الحوثيين على ما يبدو ضمن صفقة سعودية أميركية تُحاصر فيها إيران – لاستكمال التحضيرات للرئيس “دونالد ترامب” حينها للانسحاب من الاتفاق النووي ـ هذا الانسحاب الذي جاء بعد ذلك بنحو ستة أشهر – لم يمر على تلك الدعوة أيام قليلة جداً حتى قام أعداء الأمس وحلفاء الأمس وأعداء اليوم بإلقاء القبض عليه وقتله.
بشار الأسد وخيارات علي عبد الله صالح
الإمارات ومخاوف من مصير “رأس المملوك جابر”
تتحرك كل من الإمارات والأردن في الملف السوري من خلال دور يريدان الانخراط به، هذا الأمر مفهوم بالنسبة للأردن أما الإمارات التي لا تمر بأي عائق اقتصادي فهي تريد الاقتراب من دائرة التأثير الأميركية من بوابة إسرائيل وتقليص النفوذ الإيراني في سوريا لصالح إسرائيل، لاسيما أن الإمارات كانت مقربة من إدارة الرئيس السابق ترامب ولكنها لم تحتفظ بنفس المكانة في عهد الرئيس بايدن ولكنها اخترقت هذا الجدار باتفاق التطبيع مع إسرائيل واقتربت من بوابة الولايات المتحدة عبر هذا الاتفاق. جرى اتصال هاتفي ببشار الأسد من الإمارات من ولي عهد أبو ظبي، ومن ثم تبعه آخر مع إيران ثم زيارة النصف ساعة من وزير الخارجية الإماراتي ثم ترحيب إيراني مع أن الرسالة التي حملها بن زايد إلى الأسد كانت تفيد بالمعادلة السابقة (استمرارك = إبعادك لإيران ) وطبعا لإظهار أن الزيارة حققت هدفها ساند الزيارة ضخ إعلامي يفيد أن الزيارة بدأت تؤتي ثمارها فنشر موقع “العربية نت” التابع لقناة العربية التي تبث من دبي أخبارا تفيد بخلاف بين إيران وبشار الأسد أدى الى إبعاد الأخير لجواد غفاري الشخصية التي خططت ونفذت عملية (دبيب النمل) وحصار واحتلال حلب وهذا عار عن الصحة حيث إن إبعاد “غفاري أتى كنتيجة لأجواء الريبة التي تعيشها طهران تجاه التحركات العربية لدمشق، ويبدو أن إيران باتت تخشى من خسارة مشابهة لقاسم سليماني والذي تسربت معلومات رحلته من مطار دمشق.
تخشى الإمارات من نهاية مشابهة لقصة سعد الله ونوس (مغامرة رأس المملوك جابر الذي نقل رسالة على رأسه للعدو ولكن المرسل ذيلها بأن اقطع رأس الذي أوصل لك الرسالة)
هذه المخاوف تثبت أن إيران بدأت تفقد الثقة فعليا بالنظام الذي بات يشعرها بالخوف لاسيما أن كل ذلك التحرك بدفع روسي منظم ومنسق فبشار الأسد أضعف بعشرات المرات من أن يبعد مسؤولاً صغيراً تابعاً لإيران فما بالك بمسؤول بحجم جواد الغفاري، بل إن ما حدث هو العكس؛ حيث أعلنت إيران زيادة السياحة الدينية إلى سوريا مع توقيع عدة اتفاقيات ووضعها موضع التنفيذ، ولكن الإمارات واستجابةً للضغط الروسي زادت الهامش قليلا فبدأت توحي بانفتاح اقتصادي على النظام مما دفع الخارجية الأميركية إلى ضرب جرس الإنذار لها وللأردن عندما ردت الخارجية على اتفاقيات الإمارات مع النظام بأنها (لم ترفع العقوبات بعد عن النظام) مما يعني أن الإمارات قد تتعرض للعقوبات إذا تابعت في هذا الطريق، وهو تصريح وتهديد رأينا نتائجه بشكل مباشر وفوري من خلال تصريح الأردن ومصر أنهما لا يخططان لزيارة سوريا أي أن المكلف بنقل الرسالة هو الأردن والإمارات ورأينا كيف زار بن زايد عمّان بعد دمشق مباشرة.
تخشى الإمارات من نهاية مشابهة لقصة سعد الله ونوس (مغامرة رأس المملوك جابر الذي نقل رسالة على رأسه للعدو ولكن المرسل ذيلها بأن اقطع رأس الذي أوصل لك الرسالة) فهي التزمت بسحب السفير واقتربت من إكمال سحب الدبلوماسيين من لبنان للضغط على الخاصرة الرخوة الإيرانية.
رأي إيران فيما حصل لا نأخذه من فم تصريح الخارجية التي رحبت بالزيارة بل من كلام قائد ميليشيا حزب الله عندما فسر الزيارة أنها “إعلان هزيمة المشروع الغربي الإرهابي على سوريا وانتصار لمحور المقاومة”، في تصريح أوضح من الشمس أننا لن نتزحزح من سوريا. لا أعتقد أن نهاية بشار الأسد ستكون مختلفة كثيراً عن نهاية علي عبد الله صالح فيما إذا قرر (وهو في طريقه لذلك) القفز بالزانة على المنقذ الإيراني، لأن الانفكاك من قبل نظام بشار من الطوق الإيراني لن يعني أبداً نهاية سعيدة له ولرأسه بل صورة علي عبد الله صالح الذي قفز كثيراً على الحبال وانتهى بالقتل على يد الحوثيين (إيران) لابد أن تبقى حاضرة كنهاية حتمية لهذا الانفكاك