تطرق تقرير جديد نشره موقع ” الديلي بيست” إلى معاناة اللاجئين السوريين الذي تسعى السلطات اللبنانية إلى إعادتهم إلى سوريا بالتنسيق مع نظام (الأسد)، حيث رصد التقرير تجمعاً لمئات السوريين في نقطة تفتيش عسكرية تابعة للجيش اللبناني في عرسال، بعد أن تم إبلاغهم في وقت سابق بترك أمتعتهم البسيطة والاستعداد للعودة إلى سوريا.
ويصف التقرير الظروف التي تجمع بها الناس للعودة، حيث حرارة الصيف الحارقة، مع تواجد لسيارات الصليب الأحمر التي أسعفت أحد الرضع الذين أغمي عليهم من الحرارة؛ بينما حاولت النساء خصوصا الكبار في السن ترطيب حجابهن كطريقة للتغلب على لهيب الصيف في الوقت الذي علت فيه أصوات الأطفال بالبكاء نظراً للتأخير والظروف غير المريحة التي مروا بها.
ومع كل ذلك، لم يشتك أحد من الوضع، حيث يشير التقرير إلى حالة الخوف التي كان السوريون يشعرون بها بسبب التواجد الكثيف للجيش اللبناني.
ولم يكن الوضع أفضل حالاً عندما حاولت إحدى الصحفيات اللبنانيات سؤال صبي يبلغ من العمر 6 سنوات عن شعوره بالعودة، حيث حاولت استنطاق الطفل لحصولها على الإجابة التي ترغب بها وذلك بعد أن أختبأ خلف ساق أمه رافضاً التعبير عن “حماسه بالعودة” إلى سوريا.
حتى عندما أجاب البعض عن الأسئلة الموجهة إليهم بدا وكأن الأجوبة قد تدربوا عليها، وذلك بسبب تطابقها الشديد مع بعضها ومعاكستها لأمر الواقع.
قالت إحداهن “نحن سعداء للغاية بالعودة إلى البلد” بينما كانت عيناها تتركزان على الأرض مضيفة “اللبنانيون كانوا جيدين معنا”. وعلى مسافة قصيرة منها قال رجل شيئاً مماثلاً “بالطبع أنا سعيد.. الواحد مننا دائما يشعر بالسعادة وهو بطريق العودة إلى الوطن”.
فهل الأمر كذلك بالنسبة لهؤلاء؟ يصف التقرير صوت الرجل، الذي أنكسر فجاءة بعد تعبيره عن “السعادة بالعودة” حيث قال وهو يبعد وجهه عن الميكرفون وعيناه مليئة بالدموع “أتمنى أن أجد بيتي على حاله عندما أصل إلى هناك، لا نعلم أي شيء فيما يتعلق بالعودة” ومن ثم قال يائساً “العلم عند الله. إذا كان مقدر لنا الموت، سنموت، إلا أن ذلك أفضل من البقاء هنا”.
مصير مجهول
الباحث اللبناني في منظمة حقوق الإنسان (بسام خواجة) نوه إلى أننا “لم نصل بعد إلى مرحلة يمكن فيها القول بأننا أمام عودة واسعة ومنظمة، وذلك ببساطة لأن الظروف غير مواتية” والسبب بحسب (خواجة) وجود “عنف متواصل” حيث قامت المنظمة “بتوثيق أدلة لعمليات تعذيب جماعي يقوم بها النظام السوري ضد المدنيين السوريين في برامج الاحتجاز الجماعي. كما رأينا قوائم مسربة لإعداد كبيرة من الأشخاص المطلوبين للنظام، ومن الصعب جداً في هذه الحالة تقديم حجة مفادها أن سوريا آمنة فعلياً أمام الناس الراغبين بالعودة”.
كما أنه من غير الواضح بحسب التقرير ما إذا كان بإمكان العائدين الحصول على منازل للعيش فيها عند عودتهم، وذلك بسبب الدمار الحاصل في معظم المناطق السورية، بالإضافة إلى القانون رقم 10 الذي أصدره النظام، وهو القانون الذي ينظر إليه على أنه محاولة من النظام لتغيير التركيبة السكانية في سوريا.
ويرى التقرير أن هناك بعد طائفي للقانون الذي يستهدف السنة، طائفة معظم اللاجئين السوريين. وهي محاولة مبطنة لإبعاد خصوم (الأسد) عن أصولهم وإعادة إعمار المناطق الحساسة مع الموالين له.
الهروب إلى الأمام
كما يشير التقرير إلى أن مخاوف العديد من السوريين العائدين إلى سوريا لا تضاهي البؤس الذي يعيشونه في لبنان. في مخيم عرسال قال (خالد – 36 عاماً) وهو اسم مستعار، اضطر لاستخدامه خوفاً من النظام، إنه وضع اسمه في قائمة الراغبين بالعودة على الرغم من معرفته أنه سيتم سوقه إلى “الجيش” عندما يصل إلى هناك.
وهذا من شأنه بحسب التقرير أن يترك زوجته وبناته الثلاث لأخطار عظيمة متل عصابات الشبيحة المشهورة بالعنف الجنسي الذي تمارسه على اللاجئين عند عودتهم.
“إذا أردت العيش هنا، لا أستطيع العمل” قال (خالد) صاحب العينين المرهقتين، موضحاً “أنا سجين هذه الخيمة. لا أستطيع فعل شيء، بالكاد أستطيع إطعام أطفالي. هذه ظروف لا تطاق. لا يمكن لأحد أن يعيش هكذا. لا أستطيع ضمان عودة آمنة، ولكن ماذا عليّ أن أفعل؟ هذا أشبه بكابوس حي. ما زالت غير قادر على فهم كيف أنتهى بي الأمر على هذه الحال. يبدو وكأنه مجرد حلم”.
ما يزيد الأمر سوءاً، اعتقال شقيق (خالد) عند إحدى نقاط التفتيش، بسبب رسالة على هاتفه لا معنى لها، إلا أنها أثارت شكوك الضباط هناك. ترك شقيقة أربع بنات خلفه، يعشن مع (خالد) في غرفة صغيرة واحدة توجد فيها بناته الثلاث وزوجته وأمه.
في الواقع، المخيم الذي يعيش فيه (خالد) على وشك أن يتم هدمه، الأمر الذي ستسبب بطرد مئات السوريين المقيمين فيه ما لم يتمكنوا بحسب التقرير من جمع 4,000 دولار في نهاية الشهر.
واختتم (خالد) حديثه متمنياً الموت في سوريا على استمراره بالحياة على هذه الحال، قائلاً “أفضل الحرب على العيش في لبنان. أود الموت عن طيب خاطر للحفاظ على ما تبقى من كرامتي”.
المصدر: أورينت نيوز