أكدت ثلاثة مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى، اثنان منها غربية، في مجلس الأمن الدولي، لـ”العربي الجديد”، أن الدول الأعضاء في المجلس تمكنت من التوصل إلى اتفاق حول مسودة مشروع قرار للتجديد لعمل الآلية العابرة للحدود (باب الهوى) لشمال غرب سورية، ولستة أشهر إضافية.
وسيصوّت المجلس على مشروع القرار صباح غد الإثنين، فيما من المستبعد أن تستخدم روسيا حق النقض (الفيتو)، بحسب مصدر دبلوماسي غربي. وقال المصدر: “نتوقع أن تمتنع روسيا، وربما الصين، عن التصويت تحت نفس الحجج السابقة.
ولكن عدم استخدام الفيتو يعني أننا سنحصل على تجديد، وهذا أهم ما في الأمر
المفاوضات مع روسيا “سلسة نسبياً”ووصف مصدر آخر عملية المفاوضات مع الجانب الروسي على التجديد للأشهر الستة الإضافية بأنها “سلسة نسبياً، إذا ما قارناها بالمفاوضات على مسودات سابقة”.
وأضاف: “لقد جرت أغلبها على أمور تقنية وتفاصيل عادية تحدث في كل المفاوضات، وطبعاً مع عودة للعواصم، ولكن من دون تغييرات كبيرة أو دراما عهدناها في مفاوضات سابقة”.
وقال مصدر آخر، اطلع على تفاصيل المفاوضات كذلك: “لاحظنا أن الجانب السوري لم يقدم اعتراضات جوهرية على المسودة”. وفي العادة تجرى مشاورات، غير رسمية، مع الأطراف المعنية بالمسودة (والتي لا تكون عضواً في مجلس الأمن) من مبدأ سيادة الدول. كما أن تطبيق أي قرار يحتاج إلى تعاون جميع الدول التي يخصها الأمر.
المفاوضات جرت من دون عوائق كبيرة
وتوقع مصدر ثالث أن تقدم روسيا، خلال جلسة التصويت المفتوحة الإثنين المقبل، اعتراضاتها وتصريحاتها المعتادة، مؤكداً، في الوقت ذاته، أن “المفاوضات جرت نسبياً من دون عوائق كبيرة. أما ما سيحدث بعد ستة أشهر، أي عند انتهاء المدة والتفاوض على مسودة جديدة، فهذا شأن آخر”.
وعبر المصدر عن أمله “ألا تغير موسكو رأيها في اللحظة الأخيرة. إن آخر ما يحتاجه السوريون الآن هو الخوف مجدداً من تلاشي الأمل الضئيل الذي لديهم باستمرار الحصول على المساعدات العابرة للحدود. نأمل ألا يحدث أي تغيير في موقف موسكو في اللحظة الأخيرة”.
ووضعت المسودة الأسبوع الماضي تحت إجراء “فترة الصمت”، بعد الاتفاق عليها من الناحية المبدئية، ولم تكسر أي من الدول الأعضاء فترة الصمت تلك. وإذا لم تعترض أي من الدول في المجلس على المسودة وتكسر الصمت، فمن يمكن بعدها الانتقال إلى المرحلة التالية، ووضع المشروع بـ”اللون الأزرق” لمدة 24 ساعة على الأقل قبل موعد التصويت الرسمي.
وهذا ما حدث صباح أول من أمس الجمعة. وقد تطلب أي دولة تغييرات في اللحظة الأخيرة أو حتى في يوم التصويت، ولكن هذا مستبعد حتى اللحظة، بحسب عدد من المصادر الدبلوماسية رفيعة المستوى.
تغييرات في التفاصيل التقنية على مسودة القرار
وحصل “العربي الجديد” على نسخة من المسودة التي سيصوت عليها مجلس الأمن غداً الإثنين. ويتطابق نصها مع نص القرار 2642 (2022) عموماً، مع تغييرات في تفاصيل تقنية تتعلق بالتواريخ، وبعض الحيثيات في الفقرة الثانية (ما يسمى بالفقرات العاملة).
وتنص المسودة على أن المجلس يقرر “تمديد العمل بالإجراءات التي أقرها في الفقرة الثانية من قراره 2642 (2022)، وتمديد العمل بالفقرتين 2 و3 اللتين أقرهما قراره 2642 (2014)، لمدة ستة أشهر، أي حتى 10 يوليو/ تموز 2023، وذلك فقط عبر معبر باب الهوى الحدودي.
ويطلب من الأمين العام (للأمم المتحدة) أن يقدم تقريراً، خاصة بشأن الاحتياجات الإنسانية في سورية في موعد أقصاه 10 يونيو/ حزيران 2023″.ولم يطرأ تغيير جذري على بقية الفقرات، حيث يشير نص المشروع في الديباجة إلى التزام مجلس الأمن بسيادة سورية ووحدة أراضيها.
ويشير إلى قراراته السابقة المختلفة وبياناته الرئاسية. كذلك، ينص على أن مجلس الأمن “يرحب بجميع الجهود الجارية، ويحث على تكثيف ما يتخذ من مبادرات إضافية من أجل توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية في سورية، بما في ذلك مشاريع الإنعاش المبكر الهادفة إلى توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية والتعليم والمأوى والكهرباء، حيثما كانت ضرورية، لاستعادة إمكانية الحصول على الخدمات الأساسية التي تضطلع بها المنظمات الإنسانية. ويدعو الوكالات الإنسانية الدولية الأخرى والأطراف المعنية إلى دعمها”.
ويطلب إحاطة شهرية حول الوضع الإنساني من مكتب الأمين العام، وأن يقدم تقريراً بانتظام كل 60 يوماً على الأقل بشأن تنفيذ القرار ذي الصلة.وكانت الأمم المتحدة قد حذرت في أكثر من مناسبة من التبعات الإنسانية في حال لم يتم التجديد للآلية.
الفشل في تمديد القرار يهدد حياة الملايين
وفي تصريح لـ”العربي الجديد”، قالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، شذى مغربي، رداً على أسئلة حول الموضوع، إن “موقفنا من هذه القضية كان دائماً واضحاً، إن الفشل في تمديد القرار 2642 (الآلية العابرة للحدود) سيعني أن حياة ملايين السوريين ستكون مهددة”.
وأضافت: “تمكنت الأمم المتحدة وشركاؤها العاملون في المجال الإنساني من توصيل المساعدات المنقذة للحياة إلى نحو 2.7 مليون شخص عن طريق تركيا (معبر باب الهوى) كل شهر، من بينهم 1.3 مليون شخص يتلقون مساعدات غذائية يقدمها برنامج الأغذية العالمي”.
ولفتت إلى أن برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، أدخل 812 شاحنة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إلى شمال غرب سورية عن طريق المعبر، تحتوي على 18 ألف طن متري من المساعدات الإنسانية.
وأوضحت أن “80 في المائة من تلك الشحنة كانت عبارة عن مساعدات غذائية منقذة للحياة، وهي مساعدات حيوية، خاصة في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعيشها سورية، حيث قفزت أسعار المواد الغذائية، خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى قرابة عشرة أضعاف.
وبالكاد يغطي متوسط الدخل في سورية نصف الاحتياجات الغذائية الشهرية لأسرة متوسطة، ناهيك عن الرعاية الصحية والتعليم”.
وأشارت إلى أن “هناك عائلات وصل حجم العوز والفقر عندها إلى درجة يضطر فيها الآباء والأمهات للعزوف عن تناول جزء من وجباتهم الأساسية من الغذاء من أجل تغذية أولادهم، في محاولة للتكيف مع تغطية نفقاتها. وفي بعض الأحيان يتخذون قرارات صعبة، مثل إخراج الأطفال من المدرسة لتوفير المال”.
تحذير أممي من تدهور الوضع الإنساني
وكان عدد من المسؤولين الأمميين في منظمات مختلفة أصدروا، قبل أيام، بياناً مشتركاً، يحذر من تدهور الوضع الإنساني في حال عدم التجديد للآلية. ومن ضمن الموقعين عليه وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث والمدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيسلي.
وحذروا من العواقب الوخيمة، في حال فشل المجلس في التمديد للآلية، على 4.1 ملايين سوري يعيشون في الشمال الغربي في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام.ولفتوا الانتباه إلى أن معظم هؤلاء “من النساء والأطفال الذين يحتاجون إلى المساعدة الأساسية للبقاء على قيد الحياة، في ذروة الشتاء ووسط تفشٍ خطير للكوليرا”.
وشددوا على أنه من دون “عمليات الأمم المتحدة عبر الحدود (باب الهوى)، لن يتمكن الملايين، خاصة هؤلاء الذين نزحوا لسنوات، وأكثر من مرة، من الحصول على الغذاء والمأوى من أجل التعامل مع ظروف الشتاء القاسية، كما العلاج والفحوصات اللازمة من أجل احتواء الكوليرا، وكذلك الحصول على المياه الصالحة للشرب والحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي”.
وتحاول روسيا توسيع عمليات تقديم المساعدات عبر خطوط التماس، من أجل الوصول إلى وضع تستغني فيه عن تقديمها عبر الحدود، بحسب دول غربية.
في المقابل، ترى الأمم المتحدة أن تقديم المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس، حتى لو تم توسيعها كما حدث في السنوات الأخيرة، يزيد تكلفة عملياتها، وهي التي تعاني أصلاً من مشاكل في التمويل، ناهيك عن التنسيق البيروقراطي مع النظام والجهات الفاعلة على الأرض بشكل يعيق تقديمها المساعدات على مستوى واسع وسريع وتكلفة أقل.
التمديد لستة أشهر يشكل تحديات
ولفتت الأمم المتحدة، في بيان أخيراً، الانتباه إلى أن التمديد للآلية مرة كل ستة أشهر يشكل تحديات عديدة أمام عمل منظماتها الإنسانية.
وأشارت إلى أنه خلافاً للقرارات السابقة التي مددت للآلية مدة 12 شهراً، فإن القرار الأخير الذي اتخذه المجلس في يوليو الماضي لم يمنح سوى تفويض لمدة ستة أشهر، مع إمكانية التجديد لستة أشهر إضافية عن طريق قرار، وهو ما سيتم التصويت عليه غداً الإثنين.
وشددت على أن ذلك “أدى إلى ظهور تحديات لوجستية وتشغيلية إضافية، وزيادة التكاليف التشغيلية، والحد من قدرة الشركاء في المجال الإنساني على مساعدة المحتاجين”.
وقد يكون انشغال روسيا في جبهتها الأوكرانية أحد الأسباب لسير المفاوضات بشكل “سلس نسبياً”، كما صرح المصدر الدبلوماسي في مجلس الأمن، مقارنة بالمفاوضات على مسودات سابقة، لكن لا ضمانات أن مفاوضات مستقبلية ستكون من دون عوائق كبيرة، والمدنيون في سورية هم من يدفعون الثمن الباهظ.