ليس هناك حل أميركي للأزمة
المجلة
لا شيء يمكنه التعبير عن عجز الولايات المتحدة في الضغط على حكومة الأسد في سوريا، والحد من الفظائع التي ارتُكبت في الحرب الأهلية، أكثر من حكاية الرئيس باراك أوباما مع الخط الأحمر الذي انتقد وبشدة استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيماوية عام 2013. فقد بدأت، منذ منتصف عام 2012، تصلنا تقارير استخباراتية تفيد بأن الحكومة السورية بدأت تحريك ترسانتها من الأسلحة الكيماوية.
وكانت واشنطن قلقة للغاية من أن الجيش السوري الذي تعرض لهزائم في شمال وشرق سوريا قد يستخدم هذه الأسلحة المحرمة دوليا.
وكان هناك أيضا قلق من أن المجموعات المتطرفة مثل “جبهة النصرة” قد تغنم بعضا منها.وقتها وجّه الصحافي تشاك تود من قناة “إن بي سي” سؤالا إلى الرئيس أوباما في البيت الأبيض يوم 20 أغسطس/آب 2012 عما إذا كان الأخير يفكر في استخدام الجيش الأميركي للسيطرة على ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيماوية، وجاء جواب أوباما بأنه لم يأمر بتدخل عسكري أميركي في سوريا.
وأضاف أوباما أن الولايات المتحدة الأميركية تراقب الأسلحة الكيماوية عن كثب، وأنها قلقة من أن “تقع تلك الأسلحة في الأيدي الخطأ”– وهو ما يعني في لغة واشنطن: المتطرفين الإسلاميين. وكرّر أوباما مرتين أنه إذا تم نقل تلك الأسلحة أو استخدامها، فقد يمثل ذلك خطا أحمر، ربما يغير من حسابات الولايات المتحدة.
يومها صُدمت من استخدام الرئيس أوباما لعبارة “خط أحمر”، لأنني كنت أعلم أنه لم يكن يريد استخدام القوة العسكرية للتدخل في سوريا، وللحفاظ على مصداقيتنا، لم يضع أي منا في وزارة الخارجية خطوطا حمراء في سوريا.
كانت واشنطن قلقة للغاية من أن الجيش السوري الذي تعرض لهزائم في شمال وشرق سوريا قد يستخدم هذه الأسلحة المحرمة دوليا. وكان هناك أيضا قلق من أن المجموعات المتطرفة مثل “جبهة النصرة” قد تغنم بعضا منها
تقارير عن “الكيماوي”لاحقا،
وبعد خطاب أوباما بشهور، وتحديدا في ربيع عام 2013، وصلت تقارير موثوقة عن وقوع هجمات بالأسلحة الكيماوية في خان العسل بالقرب من حلب، وكذلك في سراقب بمحافظة إدلب. وقد حضرت في واشنطن اجتماعات مع مجلس الأمن القومي، حيث صرّح أعضاؤه بأن تلك الهجمات كانت محدودة ولم تسفر سوى عن عدد قليل من الضحايا، مما يعني أن ذلك لم يتجاوز الخط الأحمر الذي وضعه أوباما.
ولكن لا أحد كان يعرف ما العدد اللازم من الضحايا الذي يعني تجاوز الخط الأحمر المرسوم. وحذر كذلك خبراء أميركيون من إمكانية أن تكون المعارضة قد تلاعبت بعينات دم ضحايا تلك الهجمات. وأصر الخبراء على وجود حاجة ملحة لإجراء تحقيق دولي مع السماح بالدخول المباشر إلى المواقع التي جرى فيها استخدام الأسلحة الكيماوية، والسماح كذلك بفحص الضحايا بصورة مباشرة.
وأثارت الولايات المتحدة ودول أخرى هذه النقطة في مجلس الأمن، بداية عام 2013، لكن الحكومة السورية رفضت مناقشة تلك النقطة ودعمتها في ذلك روسيا.وخلصت الاستخبارات الأميركية في أبريل/نيسان إلى أن الحكومة السورية استخدمت بالفعل أسلحة كيماوية، وبالتحديد مادة السارين. ولكن التقرير الاستخباراتي لم يدفع إلى رد فعل عسكري أميركي، وإن أدى في النهاية إلى تغيير أوباما سياسته في التعامل مع سوريا. ففي 13 يونيو/حزيران عام 2013، أصدر بن رودس، وهو مسؤول في مجلس الأمن القومي مقرب جدا من أوباما، بيانا ذكر فيه أن الإدارة سوف تزيد من دعم الجنرال سليم إدريس والمجلس العسكري السوري المعارض، ردا على استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية. وكان ذلك بداية برنامج من المساعدات القوية والفعالة لـ “الجيش السوري الحر” المعارض. (لم ينجح برنامج المساعدات الفتاكة، ولكن لذلك حكاية أخرى).
لم تردع تلك المساعدات المتزايدة لـ”الجيش الحر”، الأسد. وعندما وصلت إلى مكتبي يوم الأربعاء 21 أغسطس/آب 2013، كان صندوق البريد الوارد في حاسوبي مليئا بروايات من مصادر في المعارضة السورية حول مقتل أكثر من ألف شخص في هجوم كيماوي وقع على ما يبدو في غوطة دمشق. كان هناك كثير من مقاطع الفيديو لعشرات الجثث في أكفان بيضاء، وكثير من الأطفال، وكانت المناظر فظيعة وليست كأي شيء رأيناه من قبل في محافظتي حلب أو إدلب. في تلك المرة، لم يجد البيت الأبيض بدّا من تنفيذ التهديد بالخط الأحمر. تساءل الصحافيون باستمرار في الإحاطات الصحافية اليومية في البيت الأبيض ووزارة الخارجية عما إذا كان الرئيس سيستخدم القوة العسكرية لكبح جماح الأسد.
وقد كان الرد الأولي من البيت الأبيض هو أن حكومة الأسد يجب أن تسمح بدخول فريق التحقيقات التابع للأمم المتحدة إلى الغوطة في سوريا. وليس من العجب في شيء تلكؤ دمشق بالسماح لفريق الأمم المتحدة بالوصول إلى المواقع.
خلصت الاستخبارات الأميركية في أبريل/نيسان إلى أن الحكومة السورية استخدمت بالفعل أسلحة كيماوية، وبالتحديد مادة السارين. ولكن التقرير الاستخباراتي لم يدفع إلى رد فعل عسكري أميركي
خلف الأبواب المغلقةوفي تلك الأثناء، وخلف الأبواب المغلقة، بحثت الإدارة الأميركية فيما إذا كان ينبغي على الرئيس أن يأمر بشن ضربات عسكرية لردع حكومة الأسد ومنعها من استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى. وقد أشارت التقارير الاستخباراتية إلى أن دائرة صنع القرار المقربة من الأسد كانت متوترة.
وقد حثثت وزير الخارجية جون كيري على دعم الضربات العسكرية المقترحة لثلاثة أسباب: الأول، أن الأسد سوف يستمرّ، دون تلك الضربات، في استخدام الأسلحة الكيماوية.
والثاني، أن تنفيذ ضربة عسكرية قوية قد تلحق ضررا بجيش الأسد، فتجبر عناصر في حكومة الأسد على قبول محادثات السلام التابعة للأمم المتحدة في جنيف والتي اتفق كيري ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على استئنافها.
وأخيرا، حذرتُ كيري بأنه في حال لم تنفذ الولايات المتحدة تلك الغارات الجوية، فقد يستغل متطرفو المعارضة مثل “جبهة النصرة” تجاهلنا لأمر الغوطة لزيادة عدد مجنديهم على حساب المعارضة المعتدلة مثل سليم إدريس.
وقد وافق جون كيري على المقترح فورا.وفي الأسبوع الذي أعقب هجوم 21 أغسطس/آب على الغوطة، عقد المزيد من الاجتماعات في البيت الأبيض لمناقشة ردع الأسد وصده عن استخدام الأسلحة الكيماوية.
وردّا على اتهامات من موسكو ودمشق بأن المعارضة هاجمت المدنيين في المناطق الموالية لها، أعد بن رودس بيانا في 30 أغسطس/آب يوضح أن المخابرات الأميركية أكدت بما لا يدع مجالا للشك مسؤولية الجيش السوري عن تلك الهجمات. وكان ذلك البيان لافتا، لأنه كشف أننا رصدنا مكالمات داخل القيادة السورية، وكان من النادر بشكل استثنائي أن تعترف واشنطن بهذا النوع من القدرات لأنها لا تريد أن تعرف الاستخبارات المعادية بقدرتنا على رصد مكالماتهم.وفي الوقت نفسه، كان البيت الأبيض يراجع قوائم المستهدفين الصادرة عن البنتاغون. لقد كنا على علم بأن الاجتماع الأخير مع الرئيس وكبار الوزراء والقادة العسكريين سوف يكون يوم الجمعة 30 أغسطس/آب.
وعلمنا أيضا أن الوزراء وكبار الجنرالات قد أيدوا الضربات المقترحة ضد حكومة الأسد. وكانت نهاية ذلك الأسبوع عطلة طويلة في أميركا، وعادة ما يغادر الموظفون واشنطن للذهاب إلى الشاطئ أو الجبال، ولكننا تلقينا أوامر بإلغاء إجازاتنا والحضور إلى الإدارة صباح السبت.
لقد كنت أتوقع بأننا سنكلف بإعداد رسائل لسفاراتنا لإيصالها لجميع أنحاء العالم لشرح طبيعة الضربات الأميركية. ولكن صباح السبت جاء ولم ترد أي تقارير حول الأعمال العسكرية الأميركية إلى صندوق البريد الوارد الخاص بحاسوبي. ثمّ علمنا أن الرئيس قد يلقي خطابا في تمام الواحدة، وقد اجتمعت برئيستي في العمل في مكتبها، وهي مساعدة الوزير إليزابيث جونز، وتوقعنا أن يعلن أوباما عن بدء الضربات الجوية. وكان أوباما، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2009، قال إنه عازم على توجيه ضربات لسوريا حتى وإن لم يحصل على قرار من مجلس الأمن لأن روسيا ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضد ذلك.
وقد ادعى أوباما بأن لديه سلطة لإعطاء أمر بالبدء في الضربات دون موافقة الكونغرس، ولكن بسبب خطورة الأمر فإنه تخلّى عن هذه السلطات وانتظر موافقة الكونغرس على الضربات أولا. وكانت تلك صدمتي الثانية فيما يخص الخط الأحمر، ولكني لم أكن الوحيد المصدوم من الأمر، فقد أخبرني زميلي الفرنسي أن رئيس فرنسا، فرنسوا هولاند، كان جاهزا تماما لتنفيذ هجمات ضد سوريا بالتعاون مع أوباما، ولكن القرار الأميركي كان مفاجأة غير سعيدة.ولحقت بركب كيري ووزير الدفاع تشاك هيغل في اجتماعات الكونغرس في الأسبوع التالي، لكن مهمتنا كانت مستحيلة.
على الجانب الآخر، أخبرنا أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب أن الضربات ستلحق ضررا بالحكومة السورية وستمنعها من تكرار سيناريو استخدام الأسلحة الكيماوية. ولكي نهدّئ روعهم، مع التوتر العام بعد حرب العراق، أكدنا لهم أن الضربات ستكون صغيرة ومحدودة. ليس من المستغرب في شيء، أن كثيرا من أعضاء الكونغرس لم يفهموا كيف أن الضربات الصغيرة والمحدودة قد تردع الأسد.
ولكن آخرين، مثل عضو الكونغرس مايك ماكول، عبروا عن قلقهم من أن الضربات قد تسقط الأسد وتسلم سوريا للجهاديين على طبق من فضة. وصرح ماكول بأنه من الأفضل أن يبقى الأسد في السلطة مع السيطرة على الأسلحة الكيماوية عن السماح للجهاديين بالاستيلاء عليها (وليومي هذا أشك بشدة في ثقة ماكول من أن الجهاديين تأكيدا سيسيطرون على سوريا إذا انهارت الحكومة السورية مثلما حدث عندما انهارت حكومة صدام حسين عام 2003).
كما رفض جمهوريون آخرون، مثل جو ويلسون ممثل ساوث كارولينا مبادرة أوباما، في الحصول على إذن ببدء الضربات. وقد خلص مكتب الشؤون التشريعية في البيت الأبيض بحلول الأسبوع الثاني من سبتمبر/أيلول إلى أن ما لا يزيد على ربع أعضاء مجلس النواب وعددهم 432 عضوا سيصوتون لصالح قرار الضربات العسكرية. أما فيما يخص مجلس الشيوخ، فقد وافقت لجنة العلاقات الخارجية بالكاد على الضربات، ولكن بعد ذلك اندثر زخم دعمها في مجلس الشيوخ بأكمله. وفي النهاية لم يصوت أي من المجلسين على الإطلاق.
بحثت الإدارة الأميركية فيما إذا كان ينبغي على الرئيس أن يأمر بشن ضربات عسكرية لردع حكومة الأسد ومنعها من استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى. وقد أشارت التقارير الاستخباراتية إلى أن دائرة صنع القرار المقربة من الأسد كانت متوترة
طريق مسدود
لقد وصلنا إلى طريق مسدود بعد أقل من شهر من هجمات الغوطة. بعد ذلك، ادعت موسكو أنها ستضمن تخلي سوريا عن جميع أسلحتها الكيماوية، وبالتالي حفظ ماء وجه أوباما. لحقت بكيري في الوفد للتفاوض على الصفقة مع الروس في جنيف أواخر شهر سبتمبر/أيلول.
وقاد مساعد وزير الخارجية لشؤون عدم التسلح توماس كانتريمان فريقنا الفني في الوفد، وسمعت منه، وهو صديق قديم، خلال المحادثات أن الأميركيين يملكون معلومات فنية حول الأسلحة الكيماوية السورية أكثر من الوفد الروسي الذي كان سياسيا في الأساس.
لم أكن أثق في الروس، وسألت كيري كيف يمكننا التأكد من أن الروس سيقبلون باتخاذ إجراء ضد الأسد في حال انتهاكه الاتفاق. ردّ كيري بأن الروس قد يوافقون صراحة على الإشارة إلى اتخاذ مجلس الأمن إجراء بموجب نص اتفاق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. يمكنك أن تجده كمرجع في الفقرة 21 في آخر فقرة من قرار رقم 2118 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2013، والذي حدد شروط القضاء على البرنامج الكيماوي السوري، ما ينص على معاقبة سوريا إذا انتهكت الاتفاق. وصرّح أوباما في وقت لاحق بأن قراره بعدم شنّ ضربات ضد سوريا هو أحد أكبر نجاحاته كرئيس. وكان لديه ثلاثة مبررات.
الأول، سألَنا أوباما كيف يمكننا التأكد من أن الأسد في وضعه اليائس لن يستمر في استخدام الأسلحة الكيماوية وبالتالي يجبرنا على التصعيد ضده من جديد. لم يكن لدينا تصور نقدمه للرئيس عن المدى الذي سيتعين علينا التصعيد للوصول إلى ردع الأسد.
لقد كانت هنالك احتمالية خطيرة بأن العمل العسكري الأميركي المطلوب قد يكون أكبر من كونه صغيرا ومحدودا. والدرس المؤكد من العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق وليبيا هو أن هناك دائما مشاكل لا يمكن توقعها.
وبالطبع، فقد لعبت السياسة الأميركية أيضا دورا كبيرا في تشكيل طريقة تفكير أوباما. لقد كانت انتقادات الحزب الجمهوري ضد سياسات أوباما الداخلية والخارجية شرسة. وقد أراد أوباما أن يتحمل الجمهوريون بعض المسؤولية عن الضربات، حيث كان يأمل في أن تؤدي الدعوة إلى إجراء تصويت إلى تحجيم الجمهوريين بحيث لا يمكنهم الانتقاد مستقبلا في حال أصبح العمل العسكري عبئا ثقيلا. ولكن الواقع السياسي كان أن الجمهوريين لن يكفوا عن انتقاد أوباما أيا ما كان القرار الذي سيتخذه. وقد حذر بعض الجمهوريين، مثل عضو الكونغرس جوزيف ويلسون، من أنه إذا استخدم أوباما القوة العسكرية من دون ضوء أخضر من الكونغرس، فسوف يسعى لعزله. وبما أن الجمهوريين حصلوا على الأغلبية في مجلس النواب، وأن عملية سحب الثقة وفقا للدستور الأميركي تبدأ في مجلس النواب، فإن أوباما لم يستطع تجاهل هذا التهديد.
وحتى أوباما، كونه محاميا، لم يكن مرتاحا لفكرة وجود رئيس يتجاهل مجلس النواب ويبدأ حربا بمفرده. وكان أوباما قد انتقد قبل ذلك بوش الابن لذهابه بعيدا جدا وبدء الحرب في العراق دون إجراء نقاش جدي في الكونغرس.
تذكر أوباما المشكلة نفسها التي حدثت أثناء التصعيد في فيتنام عام 1965-1966. على وجه الخصوص، إذا امتد العمل العسكري في سوريا مع الحكومة السورية التي قد تستخدم المزيد من الأسلحة الكيماوية، حيث اعتقد أوباما أنه يجب أن يكون للكونغرس دور في التوجه السياسي للولايات المتحدة.
وهكذا شعر أوباما بأنه كان مصيبا عندما ادعت الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، في نهاية عام 2014 أنهما أكملا تدمير برنامج الأسلحة الكيماوية السوري وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2118.
ومع ذلك، في عام 2016، قالت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إن الحكومة السورية لم تكشف عن جميع أسلحتها ومنشآتها الكيماوية.
والأسوأ من ذلك أن فرق خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيماوية اتهمت في وقت لاحق الحكومة السورية بكونها وراء هجمات خان شيخون واللطامنة في عام 2017، وهجمات سراقب ودوما في عام 2018. وقد أسفرت تلك الهجمات عن مقتل 120 مدنيا على الأقل.
وعلى الرغم من الوعد الذي قطعه الروس لكيري في جنيف شهر سبتمبر/أيلول 2013 بشأن المادة 21 من قرار مجلس الأمن الدولي 2118، لم تتوانَ روسيا عن استخدام حق النقض ضدّ كل جهد غربي لمعاقبة الأسد على هذه الانتهاكات. ومع ذلك، يقول أوباما وحلفاؤه السياسيون إن هجمات الأسد الكيماوية كانت ستصبح أسوأ بكثير لو لم تُدمَّر معظم قدرات الأسلحة الكيماوية للأسد عام 2014. وبينما أراجع التاريخ هنا، لا أعتقد أنني أشارك هذا الرأي أصحابه، فقد قلل الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية فقط لأنه لم يكن في حاجة إليها بقدر ما كان في عام 2013، لأن تدخل القوات الجوية الروسية حوّل التوازن العسكري لصالح الأسد.
كانت انتقادات الحزب الجمهوري ضد سياسات أوباما الداخلية والخارجية شرسة. وقد أراد أوباما أن يتحمل الجمهوريون بعض المسؤولية عن الضربات
النصرة”… و”داعش”
نعلم أيضا أن عديد “جبهة النصرة”، و”داعش” زاد بعد تراجع أوباما عن وعيده بتوجيه ضربة عسكرية دفاعا عن الخط الأحمر الذي وضعه. وفي حين أن نجاح هذين التنظيمين ليس مرتبطا فقط بقرار أوباما، فإن الدعاية التي نشروها بعد هجوم الغوطة سلطت الضوء على أنهم كانوا يدافعون عن السوريين أفضل من الغرب.
وبحلول الوقت الذي وصلنا فيه إلى مفاوضات “جنيف-2” للسلام في يناير/كانون الثاني 2014، بات الأسد يعلم يقينا أن الأميركيين لن يتدخلوا بشكل مباشر في الحرب، فانتهكت الحكومة بنود محادثات “جنيف-2″، مما أدى إلى انهيارها سريعا مرة أخرى بدعم من روسيا.
ومع ذلك، كان أوباما محقا بشأن صعوبة استخدام الضربات لردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية. ويمكن الاستشهاد بأن الغارة التي أمر بها ترامب على قاعدة الشعيرات الجوية عام 2017 لم تجعل الأسد يرعوي عن استخدام الأسلحة الكيماوية مجددا في دوما عام 2018. وكان الرد مع فرنسا وبريطانيا بعد هجوم دوما بالأسلحة الكيماوية أكبر من الضربة الأميركية عام 2017.
ومع ذلك، أكد وزير خارجية ترامب، مايك بومبيو، أن المخابرات الأميركية علمت أن الحكومة السورية استخدمت غاز الكلور مرة أخرى في محافظة اللاذقية في مايو/أيار 2019 أثناء القتال الذي دار في محافظة إدلب.
هناك درسان كبيران من تجربة الخط الأحمر لأوباما. الأول أنه من المهم للغاية أن يتطابق خطاب الحكومة مع ما يمكنها فعله وما ستفعله حقا إذا لزم الأمر. فقد خسر أوباما الكثير من مصداقيته في الشرق الأوسط بسبب تردده عام 2013.
وثانيا، وبشكل أكثر تحديدا بالنسبة لسوريا، قال أوباما نفسه في 31 أغسطس/آب إن الجيش الأميركي لا يمكنه حل أزمة الحرب الأهلية في سوريا، وكان محقا في ذلك، فالسوريون هم وحدهم من يمكنهم إيجاد الحل السياسي.
كان أوباما محقا بشأن صعوبة استخدام الضربات لردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية. ويمكن الاستشهاد بأن الغارة التي أمر بها ترامب على قاعدة الشعيرات الجوية عام 2017 لم تجعل الأسد يتوقف عن استخدام الأسلحة الكيماوية مجددا في دوما عام 2018
وعندما ألقي نظرة على الجهد الحالي في الكونغرس، بقيادة عضوي مجلس النوّاب ماكول وويلسون، للحد من التطبيع مع حكومة الأسد وفرض المزيد من العقوبات على سوريا، أتذكر دورهم غير المعرقل في سبتمبر/أيلول 2013. لم يكونا وقتها مهتمَّين برفاهية السوريين العاديين، ولا هما كذلك الآن. كلّ ما هنالك أن الرجلين يسعيان إلى استغلال نقاط الضعف سياسيا في سياسة بايدن في سوريا.
ويتعلق الأمر في النهاية بالمنافسة السياسية المحلية الأميركية، وليس بسوريا. ولنتذكر أن سياسة بايدن تجاه سوريا لا تختلف كثيرا عن سياسة ترامب. لم يكن هناك عام 2013، ولا يوجد الآن، حل أميركي للأزمة السورية.