المدن
يبدو أن الإحاطة التي قدمها المبعوث الدولي إلى سوريا في مجلس الأمن غير بيدرسن الثلاثاء، والتصريحات الغربية حول عمل اللجنة الدستورية السورية، قد أحدثت صدمة واضحة في كل من دمشق وموسكو.وبعد أن كان النظام وحليفته روسيا قد أظهرا منذ نهاية الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة بروداً تجاه مساعي استئناف أعمالها، عاد وفد الحكومة وأظهر الأربعاء استعداداً كاملاً للمشاركة في الجولة القادمة.
وكان لافتاً مسارعة وسائل إعلام النظام إلى تكثيف الأخبار والتقارير التي تتحدث عن استعداد “الوفد الوطني”، وهي التسمية التي يطلقها النظام على ممثليه في اللجنة الدستورية، للمشاركة في الجولة، القادمة من اجتماعات اللجنة، بل إن صحيفة “الوطن” الصادرة في دمشق قالت إن رئيس الوفد الحكومي أحمد الكزبري قد حدد مع بيدرسن موعد الجولة الرابعة في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، على أن تتبعها جولة أخرى جديدة بعد خمسة أيام.
ونقلت الصحيفة عن مصدر لم تسمه أن “بيدرسن عقد لقاءين مع الكزبري خلال زيارته دمشق يومي الأحد والاثنين، وقدم اقتراحاً لحل الإشكال الذي وقع مؤخراً حول جدول أعمال الجولة الرابعة التي كان مقرراً أن تنعقد في 5 تشرين الأول/أكتوبر الحالي”، وأن “الكزبري أبلغ بيدرسن موافقة وفده على المقترح”، إلا أن المفاجأة أن الأخير لم يعلن ذلك، واكتفى بالقول إنه “ليس لدينا اتفاق حتى الآن.. وبالطبع لا يمكن الاتفاق على أي شيء حتى يتم الاتفاق على كل شيء”.
والواضح أن أكثر ما أثار حفيظة النظام في مداخلة بيدرسن هي دعوته لاطلاق مسارات سياسية أخرى إلى جانب مسار اللجنة الدستورية، أي بمعنى إعادة تفعيل قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي ينص على تأسيس هيئة حكم انتقالي تمهد مع الأمم المتحدة لبيئة آمنة من أجل تنظيم انتخابات حرة وإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين.وإلى جانب ذلك، فقد كان لافتاً الموقف الغربي غير المتوقع تجاه عمل اللجنة الدستورية، سواء من حيث الزخم أو عدد الدول التي شاركت في التعبير عنه بعد تصريحات بيدرسن، حيث شنّ مندوبو الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا هجوماً عنيفاً على النظام وروسيا، مؤكدين مسؤولية دمشق عن إعاقة عمل اللجنة الدستورية، وطالبوا بالعمل على بدء التفاوض من أجل انتقال سياسي حقيقي.يجري كل ذلك وسط تجاهل وصمت روسي تعتقد المعارضة أنه صمت ظاهري فقط، بينما عملياً فإن موسكو لا تزال هي من يملي على النظام مواقفه، بما في ذلك إعلانه الأخير حول استعداد وفده للمشاركة في الجولة الرابعة من الاجتماعات، بعد أن كانت أملت عليه رفض انعقاد هذه الجولة الشهر الماضي.
وحسب مصادر المعارضة فإن موسكو، وكتعبير عن الانزعاج الكبير من تصعيد الإدارة الأميركية والدول الأوربية العقوبات الاقتصادية على النظام، قررت تعطيل عمل اللجنة الدستورية وعدم الحديث عن أي مسار سياسي واظهار الدعم المطلق لتوجهات النظام في تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، قبل أن تُفاجَأ بالتوجه الأممي والغربي خلال جلسة مجلس الأمن نحو تجاوز اللجنة الدستورية والعودة إلى محددات قرارات مجلس الأمن.وعليه فإن المعارضة تشعر اليوم بأنها اتخذت الموقف السليم طيلة العامين الماضيين في ما يتعلق باللجنة الدستورية بعد أن انفضح موقف النظام وحلفائه، ليس أمام العالم وحسب بل داخليا أمام مناصريه. وعلى الرغم من إقتناعها بعدم جدية النظام وبأنه يماطل ويناور فإن المعارضة أكدت استمرارها بالالتزام بأعمال اللجنة، حسب عضو الوفد الممثل عنها العميد إبراهيم الجباوي الذي أكد ل”المدن”، أنه تم ابلاغ بيدرسن جاهزية الوفد للجولة القادمة واستعداده لسماع ما يقوله النظام ومناقشته لكن في إطار مناقشة المضامين الدستورية وليس المبادئ التي طال الحديث حولها وبات من الواجب الانتقال لما بعدها.
لكن الجباوي بدا واثقاً من أن النظام لم يعط بيدرسن في زيارته الأخيرة إلى دمشق موافقة على موعد جديد لاستئناف أعمال اللجنة، ولو أنه فعل لكان الأخير أعلن على الفور وأبلغنا بذلك. وعلى أي حال، يضيف الجباوي، “كنا متأكدين أن النظام وبإملاء روسي لن يكون متجاوباً مع مساعي بيدرسن وسيقوّض أي محاولات يبذلها بانتظار الانتخابات الأميركية القادمة أو التمكن من الحسم العسكري”.موقف متقارب أعلنته عضو اللجنة الدستورية عن وفد المجتمع المدني سميرة مبيض، حيث أكدت أن الدعوات للانسحاب من اللجنة أو تعطيل أعمالها يخدم في الواقع رغبة النظام ويتلاقى معها، ومن الضروري الحفاظ على هذا المسار الذي سبب إحراجاً كبيراً له.وأضافت في تصريح ل”المدن”، أن “النظام لا يريد التعطيل بل يعطل فعلياً ومن دون الضغط الروسي لم يكن ليوافق على تشكيل اللجنة الدستورية، ودون توافق دولي لن تسير أعمال هذه اللجنة، ودون دستور سوري لن يكون هناك تغيير سياسي..هي سلسلة مترابطة”.يتناقض موقف وفدي المعارضة والمجتمع المدني في اللجنة الدستورية مع موقف طيف واسع في المعارضة يطالب بالانسحاب من اللجنة الدستورية ويعتبر أنها مجرد إضاعة للوقت وغطاء للنظام وحلفائه، بينما تؤكد وجهة نظر المتمسكين باللجنة على أن التطورات الأخيرة أثبتت صحة وجهة نظرهم، بينما يبدو النظام وحليفته روسيا مستمرين في سياسة التلاعب والمماطلة طالما أن الضغوط الدولية الحقيقية غائبة إلى حد يمكن أن يجعل غير بيدرسن نفسه يعلن وفاة اللجنة الدستورية التي لطالما كان من أشد المتحمسين لها.