وتولى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أمس الأربعاء، وقبل اتصال بين الرئيس التركي رجب أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترامب، الإعلان أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، عرض إقامة خط أمني من 30 كيلومتراً على طول الحدود السورية التركية، وأبلغه بأن واشنطن لا تود أي مواجهة مع تركيا. مع العلم أن تيلرسون أعلن أول من أمس أن بلاده تأمل العمل مع تركيا من أجل إنشاء منطقة آمنة في شمال غربي سورية، لتلبية احتياجات تركيا الأمنية. كما نقلت وكالة “رويترز” عن صحافي رافق تيلرسون في رحلته إلى باريس يوم الإثنين، قوله إن أميركا قالت لتركيا “دعونا نرى إذا كان بإمكاننا العمل معكم على إنشاء نوع من المنطقة الآمنة التي قد تحتاجون إليها”.
وجاء الكشف التركي عن العرض الأميركي بعد يوم من تأكيد مسؤولين أميركيين، وفق وكالة “رويترز”، أن منع أردوغان من تنفيذ تهديده بطرد “قوات سورية الديمقراطية” من منبج أمر محوري بالنسبة لواشنطن.
وعلى الرغم من القلق الأميركي إلا أن ذلك لم يمنع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من القول أمس الأربعاء، خلال كلمة له في العاصمة التركية أنقرة، إن بلاده ستواصل “إفساد كافة المؤامرات على طول حدودنا بدءاً من منبج”، مضيفاً أن “لا أطماع لنا في الأراضي السورية، ما يهمّنا هو تأسيس العدالة هناك وضمان عودة 3,5 ملايين سوري يعيشون في تركيا إلى أراضيهم”، معتبراً أن “(داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي (بي. واي. دي) وجهان لعملة واحدة، والذين يتحكمون بهذه التنظيمات، يستغلونها بحسب حاجتهم”.
وهذه ليست المرة الأولى الذي يذكر فيها الرئيس التركي، عزم بلاده على شن عملية عسكرية في منبج مماثلة لـ”درع الفرات” أو “غصن الزيتون”، إذ كرر مسؤولون أتراك الحديث، في الآونة الأخيرة، عن عزم بلادهم على طرد الوحدات الكردية خارج منبج، وهو ما كانت رددته أنقرة منذ أشهر طويلة، سبقت وتلت سيطرة “قسد” على منبج الواقعة شرق حلب، على الضفة الغربية لنهر الفرات.
وفي السياق نفسه، قال نائب رئيس الوزراء التركي بكر بوزداغ إنه لا يعتقد أن تركيا ستصل إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة خلال عملياتها في سورية، لكن هناك احتمالا ضئيلاً بأن يحدث ذلك في منطقة منبج.
وأضاف في مقابلة مع “رويترز” أن تركيا ستواصل استخدام المجال الجوي فوق منطقة عفرين السورية عند الضرورة. وذكر بوزداغ الذي يشغل أيضاً منصب المتحدث باسم الحكومة أن تركيا مستعدة لكل أشكال التعاون مع الولايات المتحدة وروسيا إذا كان سيجلب السلام للمنطقة.
من جهته، قال رئيس الأركان العامة للجيش الحر، هيثم عفيسي، إن القوات ستتوجه بعد عفرين لإنهاء سيطرة “الوحدات الكردية” في منبج.
ونقلت صحيفة “يني شفق” التركية عن عفيسي قوله أمس إن “الخطوة التالية بعد عفرين، ستكون معركة منبج ضمن العملية العسكريّة المستمرّة دون انقطاع”، مضيفاً “هناك 10 آلاف مقاتل عسكري جاهزون من أجل منبج (…) منبج لا تقلّ أهمية لدينا عن عفرين، وإنّ الجيش الوطني السوري مستعدّ للعملية العسكرية في منبج الواقعة تحت احتلال بي كا كا (حزب العمال الكردستاني) الإرهابي”، على حد وصفه.
لكن عفيسي أشار إلى أن “هنالك مشكلة حقيقية أهم بكثير من بي كا كا في منبج، وهي الولايات المتحدة نفسها”، مشيراً إلى أن “القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحر قادران على قطع الدعم الأميركيّ للإرهابيّين في منبج، كما هو الحال في عفرين”، مضيفا أن “منبج ليست الهدف النهائي، لن نتوقف حتى يتمّ تنظيف مناطق الحسكة، عين عيسى، عين العرب، رأس العين، مالكية وتل أبيض جميعها من سيطرة الإرهابيين”.
وفي التطورات الميدانية للعملية العسكرية التركية في عفرين، دخلت قافلة عسكرية تركية أمس الأربعاء نحو مناطق سيطرة المعارضة السورية جنوبي حلب، فيما جددت الطائرات الحربية التركية منذ صباح أمس استهدافَ مناطق خاضعة لـ”الوحدات” الكردية، منها قرية باصوفان، وهي أقربُ موقع سيطرة لـ”الوحدات” الكردية، من نقطة مراقبة للجيش التركي، في جبل سمعان، جنوب عفرين وشمال دارة عزة بريف حلب الغربي.
كما استهدفت الغارات مواقع لـ”الوحدات الكردية” في محيط بلدة جندريس جنوب غرب عفرين، ونقاطا أخرى في ناحية راجو غرباً، وهي قريبة من الحدود مع هاتاي التركية؟ وطاول القصف الجوي مواقع “الوحدات” من الجهة الشمالية الغربية لمدينة إعزاز، التي يُسيطر عليها الجيش الحر.
بالتزامن مع ذلك، تتواصل الاشتباكات بين “الوحدات” الكردية وبين فصائل “الجيش الحر” المدعومة من القوات التركية على محاور قسطل جندو، حيث نقاط التماس بين “درع الفرات” شمال غرب إعزاز، ومواقع سيطرة “الوحدات” شرق عفرين. كما اندلعت مواجهات عسكرية أخرى قرب محور بلبل شمال عفرين، ومحوري راجو، والشيخ حديد شمال غرب وغرب مركز منطقة عفرين.
وأعلنت فصائل “الجيش الحر” المشاركة في العمليات العسكرية أنها سيطرت على مواقع جديدة بمنطقة عفرين، منها قرية عمر أوشاغي في ناحية راجو، ونقاط عديدة قرب ناحية جنديرس، التي تُعتبر المنطقة الدفاعية الأبرز عن مدينة عفرين من جهتها الجنوبية الغربية.
وحتى مساء أمس، فإن الجيش التركي والفصائل السورية التي تقاتل في عملية “غصن الزيتون” حققت تقدماً على محاور عدة تحيط بمنطقة عفرين من جهاتها الأربع تقريباً، إذ توغلت داخل مناطق سيطرة الوحدات، في محور بلبل شمال عفرين، ومن محور راجو والشيخ حديد غربها، وفي مساحات محدودة على محور جندريس جنوب غرب، وعند جبل برصايا شمال شرق.
من جهتها، قالت رئاسة هيئة الأركان التركية إنها تمكنت من “تحييد” 260 من وحدات حماية الشعب الكردية منذ انطلاق عملية “غصن الزيتون”، ذاكرة أن “عسكرياً تركياً ثالثاً قُتل الثلاثاء في منطقة عفرين خلال اشتباك بقرية عمر أوشاغي”.
في المقابل، نشرت حسابات تابعة للوحدات الكردية تسجيلات مصورة قالت إنها أثناء التصدي لتقدم الفصائل العسكرية والجيش التركي على محور راجو. كما أعلنت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) عمّا سمّتها “عملية نوعية نفذتها في محيط دير سمعان جنوب شرقي بلدة عفرين بمحاذاة ناحية شيراوا، ضد جنود الجيش التركي” متحدثة عن قتلها لثمانية من القوات المُهاجمة.
في غضون ذلك، ذكرت صحيفة “خبر تورك” التركية، أنّ القوات المسلحة التركية التي تقود عملية “غصن الزيتون” نجحت في بسط سيطرتها على 7 مناطق بمساحة 8 كيلومترات بعد 72 ساعة من بدء العملية، مشيرة إلى أنه من المخطّط أن يتمّ توحيد الحشود العسكرية المنتشرة على طول خط الحدود، ومن ثمّ التقدم برًّا نحو مركز المدينة. وذكرت الصحيفة أن التقدم الذي أُحرز يأتي في سياق استراتيجية تركية جديدة تستهدف إحكام السيطرة لمنع تسلّل عناصر “الوحدات الكردية”، وتمشيط مخابئها على طول خط الحدود السورية التركية.
إلى ذلك، ذكر القيادي في “قسد”، ريدور خليل، أن مقاتلين من جنسيات أجنبية بينهم أميركيون وبريطانيون وألمان، باتوا موجودين في مدينة عفرين، ويستعدون، وفق قوله، للانخراط في المعارك الدائرة هناك. وذكر خليل في تصريحاتٍ لوكالة “رويترز” أن هناك “رغبة من المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا في الرقة ويقاتلون في دير الزور للتوجه إلى عفرين(…)سيأخذون المعارك للاتجاه التركي”، من دون أن يكشف عددهم أو تاريخ وطريق وصولهم إلى المناطق التي تتركز المعارك حولها بريف حلب الشمالي الغربي.
وإذا صحت الأنباء التي تتحدث عن وصول مقاتلين من جنسيات أجنبية مختلفة لعفرين حديثاً، لمُساندة “الوحدات الكردية” في المعارك مع الجيش التركي، فإن ذلك يعني أن هؤلاء عبروا من مناطق شرق الفرات أو منبج، إذ إن هذه المناطق هي الوحيدة التي من الممكن أن يعبروها من منبج وشرق فرات نحو عفرين، المُحاطة بالحدود التركية من الشمال والغرب، وبمناطق “درع الفرات” من الشرق”، ومناطق سيطرة المعارضة من الجنوب.
المصدر: العربي الجديد