مساء الأحد 16 كانون الأول 2018 حطت طائرة روسية تقل الرئيس السوداني عمر البشير في مطار دمشق، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس عربي منذ اندلاع الثورة السورية قبل 8 سنوات.
زيارة قصيرة في مدتها لكنها كبيرة في مغزاها وتوقيتها، فبشار الأسد محاصر دوليًا وإقليميًا وتقتصر علاقته على روسيا وإيران، وبعض العلاقات العابرة التي لا تليق بمقام أي رئاسة.
لا يختلف البشير كثيرًا عن الأسد، فالاثنان نجحا في تدمير بلديهما وتقسيمها وقتلا شعبيهما وهجراه وحافظا على كرسي الحكم مغمسًا بالدم.
في تصريح قديم لصحيفة عكاظ أكد الرئيس السوداني أن نهاية بشار الأسد هي القتل وليس الرحيل، وقال حرفيًا “بشار لن يرحل سيقاتل الى أن يقتل”، معتبرًا أن الوضع في سوريا مختلف لأن من يحكمها هم طائفة أقلية.
هذه الزيارة الرسالة أتت من الرئيس السوداني ولم تأت من الجزائر والعراق التي كانت واضحة بمواقفها ومؤازرتها لنظام الأسد.
الأخطر أنها رسالة من مزاج حكم إسلامي كان معاديًا لنظام القتل وكان قد صرح وهدد بإرسال جيوش جرارة إلى دمشق.
من البديهي أن البشير لم يقم بهذه الزيارة من تلقاء نفسه بل لا بد من أن يكون هناك أطراف وراءها، فقد كسر حواجز لها تبعات مستقبلية على الشعب السوري وثورته.
القمة الخليجية الأخيرة، وفي الفقرة 53 من بيانها أكد المجلس على مواقفه وقراراته الثابتة بشأن الأزمة السورية والحل السياسي القائم على مبادئ “جنيف 1″، وقرار مجلس الأمن “رقم 2254″، الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي تتولى إدارة شؤون البلاد ومن قلقه على تصاعد هجمات النظام السوري وحلفائه على المدنيين وإدانته للوجود الإيراني وطالب بخروج القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، ما يضعف احتمال أن يكون هناك دور خليجي في هذه الزيارة.
من المفترض أن يكون العامل الأساسي وراء هذه الزيارة علاقة البشير الاستراتيجية، والمميزة بالرئيس الروسي بوتين ولعلها خطوة سودانية بمباركة روسية، على أن يلعب البشير دور الوسيط بين الأسد والخليج، بالإضافة إلى أن تاريخ البشير يؤهله ليكون اسفنجة امتصاص لغضب الشارع العربي ليفتح طريق معبد لقادة آخرين يحذون طريقه.
قد تكون روسيا وجدت في البشير ضالتها وهو يعاني من عزلة دولية وملاحق من المحكمة الجنائية الدولية، بسبب جرائم حرب وذلك لكسر الحصار المفروض على الأسد، وأن يكون البشير بداية الغيث للأسد لزيارات أخرى محتملة وخاصة أن الطيارة التي أقلته روسية.
وهنا يكمن الهدف الروس:
- حجز مكان دائم على الأراضي السورية بمباركة عربية وشرعنة قتلها واحتلالها وتدميرها من خلال شعارات الحرب على التنظيمات الإرهابية.
- الوجود العربي له دور أساسي في تحجيم التدخل التركي والإيراني على الأراضي السورية ويفتح مجال لمساهمته في إعادة الإعمار.
هناك عامل آخر وهو اقتصادي وله أهمية كبيرة نظرًا لتدهور قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار وتزايد قمع نظام البشير للحركات المعارضة في السودان واحتمال العودة إلى الحضن الإيراني من بوابة الأسد.
وربما يعتقد البشير أنه أخطأ بموقفه في اليمن وأن نهاية حربها باتت وشيكة وأن قصور الخليج من خلال سياسة الابتزاز ستقفل في وجهه، ومن هنا يكون هدفه البحث عن رهان جديد يعتقده رابحًا، فالمجرم يطرق باب المجرم.
التنسيق المصري السوداني كان له دور هام أيضًا والذي بدأ فعليًا بمحاولة فتح سياسة بعيدة عن المؤثرات والقوى التي تقف مع الثورة السورية، فقد دعا البرلمان العربي قبل أسبوع فقط لعودة نظام الأسد للجامعة العربية ورفع قرار تجميد عضويتها ومعروف تماما الدور المصري الكبير في هذه الكيانات.
هذه الزيارة كانت مهمة كثيرًا للأسد فالبشير كسر حاجز الخجل من جرائم الأسد ومن كل التصريحات والتقارير الدولية التي تدين هذا النظام، ما يفتح المجال لغيره لإعادة شرعية نظام فقد شرعيته.
لن نقلل من أهمية الزيارة او نكبر من شأنها فاللاعبون الأساسيون واشنطن وموسكو وأنقرة وطهران والإتحاد الأوروبي وإسرائيل ولا دور عربي ظاهر فلا الخرطوم ولا غيرها له دور مؤثر.
يقتصر الأمر على تمرير رسالة روسية إلى أمريكا والاتحاد الأوروبي لأن العرب مقدمون على تطبيع مع نظام الأسد وذلك لتخفيف حدة تصعيدهم، وربما يقابل هذه الزيارة تشدد أميركي وأوروبي أكثر مع عدد كبير من الدول العربية
اليوم المطلوب منا إعادة تفكيك الخطاب السياسي كاملا للدول العربية والإقليمية والدولية ولا يقصد هنا عدم التفاؤل والسير إلى الأمام في تحقيق أهدافنا إنما لنتذكر دائمًا أن هناك أشياء علينا ألا ننساها، ولا نريد زيادة الجروح التي ملأت أجسامنا إنما لنستوعب درسًا للمستقبل من أجل أن تكون ذاكرتنا جاهزة لكل الصدمات.
ليس للأسد أي قرار أو اعتبار. هو عبارة عن حجر شطرنج يحرك كيفما أراد اللاعب. الشعب السوري الثائر سيد في محنة، ولا يمكن أن يذله عبد في نعمة.