دكتور محمود الحمزة //سوريا الامل
قبل 7 أعوام دخلت القوات الجوية الروسية الى سوريا وبدأت تقصف المعارضة المسلحة التي حملت السلاح ضد النظام الاسدي.
ولم تكتف بذلك بل تورطت بقصف المدنيين ودمرت الى جانب براميل الأسد القرى والمدن والمشافي والأسواق الشعبية والمدارس.
لقد اشتركت روسيا مع عصابة الأسد المجرمة الفاسدة في قمع الشعب السوري الثائر من اجل كرامته وحريته.
واتخذت القيادة الروسية قراراً بالحفاظ على نظام الأسد الشمولي الوحشي لتصورها الخاطئ بأن نظام عائلة الأسد هو الذي سيحمي مصالحها في سوريا ولكن الحقائق والوقائع تؤكد بأن بشار الاسد لا يستطيع ضمان نفسه وعائلته لولا تدخل إيران الملالي واتباعها من الميليشيات الطائفية الداعشية ومعهم روسيا بطائراتها الحديثة.
لقد استخدمت موسكو مرتزقة فاغنر المتوحشين الذين جاؤوا لتنفيذ اجندات الجنرالات والسياسيين الروس، وكذلك لحماية مصالح رجال الأعمال الروس الذين يستثمرون في حقول النفط والغاز والفوسفات.
وطبعا اعتقدت موسكو أنها ستنهي مهمتها العسكرية في سوريا خلال 3 أشهر ، ولكنها مازالت في سوريا بعد 7 سنوات وتنوي البقاء لخمسين سنة أخرى.
والمعيب في الأمر أن داعش لم تختف من سوريا، التي تعيش وضعا اقتصاديا وانسانيا كارثيا ومازال طاغية دمشق مدعوماً من إيران وروسيا يجلس في دمشق على قلوب السوريين ويقود أكبر تجارة مخدرات في المنطقة.
وماذا جنت موسكو من تدخلها العسكري في سوريا؟
طبعا أنشأت قاعدتين عسكريتين واحدة جوية في حميميم والثانية بحرية في طرطوس ووقعت عقودا مهينة بحق سيادة سوريا مع حكومة الأسد لمدة 50 عاماً.
كما قامت روسيا بتدريب أكثر من 60 ألف عسكري روسي وجربت اكثر من 300 صنف جديد من الأسلحة على الأرض السورية ولم تفرق قنابلها وصواريخها بين الأطفال والنساء والشيوخ عن المسلحين.
وهنا اذكر بتصريح الوزير لافروف في مؤتمره الصحفي في أروقة الأمم المتحدة حيث قال أن الغرب يستخدم أوكرانيا كساحة لتجريب أسلحتها ونسي ماذا فعلت قوات بلاده في سوريا.
وصحيح أن موسكو تستخدم قاعدة حميميم للانطلاق الى دول افريقيا وشمال افريقيا في مهمات نقل أسلحة ومرتزقة روس وحتى سوريين.
وصحيح أن روسيا استفادت من مفاوضات استانا المشؤومة لتمرير خططها في استرجاع أراضي واسعة لسيطرة الأسد، بمساعدة تركيا وايران. وكذلك استطاعت فصل موضوع اللجنة الدستورية عن المحاور الأربعة حسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وأولها تأسيس هيئة حكم انتقالية. ثم أدخلت روسيا العالم في دوامة من المماطلات وبيع الوهم لمدة 4 أعوام تقريبا حول اللجنة الدستورية.
واليوم تريد موسكو نقل المفاوضات الى دمشق لتحقق اهم أهدافها وهو اجراء تغيرات شكلية جدا في نظام الأسد للحفاظ عليه وعلى أجهزة مخابراته القذرة بعد أن تجري توليفة سياسية تخدع فيها العالم مرة أخرى بأن الأسد طبق القرارات الدولية. بينما المعاناة الكارثية للشعب السوري ستتوسع وتتعمق، وسيحكم سوريا مجموعة من الشبيحة المتعطشين للقمع والنهب واهانة السوريين.
موسكو مازالت تعاني من عدم الاستقرار في سوريا، فبدونه لا يمكنها الاستفادة من وجودها جيوسياسيا واقتصاديا وعسكريا. ولا يمكن تحقيق الاستقرار بوجود الطاغية المريض نفسيا الذي يبتز روسيا وإيران معاً ويستثمر في دعمهما له.
لأنه يعتقد بأن موسكو محتاجة له أكثر من حاجته لها. لدرجة أنه اعتبر النصر العسكري الروسي على المعارضة المسلحة انتصاره الشخصي، بينما قالها لافروف صراحة لولا دعمنا لسقطت دمشق.
عندما اتحدث عن موسكو فإنني لا ابرئ الولايات المتحدة ولا الدول الإقليمية وخاصة التي اجرمت بحق الشعب السوري كنظام الملالي في طهران الذي أسس ميليشيات طائفية تساهم في خلق الفوضى وعدم الاستقرار في 4 دول عربية هي العراق وسوريا واليمن ولبنان وتتحكم بحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في غزة.
ويبدو شبه مؤكداً أن كل التدخل العسكري الروسي لم يكن لولا ضوء اخضر امريكي لانهما يتفقان في حماية أمن الكيان الصهيوني. بينما هما في حالة عداء شديد في الساحة الأوكرانية لاختلاف الأولويات والاجندات الجيوسياسية.
أكثر من 11 سنة مضت على انطلاقة الثورة السورية، ولم تقدم أمريكا ولا روسيا حلا للازمة السورية وهذا دليل على أن مصلحتهما لا تتقاطع مع مصلحة الشعب السوري، بل هما وغيرهما من الدول والقوى يخوضون صراعات جيوسياسية على الأرض السورية وعلى حساب الدم السوري
. يبدو أن روسيا متورطة في سوريا تماما، كما هي متورطة في أوكرانيا وفي ملفات خارجية أخرى. وإيران متورطة في ملفات خارجية عديدة بينما وضعها الداخلي هش ويذكرنا بالاتحاد السوفيتي.
ويرى بعض الخبراء الروس أن روسيا من الأفضل لو أنها لم تتدخل في سوريا وليبيا وافريقيا وأوكرانيا كما فعل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، حيث صرف حينها عشرات المليارات من الدولارات على مشاريعه الأيديولوجية والجيوسياسية وفي النهاية تفكك الاتحاد السوفيتي الذي كان يعتبر ثاني دولة عظمى في العالم، بينما كان الشعب السوفيتي يعيش حالة التقشف، واليوم تتوسع روسيا وتتوسع ايران بينما يعيش الناس في البلدين حياة فقر وتقشف بينما ينتشر الفساد في الداخل وتصرف الدولة المليارات على مشاريعها في الخارج.
روسيا تخسر أصدقاءها يوما بعد يوم. واعتقد ان الحديث لا يخص فقط الدول الكبرى مثل الهند والصين وكازاخستان، بل يخص نظام الأسد الذي خدمته موسكو وساعدته على البقاء حياً، ومع ذلك نجد الأسد يكشر بين وقت وآخر عن اسنانه تجاه موسكو، ويتخذ مواقف معاكسة تماما للسياسة الروسية
. وماذا سيكون سلوك الأسد لو انه انتهى من الازمة السورية؟
من المؤكد انه سيتجه الى التعاون مع الغرب، وسينسى حليفته روسيا التي تعاني هي الأخرى من عقوبات غربية وحصار شديد وهي غير قادرة على تقديم أي مساعدة لسوريا في مرحلة إعادة الاعمار بل هي تنتظر الاستثمارات وتشغيل الشركات الروسية في سوريا.ومتى ستستخلص موسكو الدروس من دعمها لنظام الأسد المجرم الفاسد؟ومتى ستتذكر موسكو أن في سوريا يعيش شعب سوري له تاريخ حضاري وثقافي وديني وانساني عريق جدا يمتد الى آلاف السنين ومن حقه العيش في ظل دولة القانون وأن تتوفر الفرص للشعب لكي يعيش بحرية ويبدع ويساهم في الحضارة الإنسانية كما فعل الاجداد على الأرض السورية.
لا يمكن للأنظمة الشمولية الديكتاتورية ان تُخلّد، بل عمرها محدود مهما تفرعنت وبطشت بالناس.
والشعوب مثلما لن تنسى من وقف معها وأيد مطالبها المشروعة، لن تنس أيضا من وقف ضدها وساعد جلاديها.
وبعد 7 سنوات عجاف من التدخل الروسي، جلبت القلق وانعدام الأمن والكارثة الاقتصادية والإنسانية مازال لدى موسكو فرصة لتصحيح موقفها في سوريا.
فهل ستفعل؟ على الأقل على ضوء التحديات الكبيرة التي تجابهها في أوكرانيا والتي أدخلت روسيا في معركة جيوسياسية مع الناتو والغرب بمجمله، وستستمر حرب الاستنزاف بالنسبة للشعبين الروسي والاوكراني بالرغم من الروابط العرقية والدينية والتاريخية والثقافية التي تجمعهما.
سوريا – وطننا الجميل، حوّلَه الطغاة والغزاة والبغاة إلى بلد فاشل وجريح، وتم تشريد شعبه الى كل اصقاع الأرض، ضمن حملة تغيير ديموغرافي ضد اغلبية الشعب السوري بمساهمة وتواطئ من العالم.وأكرر الدعوة للسوريين الأحرار لأن يجتمعوا على كلمة واحدة، فقوتنا في توحدنا تحت سقف سوريا الوطنية الموحدة ارضا وشعبا، مع احترام تنوع الآراء والانتماءات.
واجبنا المقدس، كأحزاب سياسية وقوى ونخب وشخصيات وطنية ديمقراطية تجاه شعبنا وبلادنا العزيزة على قلوبنا، أن نتخذ خطوة عملية جماعية على طريق انشاء جسم سياسي وطني مستقل، يخرجنا من عنق الزجاجة التي وضعنا فيها النظام والمتدخلون من الخارج من دول وقوى مسلحة إرهابية، والمعارضات الرسمية الهزيلة.الرحمة على أرواح شهداء الحرية والكرامة
وعاشت سوريا دولة مواطنة وعدالة لكل السوريين.