في غمرة التعاون بين روسيا وإيران على الأراضي السورية، إلا أن نوعاً من التنافس بين البلدين على كسب حصة اقتصادية أكبر في سوريا يفرض نفسه، ويزداد كلما استأثر أحد الجانبين بمشاريع لإعادة الإعمار، التي لا تزال الدول الغربية تحجم عن المشاركة فيها بسبب الأسد.
وتحدث تحليل نُشر في موقع “ناشونال”، يوم الأحد، وترجمته “السورية نت”، عن بعض مظاهر التنافس بين طهران وموسكو للحصول على “حصة الأسد” من المشاريع الاقتصادية المُربحة، مُذكراً في البداية بالطرح الذي تقدم به الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مؤخراً على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واقترح فيه تقليل الوجود العسكري الإيراني في سوريا – وهو ما يهم كلاً من روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة – مقابل تخفيف الولايات المتحدة من عقوباتها المفروضة على طهران.
وأشار التحليل إلى أن ذلك العرض قد يعكس المنافسة الروسية الإيرانية المتنامية مع تزاحمهما على حصد المنافع المالية لقطاعات سوريا الاقتصادية الرئيسية وإعادة الإعمار، الذي من المقدر أن يُكلف ما لا يقل عن 400 مليار دولار.
ورأى التحليل أنه “في حين تدرس إدارة ترامب المعضلة السياسية التي يقدمها الاقتراح، تقدم التوترات بين موسكو وطهران حول مستقبل سوريا فرصة فعالة تستحق أن تستغلها واشنطن”.
سعي لمكاسب اقتصادية
وتحت سطح التحالف بين الأسد وداعميه الأهم، روسيا وإيران، تغلي منافسة ضارية للحصول على عقود إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة في سوريا وللهيمنة على صناعاتها الاستراتيجية.
كما تتجاوز المنافع المكاسب المالية بالنسبة لقادة روسيا ولأصدقاء “الحرس الثوري” الإيراني، ووفقاً لتحليل “ناشونال” فقد “يحظى الفائز بنفوذ هام على مفاصل الدولة السورية وبالتالي، أغلب الشرق الأوسط، لعقود من الزمن”.
وتريد إيران أن تقلد في سوريا هيمنتها على القطاعات الاقتصادية للعراق المجاورة، إذ تعتبر طهران نفسها صاحبة فضل في تجنيب الأسد من الكارثة، ووفقاً للتحليل فإن إيران “تمتعت بمعاملة تفضيلية في اقتصاد سوريا أثناء محاولتها استرداد الستة مليارات دولار التي يقدر أنها أنفقتها سنوياً في دعم النظام. وبلا مفاجأة، أصدرت الحكومة السورية منذ عام 2014 مراراً مناقصات حصرية للشركات الإيرانية بمعدل من واحدة إلى ثلاثة شهرياً”.
كما شهدت الأعوام الأخيرة الماضية مذكرات دبلوماسية ضخمة لاتفاقات تمنح إيران حقوقاً في الصناعات الزراعية، والفوسفات، والاتصالات اللاسلكية المربحة،
ولكن هذا الصيف، يبدو أن بئر العقود الحصرية قد جف، بينما تسعى موسكو بعدائية للحصول على العقود في القطاعات ذاتها، خاصة المعدات الزراعية، واستخراج الفوسفات، وإصلاح منشأة الطاقة.
ويساوي الفوسفات خاصة ما يزيد عن 200 مليون دولار سنوياً، وقد يكون منبعاً للنقود بالنسبة لروسيا، إذ أنه قل العام 2011، أمّنت سوريا خمس الواردات الأوروبية للفوسفات، ومنذ العام 2017 يحاول النظام إعادة الاستفادة من الفوسفات، بعد استعادة حقول عقب معارك مع تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأشار التحليل إلى أن موسكو تبدو عازمة على تأمين هذه العقود على حساب طهران، لافتاً إلى أنه في شهر فبراير/ شباط الماضي، عبر المسؤولون الروس عن قلقهم من الاستثمار الإيراني ولمحوا لاستراتيجية سحب التجارة واتفاقيات إعادة الإعمار من طهران، وفي حين أمّنت إيران مذكرات دبلوماسية لاتفاقيات فشلت بتحقيقها، وقعت روسيا عقوداً وبدأت بالعمل في قطاعات الطاقة والتنقيب المربحة.
روسيا خيار مفضل؟
وكان رجال أعمال سوريون، قالوا لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إن مسؤولي النظام يماطلون الطلبات الإيرانية بمعاملات ومناقشات على أمل “انتظار انتهاء وقتها”.
ووفقاً لهذه الشهادة، تساءل التحليل: “لماذا يقوم الأسد كما يُنقل بصد حليفته القديمة طهران لصالح السيد بوتين؟ فبعد كل شيء، إيران هي من أرسلت عشرات الآلاف من المقاتلين الشيعة لدعم النظام خلال سبع سنين طويلة من الحرب. نجاح هذه القوات دعمته الغارات الجوية الروسية ولكن إيران هي من وفرت القوات البرية الضرورية جداً”.
ويبدو أن الأسد توصل إلى أن موسكو هي حليف اقتصادي ودبلوماسي أكثر فائدة الآن بعد أن انتهت العمليات العسكرية الهجومية الكبيرة، إذ أن اقتصاد روسيا أكبر بثلاث مرات تقريباً من حجم اقتصاد إيران، ولا يعاني بشكل كبير من عقوبات تعجيزية من الغرب مثل منافسته.
وعلى الرغم من أن طهران ونظام الأسد قد طرحا خططاً لإنشاء حسابات بنكية مشتركة للتحايل على العقوبات الغربية، إلا أنه ما يزال من غير الواضح إن كانت تلك الخطط ستتحول لحقيقة أو إن كانت ستنفع. وأكثر من هذا، فالشركات الروسية تملك تكنولوجيا أفضل لتقديمها للنظام.
وسياسياً، دافع السيد بوتين مراراً عن نظام الأسد في المحافل الدولية، وقضى أشهراً يحاول جذب الدول العربية الخليجية الثرية والدول الأوروبية للالتزام بتقديم التمويل الضروري لإعادة الإعمار.
كما أن الأسد ينظر لروسيا على أنها الحليفة الوحيدة التي بإمكانها الضغط على الغرب “للتطبيع” مع نظامه وإعادة النظام إلى المجتمع الدولي، بعيداً عن حالة النبذ كالتي تعانيها إيران.
خيارات صعبة
وقد يكون للولايات المتحدة دور هام في هذه الظروف الروسية الإيرانية، إذ أن عرض بوتين سيؤمن إنهاء إيران لوجودها العسكري في سوريا مقابل تقليل العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بعد الانسحاب بداية هذا العام من الاتفاق النووي الذي يعود لعام 2015.
كما أن العرض الروسي “يحقق هدفين روسيين أساسيين، تقليص النفوذ الإيراني في غربي سوريا، وفي الوقت نفسه تسهيل استثمار الشركات الروسية في إيران”، بحسب تحليل “ناشونال”.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن عرض بوتين، الذي أكده مسؤولون أمريكيون سراً ولكن لم يستجيبوا له علناً، يقدم معضلة لإدارة ترامب، إذ أن قبوله وتقديم فسحة للحكومة الإيرانية لالتقاط أنفاسها في الوقت الذي بدأت فيه العقوبات تأخذ أثرها يعني ابتعادهم عن أولويتهم بإعادة التفاوض على الاتفاق النووي وإنهاء تطوير إيران للصواريخ البالستية، في حين أن رفضه سيعني خسارة فرصة العمل مع روسيا وإسرائيل لدحر التواجد الإقليمي المتضخم لإيران.
وختم موقع “ناشونال” التحليل بالإشارة إلى أن هذه خيارات صعبة ولكن في النهاية إن أرادت روسيا المزايدة على إيران في تأمين دور رئيسي في سوريا ما بعد الحرب وفرض نفوذها في الشرق الأوسط، لا يجب أن يكون هذا على حساب الولايات المتحدة أو على حساب تغيير أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.
وسيكون من الأفضل أن ترفض إدارة ترامب عرض بوتين وأن تمارس الصبر الاستراتيجي، منتظرة لأن يكون للعقوبات أثر أكبر على الاقتصاد الإيراني ولأن تخاطر روسيا بتوريط نفسها عسكرياً أكثر في سوريا.
وأضاف: “في النهاية، كسب داعموا الأسد المتخاصمون الحرب له ولكنهم لا يستطيعون تأمين السلام. لا يمكن لروسيا وإيران تحقيق الاستقرار لسوريا وتأمين مئات المليارات من أموال إعادة الإعمار دون دعم الولايات المتحدة، مع حلفائها العرب والأوروبيين. لذا في حال أراد بوتين الاتفاق، سيكون عليه نسيان تخفيف العقوبات على طهران والتركيز بدلاً من ذلك على الانتقال السياسي الحقيقي في سوريا”.
المصدر: السورية نت