• الأحد , 29 ديسمبر 2024

سياسة جو بايدن الخارجية

جويس كرم

الحرة. نت:13/11/2020″

الشرق الأوسط لن يكون في أولويات بايدن الرئاسية في الخارج”تكاثر في الأسبوعين الماضيين حجم الشائعات، ونظريات المؤامرة، ومبالغات من هم بعيدون عن الوسط الأميركي، في قراءة السياسة الخارجية لنائب الرئيس السابق جوزيف بايدن الذي يقف على عتبة تولي سدة الرئاسة الأميركية.هناك من وصفه بأنه “حليف إيران” أو أنه “متواطئ مع الأخوان المسلمين”، وهي اتهامات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها ساذجة، وتنبع من جهل عميق في آلية صنع السياسة الخارجية الأميركية أولا، وفي تاريخ بايدن نفسه.

التنظيرات السطحية تخطئ في قراءة بايدن، فهو ليس باراك أوباما ولا دونالد ترامب، وخبرته على مدى أربعة عقود لا يمكن اختصارها بلاعب إقليمي أو حركة إسلامية.بايدن في حال تسلم الرئاسة في 20 يناير، وهو أمر مرجح اليوم بسبب الصعوبات التي تواجه الحملات القانونية التي يخوضها الرئيس دونالد ترامب، سيكون الرئيس الأكثر خبرة في السياسة الخارجية في تاريخ أميركا الحديث. فهو عضو في الكونغرس من 1973 وحتى دخوله البيت الأبيض كنائب للرئيس مع باراك أوباما في 2008.

وخلال وجوده في الكونغرس كان بايدن عضوا في لجان الخارجية والقضاء ومكافحة الاتجار بالمخدرات، وترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قبل الانتقال للبيت الأبيض وتولي ملف العراق والعلاقة مع الأوروبيين كنائب للرئيس.بايدن وسطي التوجه، وهو ابن المؤسسة الحزبية الديموقراطية التي بنى أسس سياستها الخارجية رؤساء بحجم فرانكلين روزفيلت الذي قضى على النازية، وجيمي كارتر عراب اتفاق كامب ديفيد، وبيل كلينتون عراب اتفاق السلام في آيرلندا الشمالية واسقاط ميليسوفيتش. إن اختصار المدرسة الديموقراطية برئاسة أوباما هو تبسيط يصل حد الجهل بالتاريخ الأميركي، وبايدن عاصر نجاحات وإخفاقات السياسة الأميركية عن كثب في العقود الأربعة الماضية.ما نعرفه عن تاريخ بايدن ومواقفه، هو أنه تقليدي، إنما يغرد خارج السرب أحيانا.

فهو تضارب مع أوباما في قرار زيادة عدد القوات في أفغانستان، وفضل الانسحاب المبكر من الحرب، وأيد الانسحاب من العراق، وكانت له تحفظات كبيرة على عمليات “الناتو” في ليبيا، وهو بذلك أقرب لترامب منه لأوباما. لكن بايدن دعا أيضا لتقسيم العراق في 2007 بين السنة والأكراد والشيعة، ومن ثم اعتذر وتراجع عن ذلك، ولم يكن من الأصوات الحاضرة بقوة في زمن الربيع العربي.حقيقة الأمر، أن الشرق الأوسط لن يكون في أولويات بايدن الرئاسية في الخارج.

قضايا مكافحة الوباء، وإصلاح العلاقة مع الأوروبيين واحتواء النفوذ الصيني واتزان الاقتصاد الدولي هي أكثر محورية من أي ملف شرق أوسطي لمصالح الولايات المتحدة اليوم. وقد انعكس ذلك في اتصالات أجراها بايدن مع قيادات خارجية كان أولها زعماء كندا ثم فرنسا ثم ألمانيا ثم بريطانيا. إعادة تمتين حلف “الناتو” والتعاون في ملفات حيوية مع الأوروبيين بينها التبادل التجاري والانتشار النووي، ستكون في صلب أولوياته الخارجية.في الشرق الأوسط، لن يكون هناك مفاجآت من بايدن، لأن الاهتمام الأميركي ونفوذ واشنطن تراجع في المنطقة. سيحاول بايدن العودة للاتفاق النووي الإيراني، إنما فقط في حال التزام إيران، وسيصطدم بالبيروقراطية الأميركية والكونغرس في حال قرر رفع العقوبات عنها.

أما في سورية والعراق، فهو يحبذ إبقاء قوة عسكرية محدودة، لكن لا يريد زيادة الحضور الأميركي عما هو عليه. الحاجة لاحتواء نفوذ روسيا والصين ستدفعه أيضا باتجاه مراجعة السياسة مع تركيا، والاتجاه إلى فرض عقوبات الكونغرس على أنقرة ـ والتي أخرها ترامب ـ لشرائها منظومة أس-400 الروسية الدفاعية، وفي نفس الوقت ستسعى الإدارة المقبلة إلى إبعاد أردوغان عن موسكو، وهي مهمة أصعب مما تبدو عليه.

في لبنان وسورية، من المتوقع الاستمرارية بالنهج الحالي، مع احتمال زيادة المساعدات الإنسانية لبيروت، وخوض مبادرة ديبلوماسية دولية في سورية من دون الانخراط مباشرة مع الأسد. أما في إسرائيل وفلسطين، فسيفترق بايدن عن نهج ترامب القريب جدا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ولكن من المستبعد أن يضع جهدا كبيرا في عملية السلام.الكثير سيعتمد، في حال تولى بايدن الرئاسة، على من سيشغل حقيبة الخارجية، فالفرق شاسع بين مستشارة الأمن القومي سابقا سوزان رايس والسناتور كريس كونز، أي بين أسلوبي مواجهة ومصالحة. الشرق الأوسط بحروبه ونزاعاته ونموه لن يكون الهم الأول للرئيس المقبل، وبايدن سيستمر بنهج براغماتي ووسطي، يحمي فيه أولا وأخيرا المصالح الأميركية.

مقالات ذات صلة

USA