إسطنبول – تيم الحاج
موقع تلفزيون سوريا: 14/2/2021
في مساحة شاسعة تمتد على أكثر من ثلاث محافظات سورية هي الأكبر والأغنى بالثروات الباطنية وتعد سلة غذاء سوريا من القمح وغيره من المحاصيل، تسيطر مجموعة من الشخصيات – غير السورية بمجملها- على مقدرات هذه المنطقة، وتتحكم بكل كبيرة وصغيرة فيها بأوامر تأتيها من خارج الحدود السورية، تعمل هذه المجموعة عبر تسترها بسلطة الأمر الواقع التي تُعرف بـ “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا منذ سنوات.
كثير من السوريين يتساءل عن حجم القوة والنفوذ الذي باتت ما تسمى “الإدارة الذاتية” تتمتع به، بالنظر إلى علو صوتها مؤخراً على صوت نظام الأسد في أحداث الحسكة وإجباره على الرضوخ لبعض مطالبها، قد يظن البعض أن الأمر عائد إلى حجم الدعم الواسع الذي يتلقاه هذا المشروع من أميركا ودول غربية عديدة، وهذا بظاهره صحيح، فعماد هذا المشروع هو القوة العسكرية التي تتمثل بـ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وهذه تجمعها علاقات إستراتيجية بالتحالف الدولي بل إن هذا الأخير هو الأب الروحي لها، لكن عنصر القوة لمشروع الإدارة لا يقتصر على “قسد” فحسب بل يعود إلى طبيعة الشخصيات التي تقوده في الظل، والتي نسجت لنفسها هيكلية منظمة تُسهل عليها الإمساك بالقرارات العسكرية والسياسية والاقتصادية
العقيد طلال علي سلو، الناطق الرسمي السابق لـ “قسد” والذي كان أيضاً عضو القيادة العامة فيها، قبل أن ينشق عنها نهاية عام 2017، نبش في صندوق أسرار “الإدارة الذاتية” الذي مازال يعلم أدق تفاصيله رغم ابتعاده، وأطلع موقع تلفزيون سوريا في حديث خاص على الطريقة التي تُدير فيها قيادات من “حزب العمال الكردستاني” (PKK) مشروع “الإدارة الذاتية” بشقيه العسكري (قسد) والسياسي “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، إضافة إلى تفاصيل أخرى، منها طبيعة العلاقة التي تجمع هذه القيادات بنظام الأسد.قيادات “PKK” والهيكلية التي يمسكون من خلالها بـ “الإدارة الذاتية”يجزم سلو أن قيادات “حزب العمال الكردستاني” الذين يعرفون بـ “قيادات قنديل” هم المُتحكم الرئيسي والوحيد بـ “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، ويؤكد أن المسؤول العام لهذه القيادات هو صبري هوك أو (صبري أوك) وهو من قيادات الصف الأول لـ “PKK”، وهو مُعطي الأوامر الأول في الجوانب الاقتصادية والسياسية والعسكرية، يليه نور الدين الصوفي، الذي يحتل المرتبة الثانية بعده، وهما في الأصل من أبرز قيادات “قنديل”
.وقنديل منطقة جبلية في شمالي العراق قرب الحدود مع إيران وتركيا، وتمتد بعمق نحو 30 كيلومتراً داخل تركيا، وتعتبر ذات أهمية إستراتيجية بالغة، وتعد حصناً رئيسياً وملاذاً آمناً للحركات الكردية التي نشأت في مراحل مختلفة من التاريخ، وتبنت العمل المسلح لإقامة دولة قومية موحدة للأكراد الموزعين بين دول المنطقة (العراق وسوريا وإيران وتركيا).وترتبط جبال قنديل على وجه الخصوص بالنشاط العسكري لـ “pkk” الذي تقع جل معسكراته ومراكز تدريبه في هذه الجبال، وقد أقام “pkk” بنية تحتية لمقاتليه في هذه الجبال الوعرة، إذ أسس مستشفى خاصا به لمعالجة مقاتليه.يمضي سلو في الحديث عن هيكلية هذه القيادات في سوريا، مشيراً إلى “قسد” التي يديرها مظلوم عبدي الذي لديه أسماء وهمية أخرى كـ (شاهين شيلو وفرهاد عبدي شاهين) واسمه الحقيقي، مصطفى خليل عبدي، وإلى جانبه نيروز أحمد وهي مسؤولة عن “وحدات حماية المرأة” وسيبان حمو وهو قائد “وحدات حماية الشعب”، أما الجانب الاقتصادي فيديره شخص اسمه علي شير وهو المسؤول عن كل الأمور الاقتصادية شمال شرقي سوريا، في حين يتحكم ألدار خليل بالجانب السياسي ويساعده في ذلك إلهام أحمد وإسماعيل ديريك ونورجين يوسف، وفق سلو الذي يضيف قائلاً إن المسؤول عن “الأسايش” وهو جهاز الأمن في “الإدارة الذاتية” هو كهرمان، كما أوكلت مهمة الإشراف على الرقة وريفها عسكرياً إلى حسن محمد علي واسمه الحقيقي زوهاد كوباني، في حين يشرف على دير الزور، بولات جان.ويتابع سلو إن حياة قيادات “حزب العمال الكردستاني” عموماً ليست مدنية لذلك وجودهم بين الناس شبه معدوم، إذ يقضون معظم أوقاتهم في المقار العسكرية، فهم بالأساس ليس لديهم علاقات أسرية ولا يفضلون الزواج ويبتعدون عن العيش مع أهلهم، وفق قوله.
علاقة “pkk” بالقوات الأميركية والتحالف في سوريا
تُصنف الولايات المتحدة الأميركية وكثير من الدول الأوروبية “حزب العمال الكردستاني” منذ عام 1997 ضمن قائمة الإرهاب لديها، إلا أن هناك تعاوناً وثيقاً بين الطرفين في سوريا، يعتبره سلو أنه يصب في خدمة المصالح الأميركية في سوريا، ويضيف أن التحالف والقوات الأميركية على علم بنفوذ هذه الشخصيات وغيرها من “pkk” في سوريا بل إنهم يدعمونهم، ومعظم هؤلاء القيادات يمتلكون مقار داخل القواعد الأميركية شمال شرقي سوريا، ومشيراً إلى أن مقر مظلوم عبدي في إحدى تلك القواعد.
ويؤكد أن أميركا كانت تدعم عناصر وقيادات “pkk” حتى قبل تشكيل “قسد” في تشرين الأول 2015، في أعقاب إعلان الولايات المتحدة الأميركية نيتها تقديم أسلحة لمجموعة محددة بهدف محاربة تنظيم “الدولة”، وتتألف “قسد” بشكل رئيسي من “وحدات حماية الشعب” و”وحدات حماية المرأة”، وهي قوى مسلحة تابعة لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” وهو امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني”.ويعتقد سلو أن وجود “pkk” في سوريا مرتبط بدعم القوات الأميركية التي إذا قررت سحب الغطاء عنه فإن تركيا ستتكفل بإخراجه، لأنها تعتبر وجوده على حدودها يشكل خطراً على أمنها القومي
.وفي هذا الإطار يؤكد أن قيادات وعناصر “pkk” لم يستملكوا لأنفسهم أراضي في سوريا لأنهم يعلمون أن مستقبلهم فيها مهدد، لكنهم استفادوا ومازالوا من النفط وواردات الزراعة ورفعوا من قوتهم العسكرية وتحولت أموال طائلة من سوريا إلى قيادات قنديل.كما استفادوا أيضاً من الأسلحة النوعية التي قدّمها التحالف لـ “قسد”، وتمكنوا من نقل ما استطاعوا منها إلى قنديل عبر العراق فالمعابر شمال شرقي سوريا بيدهم وتحت تصرفهم.علاقات عميقة بين “pkk” ونظام الأسديعتبر سلو أن “pkk” أحد الأدوات التي اعتمد عليها نظام الأسد في سوريا، بل زاد في اعتقاده أن يكون النظام هو من صنعه أيام حافظ الأسد الذي دعم عبد الله أوجلان مؤسس الحزب والمعتقل في تركيا منذ عام 1999، ويقول سلو وفق مشاهداته أثناء عمله مع “قسد” وبحسب معلوماته الحالية: إن هناك علاقة عميقة تجمع قيادات “pkk” في سوريا بالنظام حتى الآن.
ويضيف أن هناك مكتبا خاصا بـ سيبان حمو قائد “وحدات حماية الشعب” في القاعدة الروسية في الساحل (حميميم) ومكتبا آخر في منطقة كفر سوسة بدمشق، مشيراً إلى أن روسيا تشرف على تنقلات هذا الشخص
.وقال إن الخلافات تحدث بين “قسد” والنظام بين الحين والآخر هي للتسويق الإعلامي، وفق وجهة نظره، كي يتم إيهام المعارضة السورية بأن “الإدارة الذاتية” ومكوناتها جسم رافض للنظام كي تستطيع الدخول في العملية السياسية.وزاد سلو أن العلاقة لا تتوقف عند الروس ونظام الأسد بل حتى مع الميليشيات الإيرانية عبر القيادات الإيرانية في “حزب العمال الكردستاني” التي تقوم بالتنسيق مع النظام وإيران في بعض الملفات في سوريا.ويشار هنا إلى ما أوردته صحف تركية في نسيان 2020 عن اجتماع ضم قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني بجميل بايق وهو أحد أهم قيادات “pkk”في جبال قنديل.
ومن المؤشرات على علاقة نظام الأسد بقيادات “pkk”، تصريح لافت أطلقه جميل بايق في آب 2020 حول أحقية نظام الأسد في السيطرة على النفط السوري وفق ما أورده أحد الصحفيين الأكراد المطلع على نشاط “حزب العمال الكردستاني”.
وحول التوتر الأمني الأخير في الحسكة، يرى سلو أنه للتسويق الإعلامي، ويوضح رأيه بالقول إنه في الأساس إذا نظرنا إلى الحسكة والقامشلي نجد أن هناك تفاهماً وثيقاً بين الطرفين فالمحافظ وجيش النظام موجودون بأريحية في صميم وعمق مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية”.
وهذا يؤكد مرة أخرى، وفق سلو، وجود ارتباط بقيادات قنديل في سوريا، ويكشف سلو عن وجود مكتب اسمه “مكتب الارتباط” مهمته التنسيق بين هذه القيادات ونظام الأسد، ومن الأمور التي تدل على التعاون بينهما هو نقل جرحى “pkk” و”قسد” إلى مستشفيات دمشق للاستطباب من الجروح التي يتعرضون لها في المعارك.ويقول سلو إن هذا أمرٌ معمول به منذ سنوات، وهناك دار للجرحى في منطقة وادي المشاريع بدمشق خاصة بجرحى “pkk” و”قسد” الذين يتعالجون في مستشفيات النظام ويتلقون الرعاية في هذا الدار قبل عودتهم إلى شمال شرقي سوريا.