كتب مارك صيقلي في :Ici Beyrouthبالنسبة لرئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق فرانسوا هولاند، فإنّ السيناريو الأسوأ للبنان هو الـ “لامبالاة من أوروبا أو المجتمع الدولي”.
ودعا هولاند في مقابلة خاصة مع “ici Beyrouth”، إلى مبادرة فرنسية – ألمانية لصالح بلد الأرز، موضحاً أنّه من الضروري جداً وأكثر من أي وقت مضى أن تكون لأوروبا استراتيجية في التعامل مع السياسة الخارجية”.“
واجب فرنسا دعم لبنان
”انخرط الرئيس الأسبق في الشؤون اللبنانية منذ بداية ولايته، وكان الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون قد حاول أن يثبت نفسه كمنقذ للبنان عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020.في حينها كان من المفترض أن تسمح “المبادرة الفرنسية” للبنان بالتعافي بعد عام من اندلاع الأزمة الاقتصادية والمالية والتي تفاقمت مع تفشي وباء كورونا.
في وقت سابق من هذا الشهر، أطلق ماكرون مبادرة فرنسية – سعودية بهدف حلّ أزمة لبنان مع دول الخليج، ولكن وفق سلفه فرانسوا هولاند، فإنّ الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان يتطلب المزيد من الجهود الفرنسية فـ “واجب فرنسا الأول هو دعم لبنان. والمبادرة لم تعطِ النتائج التي كانت متوقعة وهذه خيبة أمل كبيرة للشعب اللبناني، أولاً لأن الحكومة لم تتشكل فعلاً وفق قواعد هذه المبادرة، وثانياً لكون المساعدات لم تأتِ أقلّه ليس بالشكل الكافي. وعلى الرغم من العمل على إعادة العلاقات اللبنانية مع السعودية، إلا أنّ الاستثمارات ما زالت غير موجودة”.
يعتقد الرئيس الفرنسي الأسبق أنّه من الضروري “جلب الموارد إلى لبنان، ومصادر التمويل، من خلال المنظمات غير الحكومية على أن تمر من خلال السلطات اللبنانية”، ويشدد هولاند على أنّ “للبنان حكومة، حتى لو لم تكن تلك التي كنا نرغب بالتحدث معها”.يذكر أنّ المجتمع الدولي كما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يرفضون دفع أيّ مبلغ للحكومة اللبنانية كمساعدات، طالما لم تبدأ هذه الحكومة بتنفيذ الإصلاحات التي نصّ عليها مؤتمر سيدر.من جهته، يعارض فرانسوا هولاند، هذا التوجّه معرباً عن قلقه من النفوذ الإيراني الذي يملأ الفراغ الذي تركه المجتمع الدولي في لبنان: “أعلم جيدًا أننا أمام معضلة، لكن هذه المعضلة مستمرة منذ سنوات، ونحن لا نكتشفها اليوم. سيكون من الأفضل بالطبع لو كانت هناك حكومة مختلفة، ولو كانت آلية توزيع المناصب في لبنان مختلفة أيضاً، ولو كانت هناك كذلك محاربة فعّالة للفساد.
ولكن حالياً لبنان يحتضر، وفي هذا المرة لا يجب على المرء أن يطالب بمطالب سياسية. أما ما يقلقني في لبنان فهو أنّ الإيرانيين يدخلون على خط الأزمة للقول بأنّهم كرماء وبإمكانهم أن يقدموا لهذا البلد الدعم، وبالتالي وبعد مرحلة من الدعم المباشر أو غير المباشر من قبل إيران يمكننا أن نرى بوضوح المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المجتمع اللبناني”.
هذا ويدعو فرانسوا هولاند من خلال “ici Beyrouth” إلى مبادرة فرنسية ألمانية للبنان وأن تستثمر أوروبا أكثر في الشؤون الخارجية: “لا ينبغي أن تكون أوروبا مجرد صندوق، وأن تبقى مترددة. بل يجب أن تكون قادرة، ليس فقط على تقديم الدعم ولكن على وضع القواعد السياسية. أسوأ شيء بالنسبة للبنان هو اللامبالاة، هو أنه لم يعد قضية بعد الآن.
وأعتقد بالفعل أنّه من المهم إطلاق هذه المبادرة بعد الانتخابات في فرنسا، وبعدما تمّ تنصيب حكومة في ألمانيا. والأهم أن تكون هذه المبادرة فرنسية – ألمانية، هذا ما كنت سأفعله كرئيس، لأنّ كل ما تقوم به فرنسا هو باسم صداقتها وباسم حضورها التاريخي، ومن الجيد أن يكون هناك دولة كبيرة مثل ألمانيا تستثمر في مواضيع الشرق الأوسط”.
قد تقوم إسرائيل بمبادرات
في السياق نفسه يشعر فرانسوا هولاند بالقلق من الوضع في المنطقة فـ”فكرة الحرب التي تم رفضها منذ عام 1945، مثبتة اليوم”، ولا يخفي مخاوفه من اندلاع حرب في المنطقة في حال فشلت المفاوضات النووية الإيرانية، معتبراً أنّ “فرضية الحرب موجودة.
ليس فقط الشرق الأوسط، ولكن في أوكرانيا، وفي بحر الصين. إذاً فكرة الحرب العامة التي كانت مرفوضة هي حاضرة، ونعم، هي ممكنة وإذا لم تنجح المحادثات مع إيران، فإن إسرائيل ستتخذ مبادرات. نحن نعلم ذلك، وفرنسا شاركت بشخص وزير الخارجية آنذاك لوران فابيوس بالاتفاق النووي، لأننا علمنا أن هناك تهديدًا مباشرًا للغاية، وأنه إذا انضمت إيران إلى الأسلحة النووية، فلن تبقى إسرائيل دون رد، وعرفنا أيضًا أن الولايات المتحدة التي كان يرأسها باراك أوباما قد تدعم رد فعل إسرائيل.
لذلك فعلنا كل شيء لضمان وجود هذا الاتفاق، وقد ارتكب دونالد ترامب خطأً فادحًا في التخلي عنه، ولا بد من إعادته وعلى الإيرانيين أن يعلموا أن الوقت ينفذ”.
في المقابل يطمئن هولاند اللبنانيين القلقين من تداعيات المباحثات النووية الجارية حاليًا في فيينا، لاسيّما بسبب حزب الله الذي يتلقى أمواله من إيران، فيقول: “على لبنان أن يتوقف عن التفكير في أنه سيخسر، صحيح أنّ المفاوضات على ما يبدو مظلمة، ولكن لبنان موجود وسيستمرّ حيّاً، ولبنان ليس في قلب المفاوضات ولا توجد معلومات محددة، وربما هناك حديث عن العفو عن لبنان”.
وفيما يتعلق بالتوترات الدولية حول العالم، يعتقد فرانسوا هولاند أنّه من المحتمل نشوب حرب عالمية: “إنه أمر مقلق للغاية. أنا قلق بشأن الوضع في العالم. حتى ذلك الحين، كانت الحرب موجودة دائمًا، وكانت الصراعات عديدة منذ الحرب العالمية الثانية. لكننا الآن في توترات شديدة.
لقد حشدت روسيا قوات على الحدود الأوكرانية، ربما للتفاوض، ولكن إذا كانت هناك قوات، فيجب استخدامها في مرحلة ما. كذلك تولي الصين اهتمامًا واضحاً بالوضع في تايوان/ والولايات المتحدة لا تعرف كيفية الرد على التوغل الصيني المحتمل في المياه الإقليمية، لذلك يمكننا أن نرى أن هناك توترات قوية للغاية”.
لا ينبغي على أوروبا أن تكون حيادية بل نشطة
في هذا الملف يعتقد فرانسوا هولاند أنّه “اليوم، لا يوجد أيّ بلد في أوروبا يريد مغادرة الاتحاد الأوروبي. انطلاقاً من وجهة النظر هذه، كانت المملكة المتحدة هي المثال المضاد المثالي، إذ لا أحد، حتّى الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا تريد مغادرة الاتحاد الأوروبي”، ويسأل هولاند القلق من الصعوبات في اتخاذ القرارات داخل المجلس الأوروبي: “هل الاتحاد الأوروبي يعمل بشكل أفضل؟! لا، لقد تصرف بشكل جيد خلال جائحة كورونا ولكن يمكننا أن نرى بوضوح أن هناك نقصًا في الزخم”.
إلى ذلك يعتبر الرئيس الفرنسي السابق أنّ على أوروبا أنّ تكون أكثر نشاطًا على مستوى الدفاع عن سياستها الخارجية: “يمكننا أن ننتظر الأشهر أو السنوات القليلة القادمة، لكن على أوروبا الدفاع عن عدد قليل من البلدان وأن تكون موجودة حيث توجد تهديدات خطيرة لأمنها”، ويعتبر في هذا السياق أنّ أوروبا هي التي يمكنها تهدئة التوترات العالمية: “اليوم ، يجب أن نرد، يجب على المجتمع الدولي أن يظهر مزيدًا من الصلابة وهذا يعتمد أولاً وقبل كل شيء على أوروبا.
الأمر متروك لأوروبا لكي تكون عامل توازن. ولكي نكون كذلك، يجب ألا نكون محايدين، يجب أن ننشط حيث يتراجع الغرب، وحيث لم تعد الدول ترغب بالاستثمار. فهناك امبراطوريات أخرى ترغب في التوغّل عندما تستطيع، مثل الصين، ومثل روسيا التي تريد استعادة ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي، وتركيا التي تحلم بأمبراطورية، وإيران التي تواصل تحركاتها”.
كنا سنجعل بشار الأسد يرحل لو قصفنا في 2013”.
رداً على سؤال حول الضربات العسكرية التي تم إقرارها ثم التخلي عنها في آب 2013 ضد نظام بشار الأسد والذي استهدف في حينها ضواحي دمشق بالأسلحة الكيماوية، يعترف فرانسوا هولاند “بأنه ما كان ليكون هناك من داعش أو جماعات متطرفة، لو اختار أوباما الخيار التي كنت على استعداد للإقدام عليه. كنا سنجبر بشار الأسد على الرحيل.
ولكن لأن هذا لم يحدث رأينا النتيجة، ظهر تنظيم “الدولة الإسلامية” وبقي بشار الأسد، علماً أننا استطعنا القضاء على داعش من قبل التحالف الذي شكلناه، لكن بشار الأسد أكد وجوده في سورية المفيدة، وهذا انتصار للروس وللإيرانيين، وهزيمة للغرب، كما أنه هزيمة لفكرة حقوق الإنسان إذا فكرنا خارج المصالح الجيوستراتيجية، فبشار الأسد ذبح شعبه واستخدم أسلحة كيماوية، ولا يزال يستخدمها.”
وفيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر إجراؤها في نيسان 2022 والتي يبدو أن اليسار فيها ضعيف، حيث لم يحصل على أكثر من 25٪ من الأصوات في مختلف استطلاعات الرأي، يدعو الرئيس السابق اليسار الفرنسي إلى التعبير على الأقل عن مواقف قوية وذات مصداقية “لأنّ المواقف منقسمة تمامًا والناخبين قلقين للغاية، المهم أن يكون اليسار موجوداً وليس بالضرورة أن يكون موحدًا كما يتخيله البعض، أو أن يعبر عن مواقف قوية وذات مصداقية”.
ويعتبر هولاند أنّه بغياب اليسار فإنّ “اليمين والمتطرف سيحتلان المنصة، وسيُنظر إلى إيمانويل ماكرون على أنه عقبة في الطريق”.
ا