العقيد عبد الجبار العكيدي/موقع تلفزيون سوريا
أشهر قليلة كانت كافية بالنسبة للسوريين من أجل رؤية “الجيش العربي السوري” عارياً، حين زج به النظام في مواجهة مباشرة مع المحتجين، بسلاح مشاته ومدرعاته وقواته الخاصة وألوية الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة، وبدا آلة قتل مروعة لا تتورع تغولاً في دماء كل من قال لا لنظام الأسد، لكن هذه الآلة انكشف أيضاً ضعفها وهزالها مع أول بندقية رفعها الثوار.
إذن، كان القرار جاهزاً، الجيش مهمته الدفاع عن النظام، بكل تشكيلاته وأقسامه، ولذا لم يستغرب أبناء ريف حلب الجنوبي أن يزج النظام حتى بكتائب الدفاع الجوي الموجودة هناك في حربه ضدهم، وهي كتائب يُفترض أن مهمتها كانت الذود عن سماء الوطن من أي عدوان خارجي، وصدّ طائرات الاحتلال الإسرائيلي، التي قد تهاجم منشآت حيوية تقع في ذلك الريف، مثل مطار حلب الدولي، ومطار النيرب العسكري، ومعامل الدفاع، ومركز البحوث العلمية، لكنها لم تمارس هذه الكتائب وأمثالها في عموم التراب السوري دورها يوماً.
وفي مقالنا اليوم، نرصد إحدى أهم كتائب الدفاع الجوي السبع الموجودة في ريف حلب الجنوبي، أهميتها وموقعها ومآلها بعد الثورة، والتي شهدت صولة للثوار قلَّ مثيلها في مسار كفاح الثورة المسلحة. في مرحلة كفاح نقي، قاومت فيه عين الثورة مخرز قوات الأسد.
كتيبة عزان
تعدّ كتيبة عزان كما أسلفنا إحدى أهم كتائب الدفاع الجوي السبع التي أقامها النظام في ريف حلب الجنوبي، والأقدم في المنطقة، وتتبع إداريا إلى اللواء \80\، والمكلف بحماية مطار حلب الدولي، ومطار النيرب العسكري.
تبعد كتيبة عزان عن مدينة حلب نحو 13 كم، وتتمركز في أعلى قمة جبل عزان في الطرف الجنوبي منه، وهذا ما يمنحها أهمية استراتيجية وموقعا عسكريا حاكما بميزات دفاعية عالية. يحدّ كتيبة عزان من الغرب عند سفح الجبل قرية عزان، وبلدة عبطين، ومن الجنوب الغربي كازية عبطين، من الجنوب قرية الناصرية (المظاليم)، وقرية الصبيحية، ومن الشرق رسم عسان، ومن الشمال الشرقي رسم بكرو. ومن الشمال امتداد جبل عزان وصولا إلى مزارع ومداجن البيفات.
كتيبة القتل..
بعد ما تفننت تلك الكتيبة في استهداف سافر وغير مبرر للمدنيين في المنطقة قرر الثوار استئصال هذا التهديد والخطر، واختير لهذه العملية تاريخ 27 تشرين الثاني / نوفمبر من العام ٢٠١٢، وهذا التاريخ لم يكن محض مصادفة بل اختير بدقة وتكتيك عسكري متزامنا مع أولى عمليات الريف الجنوبي العسكرية التي تستهدف كتيبة المنطار في جبل الحص.
انقض الثوار على الكتيبة مستغلين انشغال النظام بالدفاع عن كتيبة المنطار، وكانت عملية عسكرية سريعة، ومؤلمة في الآن ذاته، فقد كانت ساعة واحدة كفيلة ببسط الثوار سيطرتهم على كامل الكتيبة، وجميع من فيها باتوا بين قتيل وأسير في قبضة الثوار.
يوم العزة
كشفت عملية الاستطلاع عن زيف ما كان يروج له النظام من وجود قوات مدافعة كبيرة في الكتيبة من بينها قوات إيرانية، وهنا مفارقة كبيرة في استقواء النظام بذكر إيران لتقوية وجوده في مكان ما. وكانت مهمة الاستطلاع أيضا التأكد من معلومات قدّمها منشقون من كتيبة المنطار، ذكرت أن جميع من في الكتيبة بين ضباط وأفراد عددهم لا يتجاوز الستين، مع وجود ستة صواريخ مضادة للطيران، ومثلها من رشاشات ٢٣، وغيرها من الأسلحة المتوسطة والخفيفة.
تحددت ساعة الاقتحام، وكانت قبيل الفجر بساعة، وبدأت العملية باستخدام دبابة \T72\، ورشاشات 23 عدد \2\، ورشاش 14.5 عدد \2\ وأسلحة خفيفة، وتم توزيعهم على ثماني مجموعات كل مجموعة تتألف من \12\ مقاتلا.
وفي ظل انشغال المدافعين عن الكتيبة في صد الهجوم الوهمي، أطلق المهاجمون الفعليون قذيفة دبابة أصابت أحد الصواريخ ما خلّف انفجارا كبيرا سُمع دويّه في المنطقة، تسبب أيضا بحالة هلع كبيرة بين المدافعين.
بعد الانفجار ومع بدء الهجوم الحقيقي، بدأت معنويات المدافعين بالانهيار، من دون أن يتوقف الثوار عن التقدم وتطويق المدافعين في مبنى القيادة، والذين أعلنوا استسلامهم فور انكشاف هروب قائد الكتيبة ومعه ملازم أول وعدد من الأفراد.
القائد الهارب
مما كشفته عمليات الثوار العسكرية منذ البدايات هو مستوى المسؤولية والشجاعة عند قادة النظام، إذ أإن هروب قائد كتيبة عزان وهو برتبة عميد كان ممّا ساهم في انهيار معنويات المدافعين، وحاول في تلك الأثناء زعيم ميليشيات الشبيحة في المنطقة والذي يدعى علي طبق (أبو ربيع) تهريب قائد الكتيبة.لكن الثوار المنتصرين للتوّ استمروا في ملاحقة ذلك القائد الهارب وأصابوه إصابة غير قاتلة، فتظاهر بالاستسلام وطلب مساعدة أحد المقاتلين وفور اقترابه ألقى العميد قنبلة يدوية أدت إلى استشهاد المقاتل وكما قُتل أيضا قائد الكتيبة ومعه أحد عناصره.
تلك الحادثة، تسببت في تصدر إحدى المجموعات المشاركة (لواء داوود) المشهد، بعد أن أبدت غضبا شديدا، وهي كتيبة معروفة بتشددها وانضمت لاحقا إلى تنظيم الدولة “داعش”، حيث أقدَم قادة ذلك الفصيل المشاركون في المعركة على إعدام الأسرى وعددهم 23 أسيرا، بينهم الرائد محمد أمين الخضر من قرية البرقوم التابعة لريف حلب الجنوبي.
كان لا يزال المشهد في الميدان ساخنا، لم ينج حينئذ من الذين استسلموا سوى رامي رشاش وجّه على الفور وفي الميدان رشاشه باتجاه طائرة حربية وأخرى مروحية حاولتا مساندة حامية الكتيبة، عُرف رامي الرشاش هذا لاحقا باسم داريا، وقاتل مع الثوار معارك كثيرة حتى استشهد.
احتفى أبناء المنطقة بهذا النصر ونحروا الخراف وقدموا الطعام للثوار، فذاك يوم تاريخي لا ينسى بالنسبة لأبناء الريف الجنوبي، تحررت فيه كتيبة المنطار وكتيبة عزان وتم وصل القسم الشرقي لهذا الريف بغربه، من جبل الحص إلى الوضيحي إلى مشارف الشيخ سعيد وصولا إلى الأوتوستراد الدولي حلب دمشق، ليكملوا مسلسل الانتصارات والفتوحات متجهين إلى بلدة خناصر الاستراتيجية وكتيبتها وباقي الكتائب في المنطقة.