عبد الله النجار
مقدمة:
لم يسبق أن رُصد هذا العدد من المسيرات المؤيدة لحزب العمال الكردستاني بين العرب، حيث إنه يكشف عن محاولة تشويه اجتماعي سياسي جديد ينفذه الحزب بحق العرب شرقي الفرات، فالمضارب التي لم يسبق للعمال الكردستاني PKK أن مرّ بها من قبلُ أخذت تصدح بحياة زعيمه المعتقل وتطالب بتحريره، وتتظاهر نصرة لأتباعه منددةً بـ “الاحتلال التركي”، وفي حين غابت سورية وشعبها المنكوب، فقد حضرت مخمور وقنديل والسليمانية، وفي ظل غياب ضحايا المقابر الجماعية القريبة التي ينفض فريق “منسقو الاستجابة” الغبار عن العشرات منها في الرقة، يوميًا، يحضر قتلى العمال الكردستاني في السليمانية و”زينة ورتي” بشمالي العراق.
مسيرات عربية مؤيدة لـــ PKK:
كان أسبوعًا حافلًا بالنشاط، امتدّ منذ الثالث والعشرين حتى الثامن والعشرين من حزيران/ يونيو، وركّز فيه الحزب على المناطق العربية، وتمكن من تنظيم نشاطات عدة في مواقع مختلفة في يوم واحد.لنبدأ من اعتصام الرقة، في السابع والعشرين من حزيران/ يونيو، حيث يبدو كلُّ ما في الصورة عربيًا، فاللّغة التي قُرئت بها البياناتُ الثلاث كانت عربية، والفتيات اللواتي قرأنها كنّ عربيات رقيّات، والنسوة الثلاثون اللواتي اصطففن خلفهن كذلك، حتى الرجال العشرون الذين كانوا في حشد النساء كانوا عربًا، وهذا ما يوحي به اللباس العربي الرقّي والحشمة التي تبدو عليها النساء، أو لنقل إنه لم يكن بينهن واحدة من كوادر حزب العمال الكردستاني الذي لا ترتدي المنتسبات إليه غطاء الرأس، عادة، ولم يكن هناك إلا أعلام “اتحاد ستار” التنظيم النسوي التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD، وكذلك مضمون البيانات، حيث تحضر مدينة السليمانية العراقية وعبارة “الاحتلال التركي”، في البيان المندّد بالدولة التركية، ذلك هو الاعتصام الذي تنظمه نساء الرقة أربعة أيام، احتجاجًا على مقتل ثلاث نساء من حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، في قصف تركي على مقرّ لهن في قرية (حلنج) بريف عين العرب
[1].وفي الوقت نفسه، كانت هناك مسيرة مؤيدة أخرى تضمّ العشرات من أهالي بلدة الشدادي العرب، ترفع لافتة كبيرة كتب عليها: “الفاشية التركية هو تهديد على الأمن العالمي فلنقف معًا ضد هذا الإرهاب”. ويدل الضمير “هو” في هذا المقام على أن الخطاط الذي خطّ اللافتة لم يكن عربيًا، بينما ندّدت لافتة ثانية بعدوان هذه الفاشية على سنجار “شنغال” ومخمور، وكلتاهما منطقتان عراقيتان.وعلى وقع الأغاني التي تنتجها فرق الحزب الموسيقية، كانت المسيرة تصدح بالعربية “لا للاحتلال التركي”، وبلسان عربي مبين تقول: “بالروح بالدم نفديك روجآفا”، وبلسان عربي أيضًا، قرأ الخمسيني سالم السالم البيان “الأبوجي
”[2] الذي تحدث عن “إرهاب أردوغان”، وقد حملت النساء أعلام “وحدات حماية المرأة” الكردية YPJ الخضراء، التي لا يعرفن مدلولها، إضافة إلى صور أوجلان الذي لم يعرفنه إلا قبل مدة قصيرة، بدأت حين استولت جماعته على منابع النفط المجاورة، ورايات “قوات سوريا الديمقراطية” التي فرضها الأميركان عليهم، مقابل مشاركتهم في تحرير أراضيهم من التنظيم الصّنيعة (داعش)، وتبدو في الصورة امرأة ممن يرتدين القفازات السوداء أيضًا، في حين يظهر ويختفي أمام الكاميرا ناشطون يبدو أنهم لا يريدون أن تُلتقط ملامحهم، وعلى وقع هتاف “يسقط يسقط أردوغان.. عاش القائد أوجلان”، الذي يردده لسانٌ عربيٌ أيضًا؛ ينتهي الفيديو الذي نشرته وكالة (هاوار نيوز) التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD
[3].وفي التوقيت ذاته، نظم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD نشاطًا ثالثًا، كان عبارة عن مسيرة مؤيدة لــ PKK، أمام أحد مقارّ النظام العسكرية في حي وادي المشاريع بدمشق؛ هي الأولى منذ مدة طويلة، للتنديد بـما يسميه الحزب “جرائم الاحتلال التركي”، ولم يشارك فيها سوى العشرات، ورُفع فيها علم النظام وعلى جانبيه أعلام الحزب وصور أوجلان
[4].قبل ذلك بيومين، نظم الحزب مسيرة مماثلة في ناحية الهول العربية (25 كم شرقي مدينة الحسكة)، شوهدت فيها اللافتة الخطأ نفسها والرايات والأعلام ذاتها، وسُمع فيها الهتّاف العربي الذي يُحيّي “أوجلان وروجآفا”، وشوهد (سالم) مرة أخرى يلقي كلمته، لكنه هذه المرّة وُصف بأنه “الرئيس المشترك لمجلس عوائل الشهداء في الهول”
[5]، لا في الشدادي[6].وقبل ذلك بيومين أيضًا، في الثالث والعشرين من حزيران/ يونيو، انطلقت أربع مسيرات مؤيدة للعمال الكردستاني[7]، واحدة منهن فقط قد تكون كردية وهي التي خرجت في القحطانية، أما الثلاث الباقيات فمن المؤكد أنهن عربيات؛ لأنه لا وجود للأكراد في تل حميس واليعربية
[8] والرقة، إلا ما ندر. نددت المسيرات بما يسميه الحزب بـــ “الإرهاب والاحتلال التركي لسورية والعراق وليبيا”، وبالهجمات التركية على مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، ورُفعت فيها صور أوجلان ولافتات تنادي بحريته، إضافة إلى رايات العمال الكردستاني المختلفة.وفي الثامن والعشرين من حزيران، وتحت شعار “نساء كوباني وأطفال السليمانية – القاتل واحد”، نظّم اتحاد ستار النسوي اعتصامًا في مدينة الطبقة، كان من المقرر أن يستمر يومين، لم تُسمع فيه الكردية، ولم يُرَ فيه الفلكلور الكردي أيضًا، بل كل ما هو حاضر كان عربيًا، باستثناء مضمون الاعتصام وأهدافه، فقد كانت كردية “أبوجية”
[9]. حضرت نساء PKK وغابت نساء سورية، وكالعادة حضرت مخمور وزيني ورتي في شمالي العراق، وغابت المقابر القريبة في الرقة.
من ينظم تلك التظاهرات؟
في أواخر عام 2010، ومع انطلاق التنظير لمفهوم الأمة الديمقراطية الذي كان في بداياته آنذاك، طلب أوجلان من أتباعه تأسيس مجالس للمدن والمناطق والأرياف
[10]، وألحّ في طلبه، ثم أسهب في شرح كيفية تشكيلها لتكون بنية تحتية لمفهوم الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية[11]، غير أن أتباعه عقدوا اجتماعًا، في كانون الأول/ ديسمبر 2010، وأعلنوا الإدارة الذاتية الموسعة في “كردستان تركيا”
[12]، وهو ما انتقده أوجلان، لافتقاده البنية التحتية ولعدم إتمام تشكيل المجالس التي تحدث عنها
[13]. ويمكن فهم موقفهم في ذلك الوقت، في ظل تجريم القوانين لما يمكن تسميته بإقامة “دولة داخل الدولة” حيث لا تسمح الدول بهذا الأمر، ولذلك تهربوا من طلبه بتلاوة بيان ورقي في اجتماع حزبي، وتخلصوا من العبء الذي ألقاه على عاتقهم.والسبب في ذلك أن المذكور كان يهدف إلى توريط أكراد تركيا، مرةً أخرى، في مواجهة مع الدولة، عبر زجّهم كواجهات مدنية لـ PKK في مجالس تتحمل مسؤولية قرارات مصيرية لا تتخذها في المفاوضات التي كانت تجري بين الحزب والدولة التركية آنذاك.
حيث كان على هذه المجالس المصطنعة والمؤيدة لحزبه أن تتخذ قرارًا بحل القضية، تحدد فيه المطلوب من الدولة والحزب، ثم تراقب أداء الطرفين وتقوم بتقييمهما، وترغم الطرف الذي يخل بالتزاماته عبر التشهير به، وبهذا الشكل يتحول الأكراد الذين انخرطوا عن نية حسنة في هذه المجالس، إلى مواجهة السلطة عند أول موقف رفض تتخذه، أي إن الدولة ستكون في مواجهة الشعب
[14].وفي إسقاط ذلك على الواقع السوري الحالي شرق الفرات، نرى أن الحزب شكّل مجالسه المصطنعة في المدن والبلدات والأحياء العربية والكردية، وأمسى أعضاء هذه المجالس و”الكومينات” أصحابَ صلاحيات واسعة في التوظيف وتوزيع المساعدات، وباتوا يجرون دراسات، كتلك التي كان يجريها حزب البعث والأجهزة الأمنية، وبذلك باتوا أيضًا واجهة لحزب PKK، ويتحملون عبء قرارات لم يتخذوها، وباتوا يلهثون من أجل توطين الحزب وترسيخ سيطرته، حتى يحافظوا على مواقعهم ويحموا مكتسباتهم أيًّا كان الثمن، ولذلك فهم يسيرون في طريق الصدام مع الآخر الرافض وجود الحزب وسيطرته، سواء أكان مقيمًا في المنطقة أم مهجرًا خارجها.وعلى أرض الواقع، تولى تنظيم المسيرات كلٌ من حزب “سوريا المستقبل”
[15] الذي أسسه PYD في الرقة مطلع 2018، ونقل إليه كثيرًا من كوادره، إضافة إلى مجالس المدن والبلدات
[16]، وتنظيم “اتحاد ستار” النسوي[17]، وتنظيم “مجلس عوائل الشهداء”[18]، ويُفرض على كل الموظفين والمتعاقدين مع الإدارة الذاتية هناك المشاركة فيها، تحت طائلة طردهم من وظائفهم.
الحزب الطليعي:
لكي نفهم آلية تشكيل المجالس وعملها، وفق ما يريده PKK، لا بدّ لنا من شرح مفهوم الحزب الطليعي الذي نظّر له أوجلان، وكيف طبّقه حزبه على أرض الواقع في سورية.خلال مرحلة التحول من الدولة القومية إلى الأمة الديمقراطية المزعومة، يتحول حزب العمال الكردستاني PKK إلى نموذج بدائي عنها[19]، أي إنه يُصَيّر نفسَه أمة ديمقراطية
[20]، فيكون بذلك قدوةً للمجتمع الكردي، ويتحول الكوادر والقادة إلى “أنبياء ورسل” للأمة الديمقراطية، التي لا يمكن فرضها بالسلاح أبدًا، فهي أصلًا تطورٌ طبيعي يصل إليه المجتمع في ذروة دورة حياته.
غير أن ما حصل كان العكس تمامًا، فالإدارة الذاتية فُرضت بقوة السلاح، ولم تقتصر على الأكراد فقط، بل طُبقت على كل المكونات التي طالتها بنادق PKK، وبدلًا من أن يتحول الحزب إلى نموذج بدائي منها، تحوّل إلى سلطة فوق الجماهير صادرت كلّ هوامش الحرية حتى تلك المرتبطة بالحرية الفردية، وشُكلت المجالس واللّجان وفق أسلوب التعيين الذي تولاه كوادر الحزب، وتُتخذ القرارات كلها أو جلّها في قنديل، وما على هذه المجالس إلا التمثيل.
وانخرط كوادر PKK في كل مناحي الحياة المدنية والعسكرية والاقتصادية، فتحولوا إلى عناصر مخابرات تراقب العمل في كل مفصل، وتتلقى القرارات من قياداتها وفق تراتبية عسكرية لا يمكن الخروج عليها، فوراء كل رئيس هيئة مدنية أو عسكرية يقبع “كادر”، وفوق كل مسؤول مدني أو عسكري، هناك رفيق “هفال”.
جهود PKK بين النجاح والفشل:
يقبع حزب العمال الكردستاني على تجربة تنظيمية وسياسية وعسكرية صارمة، يتجاوز عمرها أربعة عقود، بينما يُعدّ السوريون عمومًا، وسكان شرقي الفرات خصوصًا، باستثناء الأكراد، أميين في هذا الجانب بفعل التصحر التنظيمي والسياسي الذي فرضه حزب البعث عليهم.وأدى إغلاق المنافذ مع المعارضة السورية في الغرب إلى وقوع العرب بين فكيّ كماشة: النظام من الجنوب وحزب العمال الكردستاني في الشمال، فانقطع التواصل الاقتصادي، وانقطعت معه الروافد القليلة المتبقية التي كانت تساعد السكان في حياتهم، وأتت الحرائق خلال العام الماضي (وبنسبة أقل هذا العام) التي لم تتمكن سلطة الأمر الواقع من إيقافها أو الكشف عن فاعليها، على محاصيلهم الزراعية
[21]، وهي ظاهرة جديدة لم تعرفها سورية خلال تاريخها الطويل، وهكذا بات السكان العرب يعانون فقرًا فوق فقرهم الموجود أصلًا، بفعل سياسة التهميش الاقتصادي والسياسي التي اتبعها النظام تجاههم.في ظل هذا الوضع، أمسك العمال الكردستاني بمنابع النفط والغاز مصدر الرزق الوحيد هناك، كما أمسكت لجان الأحياء “الكومينات” المرتبطة به بجداول توزيع المساعدات المرسلة من الأمم المتحدة، وجيّرها في سبيل تعزيز سلطته، فلم يعد هناك أي مصدر للرزق سوى الانتساب إلى قوات الشرطة “الأسايش” أو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي يقودهما أو العمل في الوظائف القليلة التي تعلنها “الإدارة الذاتية” التابعة له من حين لآخر.وشكل الدعم الأميركي والغطاء الدولي الذي يتلقاه الحزب أداةَ صدّ أمام أي تحرك عربي شرق الفرات، في ظل عدم السماح للعرب بإدارة ثرواتهم أو الاستفادة منها أو حتى السماح لهم بإدارة أنفسهم، وعلى الرغم من تظاهرات الاحتجاج الكثيرة التي نظمها العرب للمطالبة بتحسين المستوى المعيشي وإبعاد المفسدين واللصوص عن مواقع القرار، فإن أيًا من السلطتين المباشرة المتمثلة بأتباع PKK، وغير المباشرة المتمثلة بالأميركان، لم ترد على مطالبهم، ولم تغيّر شيئًا من الواقع سوى تقديم بعض الوعود التي تهدف إلى استهلاك الوقت، وهكذا بات عرب شرقي الفرات في وضع العين التي تقاوم المخرز.
وقد سهّل مهمة الحزب في اختراق المجتمع العربي وجود شريحة من الانتهازيين والمرتزقة والمتسلقين التي تظهر في كل زمان ومكان، تلك هي أبرز الأسباب التي ساعدت الحزب في توطيد سلطته بين العرب.من جانب آخر، يبدو أن هذه السلطة مهددة، وباستثناء الدعم الأميركي، لا يوجد ما يؤيد بقاءها، فالتمييز العنصري الذي يمارسه الحزب تجاه العرب
[22]، المتمثل بإبعادهم عن مواقع السلطة والقرار، مع أنهم يشكلون نسبة 86%[23] من تعداد “قوات سوريا الديمقراطية”، وحرمانهم من الموارد النفطية التي تُستخرج من حقول النفط الواقعة في أراضيهم
[24]، والتظاهرات التي أشرنا إليها آنفًا، هي مؤشرات على خروج الناس مجبرين لا مختارين في تلك المسيرات، ويمكن قراءة ذلك في الوجوه التي ترصدها الكاميرا، والشفاه التي لا تردد الشعارات، حيث تبدو الملامح باهتةً، بعكس ما اعتدنا رؤيته في التظاهرات الصاخبة طوال السنوات الماضية من عمر الثورة.ولم يكلف أحدٌ من العرب المشاركين في المسيرات المذكورة نفسَه عناء لفت انتباه منظميها إلى ضرورة تصحيح اللافتة الخطأ، ويدل استخدام الهتّاف ذاته وقارئ البيان في مظاهرتي الشدادي والهول دلالة قطعية على ندرة المرتزقة، وانعدام المبادرة وضعف الاستجابة، خاصة إذا علمنا أنه في الوقت الذي كانت فيه مسيرة الشدادي المؤيدة للحزب قائمة، كان هناك تظاهرة منددة بسياساته تجوب شوارعها[25]، وكان عشرات المحتجين يقتحمون مبنى بلدية الشعب التابعة له في مدينة البصيرة[26] في دير الزور، احتجاجًا على الفساد المستشري داخل مؤسسات “الإدارة الذاتية” وسوء الخدمات وتفشي المحسوبيات، وتبعتها في اليوم التالي تظاهرة ثالثة في بلدة (غرانيج) بدير الزور احتجاجًا على الفلتان الأمني[27]، ورابعة في تل حميس[28] قرب القامشلي، وخامسة في قرية حوايج[29] وسادسة في هجين[30] وسابعة في غرانيج[31] للمرة الثانية، خلال أربعة أيام في ريف دير الزور.
إن أيّ محاولة لتزوير الإرادة العربية شرق الفرات سوف تبوء بالفشل،
ومعارك تل حميس وتل براك[32] التي خاضها أبناء تلك المنطقة، قبل ظهور (داعش)، ضد النظام ووحدات حماية الشعب YPG مجتمعين، وقبل أن تتغطى الأخيرة بالغطاء الأميركي، خيرُ شاهد على ذلك، وصور الضحايا في مجازر[33] تل براك وتل خليل والحاجية التي أشرف على تنفيذها مراد قريلان[34] شخصيًا، وتجريف القرى العربية[35] ما تزال ماثلةً في الأذهان.
أهداف PKK:
أكدت المسيرات الأخيرة حقيقة يعرفها كلّ أبناء شرق الفرات، تتمثل في أن المسيطر الحقيقي هو حزب العمال الكردستاني PKK، لا حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، بدلالة اللافتات التي رُفعت والهتافات التي رُدّدت وصور أوجلان وأعلام الحزب التي رُفعت فيها، وأن هذه السيطرة ليست فكرية فقط -كما يدعي قادة الحزب- بل هي تنظيمية أيضًا، وأن غاية الحزب منها تحقيق الأهداف التالية:
1-تهيئة الأرضية المناسبة لصراع عربي-عربي طويل الأمد، بين مؤيد ومعارض له، وخاصة مع أولئك الذين يقاتلون ضمن صفوف الجيش الوطني، عبر الزجّ بأبناء عمومتهم في مواجهتهم على الخطوط الأولى من المعركة، وهو ما كشفت عنه بيانات القتلى التي تعلنها “قوات سوريا الديمقراطية” بين حين وآخر.
2-محاولة إقناع الأميركان والتحالف الدولي، بأن ليس هناك معارضة عربية وازنة لسياساته، وأن أكثر ما يخشاه العرب هو الاحتلال التركي لمناطقهم.
3-الترتيب لتصنيع شخصيات تدّعي تمثيلها للعرب، لتُستخدم لاحقًا واجهة لشرعنة أي إعلان للحكم الذاتي أو الفدرالية مثلما جرى عند إعلان الحزب لإدارته الذاتية المؤقتة بداية عام 2014، وذلك في سياق الحوار الذي بدأ أولى خطواته مع المجلس الوطني الكردي، ومن المرجح أن تكون خطوته الثانية مع المكون العربي.
4-محاولة إقناع العرب بأن عدوهم الرئيس هو الأتراك وليس النظام، كمقدمة لتحويل الشباب والشابات العرب إلى مصدر آخر لتجنيد المقاتلين عبر إرسالهم إلى معسكرات PKK.
5-إظهار شرق الفرات بكل مكوناته معاديًا للأتراك، ومحاولة نقل الصراع من قنديل إلى سورية.
6-محاولة إقناع السوريين غرب الفرات بأن شرقه بات عالمًا آخر ليس له علاقة بالثورة، وأن عليهم نسيانه، وذلك من خلال تغييب كل ما يمت إلى الثورة السورية بصلة، حتى إن الحزب لم يصدر هذا العام بيانًا في ذكرى الثورة السورية، بخلاف السنوات السابقة.
خاتمة:إن محاولات PKK المستمرة منذ سنوات في تحويل شرق الفرات، وتحديدًا العرب، إلى حاضنة شعبية له، عبر زجّ أبنائهم في مواجهة أبناء عمومتهم في فصائل الثورة سابقًا والجيش الوطني حاليًا، يبدو أنها لن تنجح، وكذلك لن ينجح الحزب في نقل معركته مع الأتراك من جبال قنديل إلى سهول الجزيرة، وإن محاولاته اختراق المجتمع العربي تظل محدودة، لكونه لم يستطع تجنيد إلا القليل من الشبان العرب في معسكراته في قنديل، وتبقى هذه المسألة حالة فردية لا تعبّر عن مزاج المجتمع كله، وهذا ما كشفت عنه المسيرات الأخيرة المؤيدة للحزب.
ومن جانب آخر، تفرض هذه المسيرات على السوريين، عمومًا، إيلاء العرب الموجودين شرقي الفرات الاهتمام الكافي، وتفعيل التواصل معهم ومع كل المكونات المؤيدة للثورة هناك، وعدم تركهم فريسة سهلة لحزب العمال الكردستاني، وذلك عبر التأكيد دائمًا أن شرقي الفرات سيبقى جزءًا من الثورة السورية.