الخليج الجديد:10/9/2022
سلط موقع “ميدل إيست آي” البريطاني الضوء على تزايد حظوظ الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في البقاء على رأس السلطة في تركيا والفوز بالانتخابات القادمة التي ستجري بعد 10 أشهر.
وعزا الموقع هذا التطور للبراجماتية الخلاقة التي يجيدها أردوغان واستغلاله لعدد من الأوراق الشعبوية مؤخرا، من بينها رفع الأجور وتحسين الإنفاق الاجتماعي، وتحقيق اختراقات داخل مختلف قطاعات المجتمع، أحدثها مغازلته لخصومه العلويين المعروفون بميلهم للتصويت لصالح حزب الشعب الجمهوري ولصالح الأحزاب اليسارية.
وتأتي تحركات “أردوغان” رغم ما تمر به تركيا من أوضاع صعبة، وتجاوز التضخم في أغسطس/ آب الـ80 %، واستمرت الليرة التركية في فقد قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، حيث خسرت 27% من قيمتها هذه السنة.
غير أن هذه التحركات، وفقا للموقع البريطاني، سُمع صداها بشكل مباشر في استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات مسحية مستقلة وكذلك تلك التي أجراها حزب العدالة والتنمية بنفسه.
وأشارت الاستطلاعات إلى أن الحكومة اكتسبت المزيد من الدعم الشعبي خلال الشهور الأخيرة، وشجع هذا التغير في مزاج الناخبين الحزب الحاكم على الاعتقاد بأن بإمكانه أن يفوز في الانتخابات المقبلة.
وحتى المراقبون الذي كانوا في البداية قد استبعدوا فرص “أردوغان” في النجاح، يعربون الآن عن اعتقادهم بأنه سيبقى في منصبه. فقد اشتهر عن الرئيس أن بإمكانه أن يأتي بالأعاجيب وأن يحرز تقدماً ملحوظاً في الحملات الانتخابية.
وبالفعل، ها هو “أردوغان” يستخدم هذه المرة الورقة الشعبوية، ففي شهر يوليو/ تموز، رفع الرئيس التركي الأجور بمعدل 30 %، وهي خطوة استفاد منها ما يقرب من نصف القوى العاملة في البلاد والتي تقدر بنحو ثلاثين مليوناً.
ثم عمدت حكومته إلى زيادة أجور العاملين في القطاع الحكومي بحوالي 42%، بما عاد بالفائدة على نحو خمسة ملايين موظف حكومي. وما لبث القطاع الخاص أن سار على نفس النهج.
وبعد ذلك بادرت حكومة أردوغان بإصلاح الأجور للعاملين في القطاع الصحي، وعفت عن الفوائد المفروضة على القروض الممنوحة للطلاب.كما أطلقت الحكومة خطة للإسكان غير المكلف لمن يرغبون في شراء بيت للمرة الأولى، وأوجدت نظاماً يقدم قروضاً أقل تكلفة للمؤسسات التجارية، وكل ذلك ضمن تحركات استراتيجية الهدف منها استمالة كتل انتخابية بعينها.
لم يتوقف الرئيس التركي عند ذلك الحد، بل أعلن هذا الأسبوع عن حزمة مساعدات أخرى للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، سوف تدفع الحكومة بموجبها 30 مليار ليرة تركية (ما يعادل 1.6 مليار دولار) لسداد القروض التي أخذها ما يزيد على 5 ملايين مواطن.
وسوف تستمر وزارة الطاقة في دعم فواتير الكهرباء والغاز، وهي السياسة التي من المحتمل أن تكلف 200 مليار ليرة (ما يعادل 11 مليار دولار) هذا العام.كما ستزيد وزارة العائلة المساعدة الاجتماعية لمن لا يتمكنون من سداد فواتيرهم.
وسوف يتم التصديق على قانون جديد يسمح للناس من أصحاب “سن التقاعد المتأخر” بالتقاعد، وبذلك يتم إرضاء شريحة قوية ما لبثت تطالب بذلك منذ سنين، كما أن الحكومة ستحول مئات الآلاف من الوظائف التعاقدية إلى وظائف دائمة.
في هذه الأثناء، ورغم الارتفاع الشديد في التضخم، فإن الناتج المحلي الإجمالي لتركيا نما بنسبة 7.6% في الربع الثاني من عام 2022، وذلك بفضل الإيرادات القوية من السياحة، وزيادة الصادرات، والضخ المالي الوارد من روسيا ومن الخليج – وإن رافق ذلك عجز هائل في الميزان التجاري.
ونقل الموقع عن مصادر مقربة من الحكومة أن الحزب الحاكم سوف يستمر خلال العام القادم في رفع الحد الأدنى من الأجور وفي زيادة رواتب موظفي القطاع العام.وقال واحد من المصادر المذكورة للموقع: “لقد تعود الناس على التضخم، والذي سوف يتباطأ في الشتاء.
وكلما مضينا قدماً فسوف تقل أهمية التضخم شيئاً فشيئاً. ومع كل هذه الخطوات، فسوف يشعر الناس بتحسن في أوضاعهم المالية”.
وبالفعل، يعمل أردوغان على الوفاء بكل مطلب مالي واقتصادي شعبوي للناخبين على أمل الحفاظ على القاعدة الشعبية التي تؤيده. ما من شك في أن الشهور العشر مدة طويلة، ولكن لا ينبغي استبعاده.
ويأتي تقدم “أردوغان” وحزبه في استطلاعات الرأي، في الوقت الذي لا يملك فيها مرشح المعارضة المحتمل، زعيم حزب الشعب الجمهوري “كمال كليتشدار أوغلو” قدرات مالية مشابهة حتى يقدمها للجمهور، فيما عدا عبر البلديات التي تديرها المعارضة التي لديها إشكالات تتعلق بالميزانية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك قتالا محتدما داخل المعارضة حول الاتفاق على مرشح مشترك: حيث لا ترغب المعارضة القومية التركية في التعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للكرد، بما يقطع الطريق على احتمال الاستفادة من حصتهم في الاقتراع التي تصل إلى 10% من أصوات الناخبين، والتي تعتبر حيوية لمن يريد الفوز في السباق.
في المقابل، أقدم “أردوغان” على خطوة لافتة وغاية في البرجماتية الشهر الماضي عبر مغازلة الطائفة العلوية في تركيا والتي يقدر تعداد أتباعها بما يقرب من الخمسة ملايين نسمة.
ومعروف عن العلويين تقليدياً أنهم خصوم لأردوغان ويميلون للتصويت لصالح حزب الشعب الجمهوري ولصالح الأحزاب اليسارية، غير أن “أردوغان” زار ولأول مرة منذ 20 عاما “بيت جمع”، وهو المكان الذي يؤدي فيه العلويون جماعة طقوسهم الدينية.
التقى “أردوغان” (مسلم سني) برجال الدين فيهم. ثم حضر مهرجاناً علوياً لتكريم أحد رموزهم الدينيين.
في تلك الأثناء، بادرت وزارة الداخلية بمنح العلويين مناصب في الدولة.
وفسر خطوة “أردوغان” ذلك من قبل الكثيرين في أنقرة بأنه محاولة لتشتيت صفوف المعارضة وتخفيف مشاعر العداء له في أوساط المجتمع العلوي – وهي شهادة لأردوغان بأنه براجماتي مبدع.
وفيما يصعب الجزم بما إذا كان سيكسب الانتخابات القادمة في خضم كل التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد اقتصادياً وسياسياً. إلا أن شيئاً واحداً بات مؤكداً، ألا وهو أن “أردوغان” على استعداد أن يكون براجماتيا خلاقا ويقدم المزيد من التنازلات، بينما تعاني المعارضة من قصور في الوحدة والاستراتيجية.
وقد تتاح لـ”أردوغان” فرصة أخرى بفضل الكارثة التي تحيق بأوروبا بسبب أزمة الطاقة.ورغم أن ذلك قد يضر بالاقتصاد التركي، إلا أنه قد يعزز القطاع السياحي ويزيد من الطلب الأوروبي على الصادرات التركية، الأمر الذي سيساعد البلد على الاحتفاظ بنمو في ناتجه المحلي الإجمالي.
وسيكون ذلك بمثابة المنحة التي تعود على البلاد بفضل ضخه للأموال في القطاع العام.المصدر | راجب صويلو/ ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد